كتب – هادي أحمد

سلط الخبير الاقتصادي والكاتب “محمد الدهشان” في مقال تحليلي بموقع “هاف بوست” النسخة الأمريكية، الضوء على عدد من النقاط، تتعلق بمنتدى شباب العالم، الذي ينطلق السبت 4 نوفمبر 2017 بشرم الشيخ بحضور ورعاية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وتناول الكاتب الإعلان الترويجي للحملة، والذي جاء تحت عنوان  “WeNeedToTalk” وطابقه بما تقوم به الحكومة والنظام المصري من ممارسات، موضحا أن ما جاء في الإعلان يجافي الحقيقة الفعلية التي يعيشها المصريون .

وإلى نص المقال:

كان من المقرر، أن تنظم الحكومة المصرية مؤتمرا شبابيا آخر، على غرار المؤتمرات التي نظمتها في غضون الشهور الماضية، حيث تقام الجلسات في القاعات ذات الأثاث الفخم، والتي يحضرها بنات وأبناء كبار المسؤولين الحكوميين والوفد المرافق لهم، ويجلس عبد الفتاح السيسي، مبتسما في الصفوف الأمامية، يوزع حكمته على الجالسين، وسط تصفيق مدوي.

ولكن الحكومة قررت هذه المرة، أن يكون “مؤتمر شباب العالم “، وتقوم بدعوة عشرات المشاركين من عدد من البلدان المحددة حول العالم – عبر ملء استمارة الكترونية على “جوجل كروم”؛ ما يضفي على الأمر شفافية أكثر إلى حد ما، بالنظر لطريقة المشاركين المصريين في المرات السابقة- ووضع ملصقات ترويجية للمؤتمر في مطار القاهرة، وإدراجها في مجلة مصر للطيران، وحتى الآن، لا يوجد ما يدعو للقلق.

لكن ما الذي أزعج الجمهور المصري العام من هذه الفاعلية، على الرغم من أن الحملة الإعلامية- عرضت على التليفزيونات الحكومية والمؤيدة لها بشكل مستمر، مع هاشتاج #WeNeedToTalk- والفيديو الترويجي الخاص بها ألقاها متحدث إنجليزي بلكنة بريطانية، وانتجته وكالة إعلان محلية، ويظهر الإعلان المؤتمر – ومصر- كمكان للتعبير عن آرائهم بحرية، لاسيما الذين لا صوت لهم، أو أصحاب المظالم، أو الذين يعانون من التمييز بكافة أشكاله.

ومن غير المستغرب، أن الهاشتاج، اختطف إلى حد كبير، من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الغاضبين من النظام المصري، الذين استخدموه لتسليط الضوء على النفاق الواسع للحكومة التي تحتجز الأفراد بشكل منتظم، جراء احتجاجهم أو آرائهم، سواء المطبوعة أو على الإنترنت، فضلا عن سجن الشباب لسنوات بدون توجيه أية تهم  بدون حتى وجود محاكمات هزلية.

كل جملة من الإعلان والذي مدته دقيقة واحدة، تعد مثيرة للغضب، ولها ما ينفيها على أرض الواقع عبر ممارسات النظام، ولنبدأ مثلا :

 

” إذا كان هناك شوارع لا يمكنك عبورها وملابس لا تستطيع ارتداءها، فنحن نريد أن نتحدث ”

 

قبل أسبوعين، أوضح تقرير لمؤسسة تومسون رويترز أن القاهرة هي أخطر مدينة على النساء؛ حيث أكد 99.3 % من النساء  تعرضن للتحرش.

وفي الأسبوع الماضي فقط، قال محامي شهير (نبيه الوحش)، على شاشة التليفزيون، “البنت اللي مش بتحافظ على نفسها وتدعو الناس إنها تعاكسها ولابسة بنطلون مقطع اغتصابها واجب قومي والتحرش بها واجب وطني”.

إذا كانت أفكارك يمكنها تغيير العالم، أو تطوير بلد، أو علاج مريض أو مساعدة طفل، فنحن نريد أن نتحدث”

قامت آية حجازي وزوجها محمد حسنين، بإنشاء مؤسسة لرعاية الأطفال تحمل اسم “جمعية بلادي” لرعاية أطفال الشوارع والأطفال المهملين في مصر، وكانت تقوم بمحو أميتهم وتعليمهم الفنون، فيما قامت السلطات المصرية باعتقال آية و5 من زملائها بتهمة “تأسيس جماعة إجرامية لأغراض الاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي للأطفال وهتك عرضهم”، وظلت في السجن لمدة 3 سنوات دون محاكمة.

 

“إذا كان يتوقع منك أن تعرف كيف ستكون غدا، بينما لا تعرف من أنت  اليوم، فنحن نريد أن نتحدث”

مصر تتذيل التصنيف العالمي للتعليم الأساسي، من غير الواضح كيف يفترض أن يحدد الشباب، ما الذي يريدونه في المستقبل، في الوقت الذي يحرمون فيه من المعرفة الأساسية، التي من شأنها أن تسمح لهم باكتشاف مصلحتهم وأولوياتهم.

فالنشاطات اللا مدرسية (خارج المنهج الدراسي) فعليا غير موجودة، ولا يتعرض الأطفال خلال الدراسة للفنون بأي شكل من الأشكال.

“إذا كان والداك يعتبرانك صغيرا جدا لكي تحدث فرقا، فنحن نريد أن نتحدث”

من بين العديد من المقالات التي تتناول هذه المسألة الدقيقة، مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية  تحت عنوان “في مصر الفجوة تتسع بين الشباب والكبار” وهو مقال يستحق القراءة.

فالفجوة بين الأجيال في مصر لا يمكن التغلب عليها بأفكار الوضع الراهن والاستقرار،
ففي حين أن 3 من أصل 4 مصريين تحت سن الأربعين، فإنهم لا يملكون أي رأي يتعلق بشؤون بلدهم أو أنفسهم.

حتى الشهر الماضي، كان رئيس لجنة الشباب في البرلمان المصري هو “قاسم فرج” الذي يبلغ من العمر (71 عاما)، وتم استبداله في اكتوبر الماضي بـ”فرج عامر” الذي يبلغ من العمر 66 عاما، فيما يبلغ وزير الشباب خالد عبد العزيز 58 عاما.

“إذا كنت رياضيا أولومبيا أو هاويا أو بطلا رياضيا، وتخشي التعبير عن رأيك، فنحن نريد أن نتحدث ”

لست متأكدا لماذا تم الزج باسم الرياضيين في تلك الجملة، ولكن دعونا نركز على عبارة “تخشى التعبير عن رأيك” قليلا.

ففي مصر  ما يزيد عن 40 ألف سجين سياسي (على أقل تقدير)، ويعاقب الناس على ممارسة الاحتجاج بالسجن 5 سنوات، كما يقبع العشرات في السجن بسبب تعليقات على موقع فيس بوك، كما تتفشى الرقابة الذاتية بين المواطنين والصحفيين، وقد حجبت السلطات أكثر من 450 موقعا هذا العام.

وهناك حالات أخرى للقمع بالملايين، وتعاقب حرية الفكر والتعبير والمعتقد، فمصر اليوم مكان يخشى فيه الإنسان التفكير بأفكار معارضة.

محمد شوكان ،على سبيل المثال، صحفي مسجون منذ 4 سنوات –  وأيضا بدون توجيه أي تهم – لمجرد أنه كان يقوم بواجبه.

وخلال هذا الاسبوع فقط، حكم على مقدمة برامج تليفزيونية بالسجن 3 سنوات – أيضا لقيامها بعملها –  لمجرد مناقشة قضية تتعلق بمناقشة فكرة الحمل قبل الزواج خلال إحدى حلقاتها.

“إذا أجبرت على مغادرة بلدك فنريد أن نتحدث”

قال لي أحد المحللين بنيويورك: “إن المنفيين المصريين أصبحوا مثل الشتات الإيراني بعد عام 1979، يعتقدون أنهم سيعودون إلى ديارهم قريبا، ولكن هذا لن يحدث قريبا”.

وأنا أعرف العشرات من المصريين من مختلف الأطياف السياسية الذين أجبروا على مغادرة البلاد من أجل الحفاظ على سلامتهم، لكني أترك لك قصة الدكتورة والناشطة نانسى عقيل مديرة معهد التحرير، والتي حرمتها السلطات طفليها، ولم تستطع حضور جنازة والدتها.

وهذا لا يعني الحديث عن المصريين الذي أجبروا على ترك بلادهم من اجل العثور على وظائف، حيث يقدر عدد المصريين في الخارج ب 10 ملايين نسمة، يغادرونها للحصول على فرص اقتصادية لا يستطيعون توفيرها أو لا تقدمها بلدهم.

وبالإضافة لذلك، هناك الآلاف الذي يسافرون بشكل غير شرعي ويعرضون أرواحهم للخطر، ففي العام الماضي، انقلب قارب يحمل على متنه 600 فرد بعد وقت قصير من مغادرته أحد الشواطئ المصرية، وأسفر الحادث عن غرق المئات، ولم يثنِ ذلك العديد من الشباب عن الاستمرار في السعي وراء الحصول على فرص خارج البلاد، كلما أمكن، حتى في المناطق التي تنشط فيها الحروب.

إذا كنت تواجه التمييز بسبب عرقك أوجنسك أو لونك أو معتقداتك فنحن نريد للتحدث”

تحرم الحكومة المصرية الجيل الثالث من النوبيين حتى اليوم، من وضع أقدامهم على قري أجدادهم المصادرة، ففي ثالث أيام عيد الأضحي الماضي اعتقلت الشرطة المتظاهرين الذي ساروا في شوارع أسوان في ثالث أيام عيد الأضحي؛ إحياءً لمطالبهم التاريخية المتعلقة بحق العودة في القضية المعروفة إعلاميا ” مسيرة الدفوف” ويتم تجديد حبس المعتقلين دون توجيه أي تهم.

كما تنكر السلطات التمييز الذي يتعرض بشكل منتظم له المسيحيون والبهائيون والمسلمون الشيعة وغيرهم، وفي النصف الأول من 2017، فقد حوالي 90 شخصا حياتهم  خلال هجمات طائفية.

وقبل عدة أسابيع احتجزت الحكومة 33 شخصا حضروا حفلة للفريق الغنائي “مشروع ليلى” وتعرض المعتقلون لفحوص “شرجية” غير قانونية لتحديد إذا ما كانوا “مثليين” أم لا، وذلك بسبب رفع عدد منهم علم قوس قزح المؤيد لحقوق  المثليينن، وحكم على أحد الشباب بالسجن لمدة 6 سنوات لتلويحه بالعلم السابق.

ويقوم البرلمان المصري حاليا بإعداد واحدة من أكثر القوانين المناهضة للمثلية في العالم،  ومن المرجح أن يتم تمريره، ولكن ربما التمييز القائم على الميل الجنسي، ليس مدرجا على القضايا التي ستتم مناقشتها في المؤتمر.

“إذا كان لديك صوت وتريد أن يسمع من قبل قادة العالم، انضم إلينا في مؤتمر شباب العالم في مصر حيث تبدأ المحادثة”

العديد من المحادثات الحقيقية تحتاج أن تعقد بالفعل، لكن من غير المحتمل أن تكون الحكومة المصرية على استعداد لعقدها، ولسان حالها أنه بجانب تمتعك بالعرض الحالي خلال مؤتمر شباب العالم، سندفع لك(المشاركين) أيضا.