العدسة_ موسى العتيبي
على ما يبدو فإن مذبحة الأمراء التي نفذها الأمير السعودي الحالم بالملك، محمد بن سلمان، ليلة الأحد الماضي، لاتزال حبلى بالمفاجآت، حيث إن توقيف 11 أميرا وأكثر من 30 مسؤولا لن يكون نهاية المطاف وفقا لمراقبين.
فإن كان ابن سلمان قد احتجز الأمراء والمسؤولين السابقين في فنادق فارهة بالمملكة، حفاظا عليهم من الزج بهم في غياهب السجون، فإن مصير أموال هؤلاء الأمراء والمسؤولين الموقوفين لايزال غامضا، وربما يكون هو الأهم في تلك المذبحة.
تساؤلات عديدة تطرح نفسها على الساحة السعودية بشأن تلك الأموال، فهل يقوم “بن سلمان” بالتحفظ عليها كما يقول بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أنه سيتصالح معهم مقابل تنازلهم عن أرقام ليست بالقليلة من تلك الأموال الضخمة؟
ثم ما هو حجم الأموال المملوكة للأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الموقوفين؟ وهل سيسمح المجتمع الدولي وتحديدا الإدارة الأمريكية بالتحفظ على كل تلك الأموال الضخمة؟ وهل حقا تلك الأموال مطمع للأمير الشاب، أم أن توقيفه لأبناء عمومته ومن معهم له أغراض بعيدة كل البعد عن السياسة؟
ما حجم أموال الموقوفين؟
الأموال المملوكة للأمراء والوزراء الموقوفين، كانت محل جدل كبير على مدار اليومين الماضيين، بين من قدرها بمئات المليارات من الريالات، وبين من رأى أنها تخطت الـ 2 ترليون ريال.
لكن بعيدا عن التهوين أو التهويل، فإن كثيرا من المراقبين أكدوا أن الأمراء الموقوفين لاشك يملكون أرصدة وأموالا ضخمة، لن يقل حجمها بحال عن المائة مليار دولار.
فعلى سبيل المثال يمتلك الوليد بن طلال، والذي يأتي على رأس قائمة الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين، نحو 20 مليار دولار، بحسب إحصاءات مجلة “فوربس” الأمريكية.
ويرأس “بن طلال” مجلس إدارة شركة المملكة القابضة، التي تأسست عام 1980، وتمتلك حصصًا فى فنادق عالمية ومنها “فورسيزونز وفيرمونت رافلز هولدينغ إنترناشيونال وموفنبيك” واستثمارات فندقية تشمل “فندق بلازا نيويورك، وفندق سافوي لندن، وفندق جورج الخامس وفورسيزونز باريس”.
كما يرأس الملياردير السعودي، مجموعة “روتانا” الإعلامية، ويَملك فيها حصة بنسبة 80%، إضافة إلى قناة “العرب”.
رجل الأعمال السعودي الموقوف محمد العمودي، الإثيوبي الأصل، والذي يعد أيضا أحد أكبر رجال الأعمال فى السعودية والعالم، وقدرت ثروته فى عام 2016 وفقا لمجلة “فوربس” بنحو 10.9 مليار دولار.
وكذلك فإن وليد آل إبراهيم رجل الأعمال الموقوف، والذي يمتلك مجموعة قنوات “إم بي سي” وتقدر ثروته الإجمالية بنحو 10 مليارات دولار.
أيضا من ضمن الموقوفين الشيخ صالح كامل، والذي يعد أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية السعودية والعربية، ويبلغ إجمالي ثروته 2.2 مليار دولار، وفقا لإحصاءات مجلة “فوربس” الأمريكية.
وكذلك فإن وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، والذي يعد من أبرز أثرياء المملكة العربية السعودية، وأحد الموقوفين، يمتلك وفق تقارير إعلامية تشير إلى أنه يمتلك ما يزيد على 16 حسابا بنكيا فى عدة دول بإجمالي أموال يبلغ 100 مليار ريال، أي ما يتخطى 20 مليار دولار.
ضخامة الأرقام السابقة تكشف احتمالات أن يكون في إيقافهم مطمعا سلطويا للاستيلاء على أموالهم، خصوصا إن أضيف إليهم أموال باقي الموقوفين من الأمراء والمسؤولين.
مجتهد يكشف جانبا خفيا
المغرد السعودي الشهير “مجتهد” والذي يقدم نفسه على مواقع تويتر، كشف هو الآخر عن جانب خفي من جوانب القبض على أمراء السعودية، حيث قال صراحة إن “بن سلمان” يرغب في الاستيلاء على أموال هؤلاء الأمراء والوزراء.
مجتهد وصف الحملة التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنها ليست ضد الفساد وإنما من أجل الاستيلاء على أكبر كمية من المال للاستحواذ عليها له شخصيا من خلال صندوق الاستثمارات العامة ومشاريع شركة نسما، ويترك الفتات للميزانية.
وزعم المغرد السعودي أن “بن سلمان” كان يردد في مجالسه الخاصة أنه سيكون أغنى رجل في التاريخ وسوف يصبح أول “تريليونير”، وكان يقول إن بل جيتس وعمه مشعل وأمثالهم سوف يصبحون أقزاما وفقراء أمام قدراته المالية التي ستفجّر مقياس غينيس”.
وقال مجتهد إن “بن سلمان” كان يظن أنه يستطيع تحقيق ذلك من خلال الاستحواذ على كل العقود الحكومية وصفقات السلاح والسرقة المباشرة من المال العام من خلال البنود الخاصة، أما وبعد هبوط أسعار النفط زاد من الضرائب على الشعب للتعويض عن دخل النفط لكنه اكتشف أنه لن يحقق أمنيته حتى بعد سنين طويلة فكان يفكر بحل بديل وهو القبض على أبناء عمومته والتحفظ على أموالهم.
حديث مجتهد، ربما يكون مرفوضا من قبل الكثيرين على اعتبار أنه معارض دائم لنظام آل سعود، لكن مايرجح صحة حديثه، هو أنه كان قد تنبأ قبل أسبوعين بوقوع خلاف وصدام كبير بين أفراد الأسرة الحاكمة، وأن الوليد بن طلال وغيره من أبناء عمومة سلمان ليسوا راضين تماما عن سياساته، الأمر الذي سيفجر خلافا بين الأسرة الحاكمة.
التحفظ على الأموال بالقانون
ربما لن يستطيع “بن سلمان” التحفظ على أموال خصومه من الأمراء والمسؤولين السابقين، بطرق تقليدية، كإنشاء لجنة للتحفظ على أموالهم وحصرها ، لكنه إن قرر ذلك وفقا لمراقبين فعليه أن يتخذ تلك الخطوة بشكل قانوني، يحافظ على سمعة الاستثمار في السعودية.
وبناءً على ذلك فيمكن فهم التعديلات التي أجرتها المملكة على نظام مكافحة غسيل الأموال بأنها تمهيد لسن تشريعات تسمح للدولة السيطرة على الأموال المتهمة بالفساد.
كذلك فإن إعلان تشكيل لجنة عليا لحصر قضايا الفساد برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ربما يكون لها دور واضح أيضا في إحكام قبضة الدولة على أموال الأمراء الموقوفين، حيث إن المرسوم الملكي الذي صدر لتشكيل تلك اللجنة أعطى لها صلاحيات واسعة، تتفوق على صلاحيات كافة الأجهزة الرقابية في المملكة.
إعادة فتح قضية “سيول جدة” بالتزامن مع القبض على الأمراء والوزراء والمسؤولين السعوديين، تؤكد بلا شك أن السلطات السعودية ترغب في ربط أكثر من قضية فساد بالموقوفين، وهو الأمر الذي قد يسهل مهمة السيطرة والاستيلاء على أموالهم.
وقضية سيول جدة تعود إلى عام 2009، وهي قضية يتعم فيها أكثر من 300 مسؤول سعودي بتجاوزات ورشاوى، وتزوير وتلاعب في صكوك، مشبوهة وأراضي مخططات.
صمت المجتمع الدولي
كان من المتوقع أن يتسبب اعتقال وتوقيف شخصيات اقتصادية كبرى بحجم الأمراء والمسؤولين السعوديين، في بيانات هنا أو هناك من عدة دول تعلق على الواقعة وتطالب بشفافية في التعامل مع رجال الأعمال الموقوفين، لكن الصمت الدولي أثار جدلا واسعا، فسره بعض المراقبين بأنه يعود إلى الخلاف القديم الذي تمت الإشارة إليه بين رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال وبين الرئيس الأمريكي ترامب.
فبعد ما تمت الإشارة إليه من تغريدة الوليد ثم رد ترامب، عاد السجال من جديد بينهما في 28 يناير 2016، بدأه هذه المرة “ترامب” حيث استخدم صورة مفبركة للملياردير السعودي بهدف تشويهه.
ونشر “ترامب” صورة للوليد بن طلال برفقة شقيقته والصحفية الأميركية ميغان كيللي، وقال إن “أغلب الناس لا يعلمون أن الأمير هو أحد مُلاك محطة فوكس نيوز (شبكة تلفزيونية أميركية)، ها هو الدليل أمامكم، هذه صورة للأمير وشقيقته مع المذيعة ميغان كيللي، إذا لم تصدقوني ابحثوا عما أقوله عبر محرك البحث”.
ليسارع الوليد بن طلال في الرد على اتهامات “ترامب”، وقال عبر “تويتر” متهكماً: “تعتمد على صور مزيفة”.
مراقبون ذهبوا إلى أن هذه الخصومة قد تكون أحد أبرز الأسباب وراء الصمت الأمريكي على اعتقال الوليد بن طلال ومن معه من رجال الأعمال السعوديين، ومن ثم فإن كثيرا من الدول التزمت الصمت سيرا على نهج أمريكا.
اضف تعليقا