كتب – بسام الظاهري

تعيش أفغانستان حالة من عدم الاستقرار الكبير ليس فقط لتواجد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وتنفيذ عمليات مسلحة، ولكن الخطر الأكبر التوسع في عمليات حركة طالبان.

وتزايدت وتيرة العمليات التي تنفذها الحركة تجاه القوات الحكومية أو الأمريكية المتواجدة في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة.

هذا التصاعد في العمليات ارتبط بشكل أساسي بتغيير استراتيجية أمريكا هناك، لناحية الإبقاء على قواتها هناك وعدم سحبها بل وتعزيزها خلال الفترة المقبلة.

تصاعد العمليات

ونفذت طالبان سلسلة عمليات خلال الفترة الماضية اتسمت بالعنف الشديد والتصاعد الملحوظ، كنوع من رد الفعل على تصعيد الخطاب الأمريكي تجاه الحركة.

وبحسب إحصائية لمركز “نورس” المتخصص في الحركات الإسلامية، فإن عمليات الحركة بلغت خلال شهر واحد في الفترة بين 21 سبتمبر الماضي  حتى 20 أكتوبر، نحو 669 عملية مسلحة.

ونجحت هذه العمليات الضخمة مقارنة بالفترة الزمنية في قتل 46 أمريكيا، و1659 من القوات الحكومية، إضافة إلى إصابة 17 أمريكا و885 من القوات الحكومية.

وتمكنت من إعطاب 262 آلية ومدرعة عسكرية، وإسقاط طائرة شحن، عسكرية وأخرى طائرة استطلاع بدون طيار.

وبخلاف العمليات المتصاعدة فإن الحركة بدأت تتوسع في السيطرة على بعض المناطق، إذ أعلنت سيطرتها على مديرية شيبوكة في ولاية فراه الواقعة على الحدود مع إيران، فضلا عن السيطرة على مديرية معروف في ولاية قندهار.

وعند مقارنة العمليات التي تنفذها الحركة خلال الشهر الذي سبق التاريخ المحدد سابقا، إذ سجلت الإحصائيات تنفيذ 548 بفارق نحو 121 عملية عن الشهر الأخير، فإنها في تزايد مستمر.

وعلى الرغم من مرور نحو 16 عاما على ظهور الحركة في أفغانستان منذ أول التسعينيات إلا أنها لم تندثر وتزايدت قوتها بشكل كبير.

ومنذ أبريل الماضي تصاعدت عمليات طالبان في إطار ما يسمى بـ “هجمات الربيع“، ولكنها تزايدت خلال الأشهر القليلة الماضية, بما يؤكد آراء مراقبين أنه لا يمكن استقرار أفغانستان دون المفاوضات مع الحركة وإشراكها في مباحثات السلاح.

حركة “طالبان”

استراتيجية أمريكية

وفي أغسطس الماضي بدا أن هناك تحولا في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه التعامل مع أفغانستان وطالبان، إذ كشف الرئيس دونالد ترامب عن وجود استراتيجية جديدة للتعامل مع الوضع هناك.

هذه الاستراتيجية تعتمد في الأساس على عدم الانسحاب السريع من أفغانستان، مع الدفع بقوات إضافية إلى هناك.

وقال ترامب حينها، إن موقفه الجديد يهدف إلى الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للمتشددين الإسلاميين المصممين على مهاجمة الولايات المتحدة.

وأضاف أن مستشاريه للأمن القومي أقنعوه بتعزيز القدرة الأمريكية لمنع حركة طالبان من الإطاحة بالحكومة  في كابل.

وتشير بعض التقديرات إلى أن وزير الدفاع جيمس ماتيس خطط لإرسال نحو 4 آلاف جندي إلى جانب 8400 جندي موجودين  في أفغانستان.

أكثر من شهرين مروا على تغيير الاستراتيجية الأمريكية إلا أن شيئا لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن، في ظل تصاعد العمليات المسلحة لحركة طالبان.

وبدا أن هناك تباطؤا في إرسال الجنود الأمريكيين إلى أفغانستان، قبل الاستعداد لهذه الخطوة جيدا، خاصة وأن الأوضاع هناك مضطربة بشدة بعد سيطرة طالبان على عدة مناطق وإسقاط مئات القتلى والمصابين من الأمريكان والقوات الحكومية.

وزار وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أفغانستان بعد نحو شهر من تصريحات ترامب، لدراسة الأوضاع ومسألة تنفيذ الاستراتيجية الجديدة.

وقال ماتيس حينها، إن بلاده سترسل 3000 جندي إضافى إلى أفغانستان للمساعدة في تدريب قوات الأمن الأفغانية.

ويتضح أن الولايات المتحدة لا ترغب في الدخول في صدام مباشر ومواجهات مع طالبان لعدم خسارة قواتها، ولذلك تحاول مساعدة قوات الأمن الأفغانية من خلال التدريب.

“جيمس ماتيس” و “ترامب”

توسع “داعش”

وربما أن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة – والتي لم يتم الكشف عنها تماما- لا تتعلق فقط بحركة طالبان وعملياتها المتزايدة، ولكن أيضا بتوسع تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان.

وبات على الولايات المتحدة الأمريكية دعم القوات الأفغانية لمواجهة المخاطر الشديدة الناجمة عن ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” بقوة هناك، وبالتالي تزايد الضغوط مع مواجهة حركة طالبان.

وتواجد تنظيم “الدولة” في أفغانستان وباكستان بما يعرف بـ “ولاية خراسان”، وتتزايد التخوفات من إمكانية انتقال عناصر التنظيم الفارة من سوريا والعراق إلى هناك.

ويتمركز التنظيم في ننجرهار شرق أفغانستان بشكل أساسي، وسط غارات أمريكية على مناطق نفوذه هناك وإسقاط قتلى من عناصره.

“تنظيم الدولة” في أفغانستان

سيناريوهان

ويمكن رسم سيناريوهين لعلاقة أمريكا بحركة طالبان خلال الفترة المقبلة في ظل تصاعد عملياتها وتوسع تنظيم “داعش” هناك.

أولا: التصعيد

السيناريو الأول للعلاقة بين أمريكا وطالبان هو التصعيد بين الطرفين، وهو ما بدا في استراتيجية ترامب التي أعلنها في أغسطس الماضي، قبل أن ترد طالبان بالتحذير من مغبة زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان.

وتوعدت الحركة في بيان لها أمريكا إذا أقدمت على هذه الخطوة، وجددت طلبها بسحب القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية.

هذا السيناريو يقوم بالأساس على مواجهات مباشرة أو تدريب القوات الأفغانية، ولكن ستدخل القوات الأمريكية في صراع ثنائي مع طالبان وتنظيم “داعش” على حد سواء، خاصة أن الأخير تذوق الهزيمة في العراق وسوريا على يد الولايات المتحدة.

ثانيا: الحوار

أما السيناريو الثاني فهو عودة الحوار بين الطرفين مرة أخرى خلال الفترة المقبلة من خلال مكتب الحركة في قطر، والذي تواجد خصيصا للحوار مع أمريكا.

وتأتي أهمية هذا السيناريو لتحييد طالبان عن الصراع مع تنظيم “داعش” في أفغانستان لعدم دخول أمريكا في مواجهة ثنائية، تتكبد معها خسائر فادحة.

ولم يغلق ترامب الباب أمام الحوار مع طالبان تماما، وذلك حينما أكد خلال إعلان استراتيجيته الجديدة هناك، وقال: ” في وقت من الأوقات، وبعد جهد عسكري ناجح، ربما يصبح الحل السياسي ممكنا ليشمل جزءا من طالبان أفغانستان، لكن أحدا لا يمكنه أن يعلم ما إذا كان هذا سيحصل ومتى؟”.