شواهد ومعطيات كثيرة تدلل على أن الطائرات التي أغارت على مدينة درنة عروس ليبيا ودرة البحر المتوسط كانت طائرات مصرية.

فقد سبق وأن أغارت طائرات مصرية على المدينة الواقعة شرقي ليبيا أولها كان في عام 2015 ثم غارات أخرى في مايو 2017.

ومع تتبع التسلسل الزمني للأحداث التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة ربما ترشدنا إلى خيوط ما يمكن وصفه بالمؤامرة.

مقتل أقباط المنيا

البداية في 26 مايو 2017 والذي شهد مقتل نحو تسعة وعشرين مسيحيا مصريا في محافظة المنيا خلال هجوم شنه مسلحون مجهولون على حافلة تقلهم أثناء توجههم إلى دير الأنبا صموئيل بالمحافظة ذاتها.

عقب الحادث عقد قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي اجتماعا أمنيا مصغرا لبحث تداعيات الهجوم فيما أغلقت القوات الخاصة التابعة للداخلية مداخل ومخارج المحافظة لمنع هروب المسلحين.

بعد ساعات قليلة كانت طائرات السيسي تحلق بعيدا وتسير مئات الكيلو مترات وتضرب مواقع ليبية في مدينة درنة وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية حينها إن الغارة دمرت المركز الرئيسي لمجلس شورى مجاهدي درنة، ردا على الهجوم الذي تعرض له الأقباط في المنيا.

ادعاءات نظام السيسي نفاها المتحدث باسم مجلس شورى مجاهدي درنة محمد المنصوري الذي قال في اتصال مع قناة الجزيرة “أنه لا علاقة لمجلس شورى مجاهدي درنة بأي أحداث تقع داخل مصر”.

وزاد على ذلك وأكد أن الضربة الجوية لم تستهدف أية مواقع تابعة لمجاهدي درنة مؤكدا أنها استهدفت منطقة الفتايح شرق درنة ومنطقة جبيلة في وسطها ما أدى إلى سقوط القذائف على منازل المدنيين الآهلة بالسكان وأحدثت أضرارا مادية كبيرة بها.

أسباب غارة مايو

الفاصل بين تصريحات السيسي وتصريحات المتحدث الإعلامي باسم القوات التابعة للواء الانقلابي خليفة حفتر 7 أيام والذي عقد مؤتمرا صحفيا هو الآخر في 2 يوليو 2017 ليبرر الغارات المصرية التي أوقعت عشرات المدنيين في ليبيا متهما ضابطا سابقا في الجيش المصري يدعى هشام عشماوي يقيم في درنة بالمسؤولية عن الحادث. (شاهد التصريحات)

وسبقت تصريحات المتحدث الليبي حملة تبنتها الأذرع الإعلامية لنظام السيسي للترويج بأن هشام عشماوي هو من قام بهجوم المنيا برغم المسافات المتباعدة.

حادث الواحات

في 20 أكتوبر 2017 وقعت قوات أمنية مصرية في كمين محكم بمنطقة الواحات بمحافظة لجيزة وقالت وكالات أنباء عالمية من بينها وكالتي رويترز والفرنسية أن عدد الضحايا من الشرطة وصل إلى 55 قتيلا بخلاف أعداد كبيرة من المصابين.

وأشارت رويترز إلى أن الحادث يعد الأعنف والأضخم في تاريخ الشرطة المصرية حيث كان من بين القتلى أعداد كبيرة من الضباط المنتمين لجهاز الأمن الوطني والداخلية.

في اليوم التالي للعملية غضت الأذرع الإعلامية للنظام العسكري الطرف عن الفشل الذي وصل إليه الجهاز الأمني وذهبت بعيدا كما ذهب السيسي سابقا إلى مدينة درنة ووجهت الاتهامات مرة أخرى إلى هشام عشماوي الضابط السابق بالجيش.

وساقت تلك الأذرع الأكاذيب والأساطير حول الرجل من بينها أن “عشماوي” التحق بالجيش وعمره 13 عاما ثم التحق بسلاح الصاعقة وعمره 14 عاما. (شاهدت تصريحات أحد القيادات الأمنية )

حفتر يحضر لزيارة القاهرة

في 28 أكتوبر الماضي برز دور اللواء الانقلابي خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات وتحدثت العديد من وسائل الإعلام عن زيارته القاهرة للتحضير لضربة جوية مصرية لمناطق في ليبيا.

وتحدثت العديد من المواقع الإخبارية ووسائل إعلام مصرية وعربية عن أن زيارة حفتر التي كانت مقررة في 28 أكتوبر كانت ستتضمن محاور عدة أبرزها التشاور بشأن توجيه ضربة جوية معلنة داخل الأراضي الليبية في إطار المحاولات المصرية لمعالجة تداعيات الهجوم الذي وقع في منطقة الواحات البحرية بالجيزة.

وأشارت المصادر بحسب موقع العربي الجديد إلى أن الاجتماع الذي كان يشمل حفتر وعددا من كبار مساعديه، كان لتحديد عدد من المناطق لتوجيه ضربات جوية لها، في مقدمتها أجدابيا ودرنة.

وأوضحت أن اللقاء كان يشمل أيضاً الخطط المشتركة لتأمين الحدود بين مصر وليبيا، التي تقع داخل نطاق نفوذ حفتر، الذي تسيطر قواته على الشرق الليبي المتاخم للحدود المصرية فيما عدا مدينة “درنة” الخاضعة لسيطرة مجلس شورى مجاهدي درنة، منذ طرده تنظيم الدولة منها، عام 2015.

لكن قرارات السيسي التي أصدرها في نفس اليوم تسببت في تأجيل الاجتماع مع حفتر خاصة وأن السيسي أقال صهره محمود حجازي الذي كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة والذي كان مسؤولا أيضا عن الملف الليبي في مصر.

في 31 من أكتوبر أغارت  طائرات مجهولة الهوية على مدينة درنة شرقي ليبيا وأوقعت عشرات القتلى والجرحى.

صباح اليوم التالي وجه عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، منصور الحصادي، أصابع الاتهام إلى مصر مشيرا إلى أن المدينة سبق أن تعرّضت لقصف الطائرات المصرية لها بحجة محاربة الإرهاب، كما تعرّضت للقصف من قبل القوات التابعة لحفتر، التي تفرض حصاراً مشدداً على المدينة.

كما اتهم عضو المجلس الرئاسي في ليبيا، محمد عماري زايد، قوى داخلية في إشارة إلى قوات حفتر بالاستعانة بأطراف أجنبية اعتبرها محللون “القوات المصرية” في تنفيذ القصف، ووصف عماري هذا الهجوم بأنه “جريمة وتطاول” على السيادة الليبية، وانتقد بشدة الليبيين الذين يحاصرون مدينة درنة ويمنعون عنها الغذاء والدواء.

هل تورطت مصر؟

من التسلسل الزمني للأحداث التي وقعت خلال الشهور الخمسة الأخيرة بداية من حادث قتل الأقباط في محافظة المنيا المصرية والرد عليه بضرب مدينة درنة في ليبيا ثم حادث الواحات بمحافظة الجيزة وما تلاه من الترويج لضلوع أحد أفراد الجيش السابقين بالوقوف وراء الحادث وأنه يقيم في مدينة درنة الليبية وما تبعه من الترتيب لزيارة حفتر للقاهرة والتي ترافق معها الحديث عن الترتيب لتوجيه ضربة جوية مصرية لأهداف ومواقع في ليبيا، يتضح أن القوات المصرية إن لم تكن هي من نفذت تلك الغارات التي أوقعت العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، فمن المؤكد أن لها يدا فيها أو على الأقل أوعزت وحرضت القوات التابعة لحفتر على ضرب مدينة درنة لمساعدته على السيطرة عليها بعد أن فشل حصارها المستمر منذ 3 سنوات في إخضاع المدينة التي لا تزال عاصية عليه.

وتهدف مصر من هذه الغارة إلى التغطية على الفشل الأمني في القضاء على الإرهاب، وأهداف أخرى خارجية أبرزها إخضاع مدينة درنة لحليفها حفتر الذي حاصرها لثلاث سنوات ولم يستطع السيطرة عليها.