العدسة – بسام الظاهر
بقدر ما تصب الإجراءات التي يتخذها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في صالحه ظاهريا لناحية زيادة تمكينه من الحكم والإسراع في بسيط سيطرته التامة على كل مفاصل المملكة، إلا أن هناك ارتدادات عكسية يمكن أن تحدث.
وبدأ “بن سلمان” في تغيير وجه المملكة تماما منذ الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف، والتي كانت نقطة انطلاقة تجاه إحداث تغييرات واسعة حتى لا ينازعه أحد الحكم.
وتشير الإجراءات التي تشهدها المملكة إلى تحكم تام لولي العهد في مقاليد الحكم، دون تدخلات كبيرة من والده الملك سلمان، خاصة وأن محمد بن سلمان يمهد لحكمه، وترجيحه لأهل الثقة في تحركاته بمفاصل الدولة.
تمكين “بن سلمان”
تثير عملية تسريع ولي العهد السعودي بإجراءات التمهيد لحكمه، علامات استفهام كثيرة لناحية اقتراب توليه رسميا مقاليد الحكم قريبا.
وعكف محمد بن سلمان على تفكيك الدائرة المعارضة لتوجهاته في المملكة خلال الأيام القليلة الماضية، ولم تتوقف على الشيوخ والدعاة والأكاديميين والنشطاء، في حملة اعتقالات دون معرفة التهم الرسمية الموجهة إليهم حتى الآن، ولكن الأحرى أنه لا توجد تهم حقيقية.
وبدا أن “بن سلمان” لا يرغب في تواجد أي طرف يمكن أن يشكل له أي معارضة في التحولات التي يرغب فيها خلال الفترة المقبلة، سواء تلك الاجتماعية والدينية والسياسية، والتي تأتي تحت عنوان عريض “علمنة السعودية“.
وأخيرا، أقدم على اعتقال عدد من الأمراء والمسؤولين السابقين ورجال أعمال تحت مظلة واسعة من اتهامهم بـ”الفساد والاختلاس المالي”، قبل أيام.
ولا يمكن فصل هذه الخطوة عن جملة التحولات والتحركات التي يقوم بها “بن سلمان”، خاصة أنها خطوة على طريق تمكينه.
وما يعزز هذا الأمر هو انتشار تغريدات – ربما تكون “مفبركة”- تتحدث عن اقتراب تنازل الملك سلمان عن الحكم لولي العهد، ويرتبط بهذا الأمر وجود رغبة كبيرة في توريث الحكم في حياة الملك السعودي.
وقالت صحيفة “ذا غارديان”، إنه بحسب النظام الملكي في السعودية، تنحصر جميع السلطات في يد الملك، وهذا ربما ما دفع الأمير الشاب، الذي يبلغ من العمر 33 عاما، إلى تحضير نفسه لتبوُّء العرش، فيكسر عندها قبضة كبار السن من آل سعود، الذين حازوا السلطة خلال عقود.
ووصفت الصحيفة “بن سلمان” بأنه شاب عديم الخبرة يخوض حروبا عدة في وقت واحد، وتشير سياساته الخارجية المضطربة بخصوص اليمن وسوريا وقطر، إلى ميله لاتخاذ قرارات متسرعة وفجة، كما أنه يسعى الآن إلى العبث بالتوازن الدقيق للقوى في لبنان.
ويستمد ولي العهد قوته، في اتخاذ مثل هذه القرارات، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يؤيد وربما يشارك في تغيير بنية القوة وتفكيك نفوذ عائلة آل سعود لصالح محمد بن سلمان.
وقال ترامب: “لدي ثقة كبيرة بحملة مكافحة الفساد التي أطلقتها السلطات السعودية، واعتقلت خلالها العشرات من كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية في المملكة”.
وأضاف ترامب: “هؤلاء ابتلعوا ثروات البلد على مدى سنوات، ولدي ثقة كبيرة بالملك سلمان، وبولي العهد السعودي، فهما يدركان بالضبط ما الذي يفعلانه”.
ارتدادات عكسية
ولكن هذه التحركات من قبل محمد بن سلمان لا شك خلفت حالة من الغضب داخل العائلة الحاكمة “آل سعود” ليس فقط لاعتقال عدد من الأمراء واتهامهم بـ “الفساد والاختلاس”، ولكن أيضا خوفا من أن يكون الدور عليهم في يوم من الأيام.
هذا بقدر ما يولد حالة من الخوف ويدفع الجميع إلى التراجع عن توجيه أي انتقادات لمحمد بن سلمان وسياساته الجديدة لعدم التعرض لمصير الأمرا ء المعتقلين، إلا أنه قد يدفع البعض إلى أمرين في إطار التمرد:
أولا: اللجوء إلى دول مناهضة للسعودية أو لديها أزمات معها للإقامة فيها والحصول على اللجوء، مثل قطر، والتي يصر “بن سلمان” مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على استمرار الحصار عليها في إطار صراعات النفوذ، أو أيران، والتي لديها أيضا خلافات ربما أكثر شدة مع المملكة.
وترددت أنباء خلال الأيام القليلة الماضية، عن طلب أمير سعودي اللجوء إلى إيران، وعلى الرغم من نفس صحفيين سعوديين، إلا أن القصة لا يزال يلفها الغموض الشديد حيال عدم النفي الرسمي، أو حتى ظهوره في مناسبة عامة بعد الأخبار.
ثانيا: فقد تدفع سياسات “بن سلمان” إلى توحد الأمراء واتخاذ خطوات في سبيل الوقوف أمام تحركات الأمير الشاب، الذي يعتقل أبناء عمومتهم ومن يكبرونه سنًّا.
وهنا فإن الاعتماد سيكون أكثر على القبائل التي تجمعها علاقات نسب ومصاهرة مع الأمراء المعتقلين، خاصة وأنه من المرجح أن تشمل تحركات ولي العهد أمراء آخرين.
ويواجه “بن سلمان” تحديات كبيرة في مجمل سياساته ورؤيته، بعضها يتعلق بـ “العلمنة” التي يحاول فرضها على المجتمع السعودي، في حين أنه مجتمع محافظ بطبيعته، نظرا لتغلغل الفكر الوهابي فيه منذ سنوات طويلة، والذي يرتبط بتأسيس الدولة السعودية على يد عبد العزيز آل سعود.
هجوم “بن سلمان” على الفكر الوهابي ووصفه بـ “التطرف” كان مثيرا للجدل بشدة داخل المجتمع السعودي، وقال: إن مشروع الصحوة انتشر في المنطقة بعد العام 1979 لأسباب كثيرة، مضيفا: “لم نكن بهذا الشكل في السابق، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب”.
وتابع: “70% من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم”.
ثالثا: يذهب بعض المراقبين إلى أنه في إطار الخلافات مع إيران الشديدة، قد ينتفض الشيعة في المنطقة الشرقية ضد الدولة السعودية، وهو ما قد يترتب عليه إثارة القلاقل والبلبلة داخل السعودية، التي قد يواكبها أي تحركات ضد محمد بن سلمان من داخل الأسرة الحاكمة.
فهل تدين الأمور لـ “بن سلمان” كما يتمناها؟ أم تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن؟!! ستحمل الأيام القادمة إجابة ربما…
اضف تعليقا