العدسة_ منذر العلي
حرب مستعرة شنها ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان على مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال والوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، شملت بجانب الاعتقال تجميد الحسابات المالية لهم.
اللافت أن تلك الحملة غير المسبوقة، والتي تمهد الأرض لوثوب “بن سلمان” على عرش المملكة حتى في حياة أبيه، تأتي بعد أيام فقط من الإعلان عن المشروع السكني التجاري الترفيهي الضخم “نيوم” باستثمارات تقدر بنحو 500 مليار دولار.
هذا الرقم الضخم سيتم تمويله، وفق الملف التعريفي للمشروع من قبل 3 جهات: حكومة المملكة العربية السعودية، صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين.
3 تريليونات ريال.. صيد ثمين
ولفهم العلاقة بين الأمرين، يقول المغرد السعودي الشهير “مجتهد” الموصوف بالقرب من دوائر صنع القرار في السعودية: إن حملة التوقيفات التي شملت أمراء آخرين غير المعلن عنهم، تهدف بجانب تمهيد الطريق نحو عرش المملكة إلى الاستيلاء على أكبر كمية من المال.
وأضاف في سلسلة تغريدات أن “ولي العهد يتوقع جمع حوالي 2 أو 3 تريليونات ريال من هذه الحملة، يتصدق منها على الميزانية بنصف تريليون ويأخذ الباقي”.
المغرد السعودي قال: إن “بن سلمان” كان يفكر في الأمر منذ تولى والده الحكم، وكان يردد في مجالسه الخاصة أنه سيكون أغنى رجل في التاريخ وسوف يصبح أول تريليونير، وكان يقول إن “بيل جيتس وآخرين من أعضاء الأسرة المالكة، سوف يصبحون أقذامًا وفقراء أمام قدراته المالية التي ستفجر مقياس جينيس”.
خطوات أخرى سبقت تلك الحملة، بحسب “مجتهد”، بدأت بالمنع من السفر ثم وضع سقف للتحويل خارج المملكة لا يسمح بتجاوزه إلا بإذنه، وانتهاء بإعداد تقرير عن ممتلكات الأمراء في الداخل والخارج.
وعند استعراض القائمة المستهدفة، يتصدرها الأمير الملياردير الوليد بن طلال، الذي يُصنف دومًا بين أغنى الرجال في العالم، والأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني المقال، وأخيه الأمير تركي، والأمير فهد بن عبد الله بن محمد، نائب قائد القوات الجوية الأسبق والمفاوض الرئيسي في صفقة اليمامة العسكرية مع بريطانيا، فضلًا عن مجموعة من الأمراء غيرهم،
الوليد بن طلال
صالح كامل
بكر بن لادن
بالإضافة إلى مجموعة من رجال الأعمال البارزين في مقدمتهم: “صالح كامل” رئيس ومؤسس البنك الإسلامي ونجلاه، و”بكر بن لادن” سليل عائلة بن لادن عملاق المقاولات، و”وليد آل إبراهيم” رئيس مجموعة (MBC) التلفزيونية.
كما ضمت آخرين من المسؤولين الذين جمعوا بين المناصب الرسمية في الدولة والإمكانات المالية الضخمة، في مقدمتهم “عادل فقيه” وزير الاقتصاد والتخطيط المقال وابن عائلة “فقيه” ذائعة الصيت، و”خالد التويجري” رئيس الديوان الملكي السابق، و”إبراهيم العساف” وزير المالية السابق، و”سعود الدويش” رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية.
ما العلاقة بمشروع نيوم؟
إذًا نحن أمام صيد ثمين تمكن “بن سلمان” من الظفر به، وخاض في سبيل ذلك تبعات التأثيرات المحتملة لمثل هذه التحركات على طموحه.
لكن ومن أجل طموحه هذا أيضًا خاض التجربة، فماذا عن علاقة ذلك كله بمشروع “نيوم”؟
ثمة معادلة تنتج لدينا في حال ربط حملة الاعتقالات وتجميد الحسابات المصرفية وبين المشروع، على اعتبار أن الاثنين يعتمدان على مناخ الاستثمار في المملكة من جانب، وتمويل مستثمرين محليين وعالميين من جانب آخر.
لكن في كل الأحوال يبدو “بن سلمان” مستفيدًا مما حدث في الجانب المالي والاقتصادي، بعيدًا عن الشأن السياسي.
فتمويل استثمارات المشروع الضخم، يحتاج إلى سيولة مالية كبيرة يعاني “بن سلمان” من توفيرها في ظل أزمة اقتصادية حادة تضرب البلاد، إثر تراجع أسعار النفط.
وبما يمكن أن يستولي عليه من أموال خلال هذه الحملة يستطيع “الملك المنتظر” أن يوفر جزءًا غير يسير من تدفقات مالية لازمة لإنجازه، فضلًا عن الحصول على الجانب الأكبر من الأموال المتحصلة كمكسب شخصي له يودع في حساباته المتضخمة بالأساس حتى يرضي طموحه غير المحدود.
وكما كانت “مكافحة الفساد” شعارًا استتر وراءه حتى يتخلص من أمراء يعارضونه ويستولي على أموالهم وأموال رجال أعمال آخرين، ستكون شعارًا يُنعش الاستثمارات المتوقعة محليًّا وعالميًّا لإنجاز مشروع نيوم.
مشروع نيوم
فهذا المستثمر الذي يفكر في الاستثمار بالمشروع سيكون متأثرًا بالحملة، التي تعني أن القيادة الجديدة للسعوية عازمة على مكافحة الفساد حتى ولو كان ضحاياها من العائلة المالكة، ولعل هذا ما صرح به “بن سلمان” في وقت سابق.
تلك النتيجة ستكون أكبر مشجع وحافز يطمئن المستثمرين على أموالهم التي سيضعونها في المشروع، الأمر الذي سيسفر عنه في جميع الأحوال تحقيق استفادة قصوى لابن سلمان، الذي استغل الأمر لاكتساب شعبية في أوساط السعوديين بصفته محاربًا للفساد.
قتل في المهد!
على الجانب المقابل، فإن ثمة تأثيرات سلبية لا يمكن إغفالها بشأن الاستيلاء على أموال الأمراء ورجال الأعمال، مرتبطة بمشروع نيوم والاستثمار بشكل عام في المملكة.
هذا البعد يشير إلى أن المناخ العام للبلاد حيث يعتقل الأمراء وتجمد أرصدتهم لن يكون مشجعًا بأي حال من الأحوال للمستثمرين، ومن المحتمل أن يشكل عاملًا منفرًا لأموالهم يؤدي في النهاية إلى ابتعادهم عن ضخ أموالهم هناك.
وعلى الرغم من ترجيح سيناريو الانتعاش السابق، إلا أن فرص مساهمة الحملة في قتل المشروع بمهده تبقى قائمة.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية توقعت أن يتسبب اعتقال الأمير الوليد بن طلال، أحد المستثمرين الأغنى والأكثر تأثيرًا في العالم، في تداعيات كبيرة داخل السعودية والمراكز المالية الرئيسية بالعالم.
وأضافت الصحيفة أن اعتقال الملياردير السعودي صادم ويهز ثقة المستثمرين في المملكة في الوقت الذى تحاول فيه تنويع اقتصادها والخروج من تحت عباءة النفط.
وأشارت إلى أن الوليد يمتلك شركة “المملكة القابضة” الاستثمارية، ويعد من أغنى الناس في العالم بتملكه أسهم كبيرة في نيوز كورب، وسيتي جروب، وتويتر، وشركات أخرى معروفة، كما يمتلك شبكات تلفزيونية فضائية في العالم العربي.
أسهُمُ مجموعة “المملكة” هَوَتْ فَوْرَ انتشار أنباء الاعتقال، حيث خسرت 3 مليارات ريال في يوم واحد.
اضف تعليقا