كتب – بسام الظافر

لم تتوقف الانتهاكات التي تتورط فيها القوات المشتركة من الجيش والشرطة المصريين في سيناء، منذ بداية العمليات العسكرية لمواجهة جماعة أنصار بيت المقدس، قبل تغيير اسمها إلى “ولاية سيناء” بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

جملة الانتهاكات تتعلق بقصف جوي ومدفعي على منازل المدنيين والتوسع في عملية التهجير وإطلاق النيران بشكل عشوائي، واعتقالات عشوائية.

ولكن بعض التبريرات خرجت من قبل موالين للنظام الحالي، بأن أي عمليات عسكرية يكون هناك ضحايا من مدنيين بشكل خاطئ وليس مقصودا، ولكن كيف الحال لو تمت تصفية معتقلين من فترات طويلة لدى الجيش المصري؟.

وقائع عديدة كشفت جزء من عملية تصفية المعتقلين على يد قوات الجيش في سيناء، وتصويرهم للإعلان عن أنهم كانوا ضمن صفوف التنظيمات المسلحة وقتلوا في مواجهات أو قصف جوي.

ولكن في المقابل لا تسمح قوات الجيش بتواجد منظمات حقوقية لرصد الانتهاكات التي تحدث في سيناء منذ بضع سنوات.

تصفية معتقل

أحدث وقائع تصفية المعتقلين في سيناء، كانت أواخر الشهر الماضي، من خلال بيان للمتحدث العسكري باسم الجيش المصري، تامر الرفاعي.

الرفاعي نشر عدة صور لـ 6 أشخاص قتلوا في سيناء –دون تحديد توقيت هذا الأمر-، باعتبارهم “إرهابيين”، ولكن كان الإعلان بمثابة أدلة اتهام واضحة للجيش بتصفية معتقلين لديه هم بالأساس مختفين قسريا.

وقال المتحدث باسم الجيش، إنه بناء على معلومات استخباراتية مؤكدة تفيد بوجود عدد من العناصر التكفيرية في إحدى البؤر الإرهابية بشمال سيناء، قامت قوات إنفاذ القانون في الجيش الثاني الميداني بتنفيذ عملية نوعية ومداهمة البؤرة الإرهابية.

وأضاف الرفاعي، أن الهجوم أسفر عن مقتل 6 أفراد “تكفيريين شديدي الخطورة”، والتحفظ على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر.

ولكن تبين لاحقا أن أحد القتلى الستة، هو شقيق إبراهيم المنيعي، رئيس اتحاد قبائل سيناء.

المنيعي كشف عبر صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، الواقعة، ونشر صورة لشقيقه عبد الفتاح قبل اعتقاله وصورة أخرى بعد تصفيته.

وقال المنيعي: “شقيقي عبد الفتاح تم اعتقاله في أواخر عام 2014 في قسم الحسنة وسط سيناء، وهو متجه إلى عمله في أبو زنيمة جنوب سيناء ومن تلك اللحظة لا نعلم عنه شيئا إلا عندما نزل بيان بتاريخ 23 الشهر الماضي على صفحة المتحدث العسكري يفيد بمقتل 6 إرهابيين شديدي الخطورة من بين الصور المنشورة صورة عبد الفتاح”.

هذه الواقعة تحديدا تفضح الانتهاكات التي تقوم بها القوات المشتركة المكلفة بمواجهة المجموعات المسلحة بسيناء، خاصة وأن شقيق عبد الفتاح أعلن عن هذا الأمر، في حين يتخوف آخرين من اتخاذ نفس الموقف حرصا على حياتهم وأقاربهم.

ضحايا القصف الجوي للجيش المصري)

“قصف الجيش المصري لسيناء”

وقائع سابقة

ولكن هذا لا يمنع أن هناك وقائع أخرى كشفت جانب من هذه الانتهاكات فيما يتعلق بتصفية معتقلين.

ولعل مقطع الفيديو الذي نشرته قناة “مكلمين” كان معبرا عن طريقة تصفية المعتقلين في مناطق نائية تمهيدا لالتقاط بعض الصور، لاستغلالها في بيان المتحدث العسكري.

الفيديو الذي بثته القناة في إبريل الماضي، يظهر تصفية أشخاص على أيدي مجموعة من قوات الجيش المصري.

وقام الجنود بعد تصفية المعتقلين بوضع السلاح بجانبهم وتصويرهم، قبل أن يسترجع السلاح الذي وضع بجانب الجثث بعد التصوير.

وذكرت القناة أن العناصر التي ظهرت في المقطع المصور هي من المجموعة 103 المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش المصري هناك.

ووثقت منظمة “سيناء لحقوق الإنسان” تصاعدا مقلقا في الانتهاكات الحقوقية في شبه جزيرة سيناء، خلال النصف الأول من عام 2017، إذ قتل 203 مدنيين، وإصابة 195 آخرين.

وقالت المنظمة، إن الأطراف الرئيسية في هذه الانتهاكات هي على الترتيب قوات الجيش والأجهزة الأمنية المصرية، ثم جماعات مسلحة بعضها مقرب من الحكومة، وأخرى مناهضة كتنظيم “ولاية سيناء”.

تغطية على الفشل

وبدا أن قيام الجيش المصري بتصفية المعتقلين والمختفين قسريا بسيناء وتصوريهم باعتبارهم جزء من عناصر تنظيم “ولاية سيناء”، لا يمكن تفسيره إلا في إطار محاولة التغطية على الفشل هناك.

ومنذ بدء العمليات المسلحة بشكل موسع عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو 2013، لم تتمكن الاستراتيجية التي وضعتها قوات الجيش في حسم المعركة على الأرض حتى الآن.

وجاءت عمليات التصفية لتصدير صورة أن العمليات مستمرة ويسقط قتلى من المسلحين طوال الفترة الماضية، بما يضع كل بيانات المتحد العسكري في دائرة الشبهات والاتهامات بتصفية مدنيين.

وقال الباحث والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إريك تريغر، إن الهجومين الإرهابيين على كنيستين في كل من الإسكندرية وطنطا في إبريل الماضي، يجب أن يقنعا الجيش المصري بضرورة تعديل استراتيجية مواجهة “تنظيم الدولة”، حيث يخوض حربا ضدهم في شبه جزيرة سيناء.

وأضاف أن تنظيم الدولة في سيناء استخدم أسلحة متقدمة لاستهداف المروحيات وتدمير دبابات “أم60″، وأغرق قاربا للبحرية المصرية على شاطئ العريش، إضافة إلى أنه أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، الذي قتل فيه 224 راكبا.

وفي السياق ذاته، نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالا للخبير ديفيد شينكر، وقال إن الجيش المصري الذي لم يستطع حماية المسيحيين في سيناء، كان عاجزا عن حماية قوة المراقبين الدوليين، والمنتشرة في المنطقة لمراقبة تطبيق اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية”.

“عمليات الجيش المصري في سيناء”

لا مردود حقوقي

وأمام كل الانتهاكات التي تشهدها سيناء، ظل الصمت الحقوقي والإعلامي هو المخيم على الأوضاع هناك.

وفرض الجيش حصارا على سيناء خاصة مع القبض على الصحفي أحمد أبو دراع مرتين، نظرا لنشر أخبار لم يوافق عليها الجيش المصري، وأحيل إلى المحكمة العسكرية.

الغريب أن مصر رفضت طلبا لدخول مراقبين أمريكيين إلى منطقة سيناء، بحسب ما كشفته وكالة “أسوشيتد برس”.

وذكرت الوكالة، أن مذكرة رسمية أرسلتها الخارجية الأمريكية إلى الكونجرس، تتهم فيها الحكومة المصرية بالفشل في تحقيق أي تقدم على مستوى حماية حرية التعبير وحقوق الأقليات، وضمان وصول مراقبيها لأماكن النزاع في شبه جزيرة سيناء.

وقالت الوكالة إن المذكرة اتهمت الحكومة المصرية بالمسؤولية عن استمرار تدهور المناخ العام لحقوق الإنسان.

وأضافت أن أحد المآخذ الأمريكية الهامة على الحكومة المصرية هي صعوبة وصول المسؤولين الأمريكيين إلى أماكن النزاع في سيناء، في ظل منع الصحفيين من الوصول إلى المنطقة، والإبقاء على البيانات الحكومية كمصدر وحيد للمعلومات.

وهذا التعتيم يهدف بالأساس لعدم الكشف وتوثيق الانتهاكات التي تحدث في سيناء.