في الشهر المقبل، سيزور الرئيس الأمريكي جو بايدن المنطقة العربية لبحث ملف العلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، خاصة مع التغيرات الجيوسياسية التي طرأت مؤخراً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبعد تنامي قوى أخرى كالصين وروسيا وظهور منافسين للولايات المتحدة في بسط النفوذ في الشرق الأوسط.
بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن فترة ولايته بهدف فك الارتباط عن الشرق الأوسط، لكن خلال رحلته إلى المنطقة بعد شهر من الآن، سيكون المحور السعودي الأمريكي الإسرائيلي على رأس جدول أعماله، وبحسب محللين، قد يصبح التطبيع السعودي الإسرائيلي ممكناً بعد هذه الزيارة.
على رأس الجهود على رأس الجهود المبذولة لتحقيق اتفاق سلام أو تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، سيسعى بايدن إحياء العلاقات مع المملكة الخليجية، لا سيما مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي نبذه منذ بداية ولايته وفضل عدم التعامل معه مباشرة.
على عكس “صفقة القرن” التي رعاها دونالد ترامب، والتي اسفرت عن اتفاقات أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في عام 2020، لا يقدم بايدن رؤية حول التطبيع السعودي الإسرائيلي، بل هو فقط يحاول استغلال هذا الملف من أجل ترسيخ سياساته الخارجية.
هذه الزيارة تأتي بعد سلسلة من الخطوات أبدى فيها بايدن عدم اهتمامه بالشرق الأوسط، بدأت بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، ولامبالاة واضحة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بالإضافة إلى استعراض العضلات التي تعاملت بها واشنطن مع ولي العهد الأمير محمد، وتعليقها لصفقة بيع طائرات F-35 إلى الإمارات، ومعاقبة مصر على انتهاكات حقوق الإنسان.
العلاقات المتوترة مع الشرق الأوسط تضمنت أيضاً الخلاف طويل الأمد مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وموقف بارد تجاه رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو.
لكن يتعين على بايدن الآن معالجة كل هذه القضايا – وليس من الواضح ما إذا كان سيتم توقيع اتفاقية نووية جديدة مع إيران، وإذا كان الأمر كذلك، فمن غير المعلوم متى سيتم ذلك، بالإضافة إلى أنه لا يبدو أن لدى واشنطن استراتيجية بديلة إذا لم يكن هناك اتفاق.
التقارير الإعلامية في الأسابيع الأخيرة حول تعزيز العلاقات السعودية الإسرائيلية جعلت المحور السعودي الإسرائيلي بطبيعة الحال مركز الاهتمام في إسرائيل والعالم العربي، لكن “الاحتباس الحراري” السعودي الإسرائيلي كان مجرد تطور رئيسي حدث في المنطقة دون مساهمة الولايات المتحدة، مما أدى إلى خلق واقع دبلوماسي جديد، اختفت فيه أمريكا من المشهد.
ومن الأمثلة على ذلك تجديد العلاقات الإماراتية التركية والسعودية التركية، كما أن علاقات أنقرة أكثر دفئا مع إسرائيل ومصر، بالإضافة إلى أن الرياض وطهران أجرتا محادثات لإعادة العلاقات.
كل هذا جزء من استراتيجية هذه الدول لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، أو على الأقل التخلي عن سمعتها كدول ستأخذ دائمًا جانب الأمريكيين.
ومن الأمثلة على ذلك سياسة الرياض في إقامة علاقات اقتصادية واسعة مع موسكو وبكين، حيث وصف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الصين بأنها أهم حليف اقتصادي لبلاده.
بالإضافة إلى ذلك، المملكة العربية السعودية ليست طرفًا في العقوبات الغربية على روسيا، ولم يكن ولي العهد الأمير محمد في عجلة من أمره للموافقة على زيادة إنتاج النفط السعودي لخفض أسعار النفط العالمية والحد من تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا.
فيما يتعلق بالمحور الإسرائيلي السعودي، استمرت العلاقات السرية لسنوات عديدة، شهدت خلالها لقاءات مسؤولين من البلدين عدة مرات لمناقشة التعاون الاستراتيجي وتشكيل تحالف -غير معلن- مناهض لإيران.
خلال الشهر الماضي، كانت هناك تقارير عن موافقة المملكة العربية السعودية على الاستثمار المباشر في الشركات الإسرائيلية عبر Affinity Partners ، شركة جاريد كوشنر ، صهر ترامب.
كانت هناك أيضًا تقارير تفيد بأن العشرات من رجال الأعمال الإسرائيليين زاروا المملكة العربية السعودية ووقعوا صفقات بملايين الدولارات، فضلاً عن وجود سائحين إسرائيليين يطوفون أرجاء المملكة بحرية تامة.
جاء أيضاً تقرير باراك رافيد حول أكسيوس، والذي أظهر أن واشنطن تعمل على صفقة سعودية إسرائيلية لإنهاء نقل السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر، تيران وصنافير، من مصر إلى المملكة العربية السعودية.
عام 2016، اتفقت القاهرة والرياض على نقل سيادة الجزيرتين للسعودية، ولكن نظرًا للعقبات القانونية، وخاصة الاحتجاجات الشعبية الكبرى التي خرجت ضد هذه الخطوة في مصر، لم تُمنح الموافقة النهائية إلا في عام 2018.
إن مسألة وجود قوة متعددة الجنسيات على الجزر، وهو ما تتطلبه معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، هي في قلب المحادثات بين إسرائيل والسعوديين.
في الواقع، ستتطلب الخطوة تعديل اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، لكن إسرائيل، التي لم تعرب عن معارضتها للنقل، ليس من المتوقع أن تمثل أي عقبات أمام هذا التعديل.
تريد إسرائيل التأكد من أن الجزر منزوعة السلاح وخاضعة للرقابة الدولية، وربما توافق على مطالبة السعوديين بعدم وجود قوة متعددة الجنسيات في تيران وصنافير.
تأمل إسرائيل والولايات المتحدة في الاستفادة من هذه القضية لإنشاء قناة دبلوماسية مباشرة بين تل أبيب والرياض، وربما تحقيق تطبيع لبعض العلاقات، حتى لو كانت لا ترقى إلى اتفاق سلام كامل، في المقابل، فإن للسعودية مطالبها الخاصة، لكن ليس لها علاقة بإسرائيل.
يسعى ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يستعد لخلافة والده، إلى إعادة تأهيل سمعته مع الولايات المتحدة ودول أخرى حول العالم بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018.
أصبح الأمير محمد بن سلمان شخصًا غير مرغوب فيه في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هذه الحادثة؛ ولم يعد لديه علاقات في الكونغرس ولم يتحدث بعد مع بايدن منذ أن تولى منصبه خلفاً لترامب.
بحسب محللين وخبراء، فإن هناك توقعات أن تسفر هذه الزيارة عن تطبيع مزدوج للعلاقات بين السعودية وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أمر يعمل بايدن ورئيس الوزراء نفتالي بينيت على اتمامه، وحتى الآن لم ترد أنباء عن اتفاق من حيث المبدأ سواء من قبل الرياض أو واشنطن.
في مارس/آذار الماضي، قال ولي العهد الأمير محمد لمجلة The Atlantic نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، بل نعتبرها حليفًا محتملاً”.
الأمير فيصل، وزير الخارجية، قال الأسبوع الماضي إن “التطبيع بين المنطقة وإسرائيل سيحقق فوائد، لكننا لن نتمكن من جني تلك الفوائد ما لم نتمكن من معالجة قضية فلسطين”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا