كيف تبدل الحال في مصر وأصبح الجنيه لا يساوي نصف قيمته، سؤال يطرحه المصريون كل يوم على أنفسهم منذ قرار تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016.

الحال أن الجنيه لم يتغير، لكن قيمته الشرائية تراجعت، بفعل قرار رئيس البنك المركزي بتعويم الجنيه قبل عام ضمن قرارات تبنتها الحكومة المصرية استجابة لمطالبات صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض تصل قيمته في نهاية ثلاث سنوات إلى 12 مليار دولار.

وتبع القرار العديد من الإجراءات التي جعلت رواتب العمال والموظفين تتآكل أمام الأسعار التي ارتفعت بأكثر من 100% مع ثبات الأجور.

ومنذ ذلك التاريخ تفاقم الوضع المعيشي بالتزامن مع بدء الحكومة في اتخاذ قرارات صعبة شملت رفع الدعم تدريجيا عن الوقود؛ من بنزين وسولار وغاز، وكهرباء ومياه وغيرها من المواد والسلع الأساسية بالإضافة إلى زيادة الضرائب والرسوم وتطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة.

تلك القرارات نقلت المواطن المصري من الانتشاء بوعود الرفاه الاقتصادي إلى أزمة معيشية خانقة تزداد قسوتها مع ارتفاع الأسعار بفعل قرار التعويم وترنح الاقتصاد تحت ثقل الديون المتراكمة.

التوعك الشديد الذي أصاب الجنيه يشير إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، فلم يعد الجنيه يتنقل من هبوط إلى صعود، ليصبح انتقاله من هبوط إلى هبوط أشبه بالانهيار، ليقفز سعر الدولار بنسبة 98 % ليصل إلى 17.60 جنيها حاليا، مقابل 8.88 جنيهات صباح يوم التعويم وفقا لبيانات البنك المركزي.

Image result for ‫الجنيه المصري يغرق‬‎

الجنيه المصري

أرقام قياسية

بفعل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اقتربت مصر من صدارة دول العالم في أسعار الفائدة وارتفاع التضخم، خلال العام الماضي.

فوفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي المصري، ارتفع معدل التضخم من 14 % في أكتوبر 2016 إلى نحو 35% لتحتل مصر الترتيب الرابع عالميا بعد كل من فنزويلا وإفريقيا الوسطى وسيراليون، في ارتفاع معدلات التضخم.

وحققت مصر رقما قياسيا آخر غير مسبوق تصدرت به المركز الثاني بين أكثر من 115 دولة في العالم في معدلات أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بين البنوك، بمتوسط سعر فائدة يتراوح بين 18.75% و19.25%، كما يبلغ سعر فائدة الإقراض لليلة واحدة 19.25%.

 

ارتفاع الأسعار

أعطى قرار تحرير سعر الصرف فرصة كبيرة للحكومة لرفع الدعم عن بعض السلع، وخاصة السلع البترولية حيث ربط صندوق النقد الدولي بين صرف شرائح القرض وخفض دعم الوقود والكهرباء والغاز وغيرها من المواد الأساسية، ليبقى المصريون على موعد مع ارتفاع الأسعار والخدمات كلما اقترب أجل الحصول على شريحة جديدة من قرض صندوق النقد الدولي.

وشملت الخدمات التي ارتفعت أسعارها بفعل قرارات الحكومة “أسعار الكهرباء والمياه والمحروقات بجميع أنواعها وتذاكر المترو والهاتف الأرضي وكروت شحن الهاتف المحمول” بالإضافة إلى ارتفاع جميع أسعار الخضراوات والفواكه والسلع الأساسية المستخدمة يوميا في المنزل، وتخطت نسبة الزيادة في أغلب المنتجات والخدمات 100%.

وخلال ذلك العام رفعت الحكومة أسعار الوقود مرتين بنسب بين 30 % إلى 47 % في المرة الأولى ، وبنسب تراوحت بين 42 و55% في المرة الثانية في يونيو 2017 ، كما ارتفع سعر أسطوانة الغاز إلى الضعف من 15 جنيها إلى 30 جنيهاً، ورفعت الحكومة أيضاً أسعار الكهرباء في يوليو الماضي بمتوسط 33%.

Related image

ارتفاع أسعار السلع فى مصر

الديون الخارجية

ومنذ ذلك القرار المشؤوم الذي لم ير منه المصريون سوى مزيد من الفقر، رفع النظام وتيرة الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومؤسسات مالية وعدد من الدول، وقامت بإصدار سندات دولية بمليارات الدولارات.

وانعكست نتيجة الاقتراض على الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي الذي ارتفع من 19.04 مليار دولار في نهاية أكتوبر 2016 إلى 36.534 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي.

لكن وفي مقابل هذا الارتفاع كان الدين العام الخارجي والمحلي يصعد بسرعة الصاروخ ليصل إلى 124.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2016/ 2017 مقابل 113.3% في العام المالي السابق.

ووفقا لآخر التقارير الصادرة عن البنك المركزي، ارتفع الدين الخارجي بواقع 41.7% ليصل إلى 79 مليار دولار بنهاية العام المالي المنتهي في يونيو الماضي، مقابل 55.7 مليار دولار بنهاية يونيو 2016، ليرتفع الدين العام للدولة بنسبة 30% عن العام الماضي.

ولعل أسوأ ما في الدين العام، هو أثره السلبي الممتد للأجيال القادمة، حيث أدى ارتفاع الاقتراض إلى ارتفاع معدلات الفائدة منذ تحرير سعر الصرف.

وبحسب الموازنة العامة للدولة عن العام المنصرم 2016 / 2017 فقد التهمت الفوائد وأقساط القروض أكثر من 549 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة،  بما يفوق نصف إجمالي مصروفات مصر خلال هذا العام.

Image result for ‫اجتماعات صندوق النقد الدولي بمصر‬‎

مشاركة الجانب المصري ضمن اجتماعات صندوق النقد الدولي

الخلاصة

في نهاية هذا التقرير ربما يرى البعض أن قرار التعويم أدى إلى تحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل الاحتياطي النقدي وميزان المدفوعات، إلا أنه في المقابل كان له أثار سلبية كبيرة على الاقتصاد؛ من بينها تراجع سعر الجنيه أمام الدولار بشكل كبير، وارتفاع معدلات التضخم والأسعار، وزيادة الاقتراض داخليا وخارجيا، وهو ما يمثل تحديا أمام الشعب أكثر منه أمام الحكومة، فهل تستطيع حكومة السيسي الوقوف أمام هذه الأزمات وتسيطر عليها، أم أن قابل الأيام ينبئ المصريين بكثير من الغلاء؟