العدسة – منذر العلي:

تماهيًا مع أدوارها المشبوهة وتدخلاتها في قضايا العالمين العربي والإسلامي، كشفت تسريبات يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن، حلقة جديدة من حلقات تواطئها ضد القضية الفلسطينية.

التسريب الجديد الذي كشفه موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، فضح سعي “العتيبة” في مباحثاته مع المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط “دينيس روس” لمعاقبة قطر، بسبب دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم “بي دي إس”.

وأشار الموقع إلى أن الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني للعتيبة تكشف الخيارات التي تدارسها الرجلان لمعاقبة قطر، في مقدمها نقل القاعدة الأمريكية من العديد بغية “إجبار قطر على تغيير سلوكها”.

وأكد التقرير أن المراسلات بين العتيبة وروس تكشف عن رغبة إماراتية في تطبيع سريع مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لمصلحة تل أبيب في واشنطن.

وأشار التسريب إلى إعراب الرجلين عن قلقهما إزاء بعض النشاطات القطرية التي تسعى لإدانة إسرائيل في مراكز البحث والتفكير على مستوى العالم.

ما هي (BDS

حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) تُعرف نفسها بأنها “حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد” تسعى لمقاومة الاحتلال من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

وتقول عبر موقعها الرسمي أنها “نجحت في بداية عزل النظام الإسرائيلي أكاديميًا وثقافيًا وسياسيًا، وإلى درجة ما اقتصاديًا كذلك، حتى بات هذا النظام يعتبر الحركة اليوم من أكبر الأخطار الاستراتيجية المحدقة بها”.

تسمية الحركة بهذه الأحراف الثلاثة (BDS) يرجع إلى اختصار أهدافها المعلنة في مواجهة الاحتلال كالتالي: مقاطعة (Boycott)، سحب الاستثمارات (Divestment)، وفرض العقوبات (Sanctions).

شرارة الحركة انطلقت عام 2005، حيث شارك أكثر من 170 كيانًا من اتحادات شعبية ونقابات وأحزاب ولجان شعبية ومؤسسات أهلية فلسطينية في إطلاق النداء لمناشدة أحرار وشعوب العالم بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

أما المطالب فهي تتلخص في: إنهاء الاحتلال وتفكيك جدار العزل، إنهاء كافة أشكال التمييز العنصري ضد فلسطينيي 1948، حق اللاجئين في العودة لديارهم واستعادة ممتلكاتهم.

وتتصاعد الضغوط داخل الولايات المتحدة الأمريكية على نشطاء الحركة بسبب ما تشعر به إسرائيل من قلق وخوف عبر عنهما سفيرها لدى الأمم المتحدة “داني دانون” الذي اعتبر أن الحركة تشكل تهديدًا لوجود إسرائيل.

وفي سياق تلك الضغوط أصدر حاكم ولاية نيويورك “أندرو كومو” في يوليو الماضي، أمرًا تنفيذيًا يفرض عقوبات على حركة مقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية، وهو القرار الذي أثار جدلًا بين الأمريكيين.

علاقات سرية

اللافت أن التسريب الأخير ليس إلا حلقة تُضم لباقي الحلقات التي كشفتها تسريبات سابقة من البريد الإلكتروني للعتيبة، تفضح خبايا العلاقات السرية والعلنية بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي.

وسلط التقرير الإعلامي المنشور 31 يوليو الماضي بعنوان “رمال متصهينة” الضوء على القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية.

تقارير إعلامية أخرى نقلت عن وثائق لموقع ويكيليكس، أن تنسيقًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا يجري بشكل متسارع بين الإمارات وإسرائيل، وتُظهر الدور الذي يقوم به العتيبة في الدفع بالتطبيع في اتجاه مراحل غير مسبوقة، كما تظهر أن أبوظبي لم تتحول إلى مرتع للمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية فحسب، بل أصبحت قاطرة تحاول جذب العالم العربي إلى السير في ركاب المنظور الإسرائيلي للمنطقة وقضاياها، وفي صدارتها القضية الفلسطينية.

وفي أغسطس الماضي، كشف موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، أن العتيبة تواصل مع “عراب” القبة الحديدية الإسرائيلية، والقائد في جيش الاحتلال، عوزي روبين، بعد شهر واحد من العدوان على غزة عام 2012، ومع أهم مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.

كما تكشف الوثائق أنه في عام 2010 استقبلت الإمارات فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال القيادي في حركة حماس “محمود المبحوح” في دبي بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).

وبحسب الوثائق أيضًا، فإن الإمارات تعاقدت مع شركة “إيه جي تي” الأمنية الإسرائيلية لتأمين مرافق النفط والغاز، وكذلك إقامة شبكة مراقبة مدنية في أبوظبي، كما شاركت الإمارات نهاية العام الماضي في مناورات العلم الأحمر في اليونان إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة.

وفي مراسلات أخرى طلب المحلل البارز في واشنطن، وأحد أهم مفكري اللوبي الإسرائيلي هناك، “روبرت ساتلوف” من العتيبة في فبراير 2012، استضافة عشاء خاص لمجلس إدارة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمناصر للاحتلال، ورد العتيبة بالإيجاب، وقال: “إن هذه فكرة عظيمة. سعيد باستضافة هذه المجموعة القوية”.

العتيبة والتسريبات

على الجانب الآخر، يتواصل الدور الإماراتي المناوئ للقضية الفلسطينية، بمعاداة المقاومة خاصة الإسلامية منها وفي مقدمتها حركة حماس.

تسريبات العتيبة كشفت عن لقاء عقد بين وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، قبل الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، أوصاه فيها الأخير بسحق حركة حماس.

كما اتهمت الإمارات بالمسؤولية عن اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح بأحد فنادق دبي عام 2010، حيث نقلت تقارير إعلامية، عن مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك”، قوله إن رئيس شرطة دبي السابق الفريق ضاحي خلفان متورط في اغتيال المبحوح.

التقارير أضافت أن “المخابرات الإماراتية علمت بنشاط المبحوح وسبق لها أن أوقفته، واستلم خلفان ملف المبحوح وبدأ بالتواصل مع رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة والقيادي الفتحاوي المفصول (محمد دحلان) لكي يمده بمعلومات عن المبحوح”.

وهنا تقود التفاصيل إلى الحلقة الأخطر في علاقة الإمارات بالمقاومة الفلسطينية، والدور الذي يلعبه “دحلان” منذ تعيينه مستشارًا أمنيًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في محاولة لي ذراع المقاومة وإخضاعها تحت الوصاية الإماراتية.

هذا المسلك كان واضحًا بشدة في خضم الأزمة الخليجية الحالية، فبينما كان دحلان طرفًا في لقاءات التفاهمات الأمنية بين مصر وحماس في القاهرة، كانت كل من السعودية والإمارات تكيل الاتهامات ضد حماس.

ففي 6 يونيو الماضي، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على هامش زيارته لباريس، إن “الكيل قد طفح، وعلى الحكومة القطرية التوقف عن دعمها للجماعات الإرهابية مثل حماس وجماعة الإخوان”.

وبعدها بيومين هاجم وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات “أنور قرقاش”، حركة حماس، وقال في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، إن “وجودها (حماس) في قطر يشكل خطرًا على المنطقة”.