العدسة – منذر العلي
بشكل شبه رسمي أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نيته الترشح لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة مارس 2018، لكن في الوقت ذاته أكد أنه لا يسعى إلى ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثالثة.
وقال، في حوار مع شبكة “CNBC” الأمريكية الثلاثاء: “أنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما 4 أعوام، ومع عدم تغيير هذا النظام، وأقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة”.
وفي تعليقه على المبادرات البرلمانية وغير الرسمية التي روجت خلال الفترة الماضية لمسألة تعديل الدستور بما يسمح بزيادة مدة الرئاسة، كشف السيسي أنه لن يتدخل لاستخدام الحق الذي منحه الدستور للبرلمان وللرئيس في طلب إجراء تعديلات.
وتابع: “لا يناسبني كرئيس أن أجلس يومًا واحدًا ضد إرادة الشعب المصري، وهذا ليس مجرد كلام أقوله فقط أمام شاشات التلفزيون، فهذه قيم أعتنقها ومبادئ أنا حريص عليها..”.
السيسي و بوتين
تكرار النموذج الروسي
فإذا سلمنا جدلًا بصدق السيسي في اكتفائه بفترتين رئاسيتين تنتهيان عام 2022 وفقًا للدستور، فإن السيناريو الأقرب المطروح للتحقق بعد هذه المدة، هو أن يصبح السيسي رئيسًا سابقًا.
فهل يقتنع الرجل الطامح في السلطة إلى الوقوف عند تلك الخطوة، أم يلجأ إلى حيلة أخرى غير تلك المتعلقة بتعديل الدستور، بعد أن أغلقها نهائيًا، حتى يثب على كرسي الرئاسة مرة أخرى؟.
الحيلة المحتملة في تلك الحالة هي القيام بعملية تبادل أدوار مع شخص يثق فيه السيسي جدًا، يخلفه لفترة رئاسية واحدة، ثم يعاود السيسي مرة أخرى الترشح بعد زوال العائق الدستوري.
تلك التجربة ليست بدعًا بين الدول، بل يشهد الواقع بنموذج مشابه في روسيا، بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف.
ففي 2012 عندما فاز بفترة رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات إثر تعديل دستوري، رشح “بوتين” أمام البرلمان، سلفه “ميدفيديف” لرئاسة الحكومة، وهو ما تم بالفعل وتمتع الأخير بهذا المنصب إلى الآن.
ولا تعد عملية تبادل السلطات تلك هي الأولى بين الرجلين، بل إنهما تبادلا الأدوار في الانتخابات السابقة.
وتولى بوتين منصب رئيس روسيا لدورتين متتاليتين بين عامي 2000 و2008، غير أنه رفض خوض الانتخابات من أجل دورة ثالثة، رغم أن الدستور الروسي لا يمنعه من ذلك، وعوضًا عن الترشح، سمح لميدفيديف أن يخلفه في الحكم لفترة رئاسية واحدة.
وفي عام 2007 قبل انتهاء مدة بوتين الثانية بعام واحد، اختار حزب روسيا المتحدة الحاكم، رسميًا النائب الأول لرئيس الوزراء “ميدفيديف”، مرشحاً لخوض الانتخابات الرئاسية، ليتولى الأخير منصب الرئاسة فعليًا.
وقبلها قال بوتين خلال مؤتمر للحزب: “إذا منح المواطنون الثقة لميدفيديف واختاروه رئيسًا لروسيا، سأكون مستعدًا لقيادة الحكومة”، وهو ما حدث خلال فترة رئاسة ميدفيديف.
وفي أبريل 2012، دارت العجلة مرة أخرى، وتبادل بوتين وميدفيديف، الأدوار ثانية، إذ عين بوتين، الرئيس الروسي المنتخب، الرئيس المنتهية ولايته ميدفيديف خلفًا له في رئاسة حزب روسيا الموحدة الحاكم وبالتالي رئاسة الوزراء.
بوتين و ميدفيدف
من يكون “ميدفيديف” مصر؟
استكمال السيناريو السابق، يحتاج في هذه الحالة إلى شخص يحل محل السيسي لفترة رئاسية واحدة، أي يكون “ميدفيديف مصر”.
وبطبيعة الحال فإن الجانب الأهم توافره في هذا الشخص هو تمتعه بثقة غير عادية لدى السيسي، للدرجة التي تدفعه لأن يضعه مكانه “مؤقتًا”.
المفارقة أن هذا الحديث يتزامن مع إقالة السيسي لصهره الفريق محمود حجازي من رئاسة الأركان، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بشأن إطاحة الرئيس بالرجل القوي في الجيش والذي يشاع أنه مقرب للغاية منه.
فهل يُعد السيسي الرجل للانتقال إلى الحياة المدنية بتولي منصب رئيس الحكومة المقبل خلفًا لشريف إسماعيل، بعد نجاح الرئيس في انتخابات 2018، ومن ثم المضي قدمًا في تطبيق النموذج الروسي؟.
الأمر هنا لا يتوقف عند رغبة السيسي فقط، بل يمتد إلى موقف الجيش من هذه اللعبة، هل يوافق عليها أم يرفضها، وما هو رد فعل الفريق صدقي صبحي وزير الدفاع المحصن لمدة 8 سنوات بدأت منذ إقرار الدستور في 2014؟.
ورغم عدم استبعاد أن يوافق الجيش على السيناريو السابق بإشراك حجازي في لعبة السيسي، إلا أن “صبحي” يبقى شوكة في حلق الرئيس الذي لا يملك دستوريًا سلطة عزله إلا بعد عام 2022، أي أن السيسي سيودع لرئاسة في نفس العام الذي يحق لرئيس الجمهورية إقالة وزير الدفاع.
في السياق، نقلت تقارير إعلامية عن مصادر مقربة من دوائر صنع القرار، إن السيسي يسعى لطرح المادة الخاصة بتحصين منصب وزير الدفاع بين التعديلات التي يعتزم البرلمان مناقشتها خلال الفصل التشريعي الجديد، الذي انطلق أكتوبر الماضي.
رئيس الأركان الأسبق محمود حجازي
السيسي يلمع نفسه
وبعيدًا عن تفاصيل الترشح للانتخابات من عدمه، فإن تصريحات السيسي حاولت تصدير صورة وردية عن نفسه ونظامه للغرب، كحريص على تطبيق الدستور واحترام إرادة المصريين.
هذه الصورة الوردية التي يسعى السيسي دومًا لرسمها في تصريحاته لوسائل الإعلام الأجنبية، يبدو أنها تخالف الواقع كثيرًا، سواء على المستوى الاقتصادي حيث أزمات معيشية خانقة أو الحقوقي حيث انتهاكات غير مسبوقة توثقها المنظمات العالمية قبل المحلية.
لكن تلك المحاولة لم تكن الأولى من نوعها بل سبقتها محاولات عدة، كانت تلازم السيسي تحديدًا في زياراته الخارجية أو حواراته التي تجرى في مصر.
في أواخر أكتوبر الماضي، وأثناء زيارته إلى فرنسا أجرى السيسي مقابلة مع قناة “فرانس 24” نفى خلالها وجود معتقلين سياسيين في البلاد، مشيرًا إلى أن الموقوفين هم على علاقة بأحداث أمنية.
وفي الحوار ذاته قال السيسي: “في مصر حريصون جدًا على احترام مواطنينا والحفاظ عليهم لأننا حكام ومسؤولون انتخبونا لذلك”.
الرئيس المتسامح الذي لا يرفض الآخر مهما كانت درجة الخلاف معه، ويحيل القضايا المصيرية إلى شعبه كانت صورة حاول السيسي رسمها أيضًا في حديثه بشأن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث رد على سؤال حول المصالحة بقوله: “الإجابة عند الشعب المصري”.
وفي سبتمبر الماضي، أجرى مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية على هامش فعاليات الدورة الـ72 للأمم المتحدة، حاول خلالها التخفيف من حدة الاتهامات الموجهة إليه بتشويه صورة الإسلام كرئيس عربي مسلم والربط المتتالية بالربط بينه وبين الإرهاب في مناسبات عدة.
وقال السيسي في المقابلة: “.. ولا يجب أن نشوه صورة جميع المسلمين بسبب قلة منهم تسيء التصرف”.
محاولة أخرى لتبييض وجهه كانت من على منصة الأمم المتحدة، سبتمبر الماضي، لدفع الاتهامات التي تكال إليه دومًا بالانحياز إلى طرف (خليفة حفتر قائد الوقات المنبثقة عن برلمان طبرق) دون آخر في النزاع الليبي.
وقال السيسي إن مصر “لن تسمح بالمناورة في مستقبل ليبيا”، مؤكدًا دعمه لاتفاقات الصخيرات، وعدم السماح بمحاولات تفتيت ليبيا والعبث بوحدة وسلامة الدولة.
اضف تعليقا