مجلس مدينة مانشستر سمح للشيخ منصور بن زايد بشراء مساحات شاسعة من أراضي الدولة مقابل جزء بسيط من قيمتها الحقيقية… كيف تم السماح بذلك؟
برز اسم مدينة مانشستر في عالم المال والأعمال قبل حوالي 200 عام، كانت نموذجاً يحتذى به في الرأسمالية الصناعية، لكنها اليوم، وبكل أسف، تقدم للعالم -الذي لطالما تعلم منها الازدهار الاقتصادي- درساً قاسياً في التدهور والاضمحلال المالي والاقتصادي.
المدينة الجديدة، في نسخة القرن الحادي والعشرين، بالرغم من تقدمها وارتفاع أسعار المباني فيها، إلا أنها لم تعد بنفس القيمة الثمينة، إذ يمكن بالأموال شراء كل جزء فيها. المباني والمنازل الحديثة، أو التي أعيد ترميمها، متاحة للاستئجار أو البيع، مقابل أسعار باهظة، لكنها متاحة للبيع.
ما يمكن ملاحظته أن 1500 من هذه المنازل والوحدات السكنية تأتي من مطور واحد، وهنا يمكن حقيقة الأمر وسر اللغز!
تم تدشين مشروع “مانشستر لايف” عام 2014، وقتها تم الترحيب به بحفارة حيث بلغت الصفقة التي عُقدت بين مجلس المدينة ومالك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم في أبو ظبي مبلغ “مليار جنيه إسترليني”.
كان لدى السلطة المحلية مساحات شاسعة من الأراضي، وصنف الشيخ منصور، مالك النادي، من بين أغنى الرجال على هذا الكوكب، لذلك، فبالعمل معًا، ستكون النتيجة: توفير منازل للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها ومنازل من المال. رئيس المجلس آنذاك، ريتشارد ليز، وعد بـ “نموذج عالمي من التجديد الحداثة”.
في غضون ذلك، حذرت جماعات حقوق الإنسان مجلس مانشستر من شريكه التجاري الجديد القوي بسبب سجل الدولة الوحشي، لكن كان الرد أن الصندوق الاستثماري لمجموعة أبو ظبي المتحدة منفصل رسمياً عن الدولة الخليجية، متجاهلين حقيقة أن مالكه الشيخ منصور هو نائب رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة وشقيق ولي عهد أبو ظبي.
في أبريل/نيسان، نشر الصحفيون في مجلة دير شبيغل وثائق تشير إلى أن أبو ظبي سهلت المدفوعات لمانشستر سيتي، على أقل تقدير، يرتبط صندوق الاستثمار ارتباطًا وثيقًا بما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “إحدى أكثر الدول البوليسية وحشية في الشرق الأوسط”.
المعارضون في الإمارات العربية المتحدة تضيع أعمارهم في السجون التي تضم أكبر عدد من السجناء السياسيين نسبيًا مقارنة بأي مكان آخر في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دولة الإمارات تعاني من نظام عمل غير إنساني، حيث تقول هيومن رايتس ووتش إن الدولة تحتوي على عدد كبير مما يسمون بـ “العمالة القسرية”، ومع ذلك، فإن مثل هذه الحقائق لم تمنع قيادة حزب العمال في المجلس من المضي قدمًا في عقد صفقات مع هذا النظام ذو السمعة السيئة.
لقد كان تقدمًا كبيرًا للشيخ منصور الذي اشترى نادي مانشستر سيتي – كان وقتها في وضع متدهور قبل أن يساهم الشيخ بأمواله في النهوض بالنادي- أن يدخل في مشروع مشترك مع الدولة البريطانية ويضع يده على العقارات الرئيسية ويشكل جغرافية المدينة ذاتها.
المشكلة لا تمكن فقط في السجل الوحشي لحقوق الإنسان، لكن في الأموال المشبوهة التي تعد من مصادر دخل صندوق استثمارات منصور بن زايد، خاصة بعد التسهيلات المالية الضخمة التي قدمها للأوليغارشية الروس بعد غزو أوكرانيا.
كواحد من حكام مملكة استبدادية تتمتع بسمعة مروعة بالقمع والديكتاتورية واحتكار أسواق النفط، استطاع الشيخ منصور أن يكسب الكثير من هذه الشراكة.
كان مجلس مدينة مانشستر هو الذي يمتلك جميع الأوراق تقريبًا: هكتارات الأراضي المملوكة ملكية عامة، ونظام التخطيط، والإعانات العامة، ومع ذلك، بطريقة ما، ووفقًا لبحث جديد تمت مشاركته حصريًا مع الغارديان، قام به أكاديميون في جامعة شيفيلد، فإن الشيخ منصور هو من حصد جميع المكاسب تقريبًا.
يقول التقرير إنه تم بيع تسعة مواقع هامة في المدينة للشيخ بجزء بسيط من قيمتها، وأقل بكثير مما جلبته قطع الأراضي الأخرى المجاورة (يقول المجلس إنه استخدم خبراء مستقلين من أجل التقييمات القياسية، على الرغم من أنه لم يقدم أي تفاصيل أخرى).
يمر الآن هذا السير على طول المياه من New Islington إلى Ancoats بمجموعات من الأراضي المخصخصة المملوكة في ملاذ ضريبي خارجي، والتي تدر الملايين لعضو رئيسي من النخبة الثرية التي تدير دولة ديكتاتورية من أكثر دول العالم وحشية، باختصار شديد: لقد باعت واحدة من أعظم مدن العالم نفسها لأمير من عائلة تحكم شعبها بطريقة استبدادية وحشية، وبثمن بخس!
ما حدث يُعد أبرز نتيجة سلبية لمخطط مشروع “مانشستر لايف”، وهو نتاج شهور من البحث في حسابات الشركة وتطبيقات التخطيط.
جاء نجاح المشروع على حساب البسطاء الذين يعيشون في المدينة منذ عقود، لم يتم بيع الأصول التي يمتلكونها بسعر رخيص فحسب، بل لقد حصلوا على القليل من المال كتعويض. لا تحتوي المواقع التسعة المطورة على مساكن اجتماعية أو ميسورة التكلفة، وهو ما برره مسؤولو التخطيط بالمجلس بتصريحات مثل: “يوجد بالفعل مستوى عالٍ من الإسكان الميسور التكلفة في المنطقة المجاورة”…. اعترف نفس المجلس في وقت سابق من هذا العام أن ما يقرب من 4000 من أطفال المدينة ينامون كل ليلة في مساكن مؤقتة.
في مشروع “مانشستر لايف”، تعتبر الشقة المكونة من غرفتي نوم صفقة إذا كانت تساوي 369000 جنيه إسترليني – وهو السعر الذي يجعلها خارج حسابات الأسر التي يعمل الزوجين فيها بدوام كامل بمتوسط راتب.
أما بالنسبة للضريبة، فإن المبالغ المدفوعة للخزانة تبدو قابلة للارتفاع، حيث كسبت إحدى الشركات الرئيسية التابعة للمشروع أكثر من 26 مليون جنيه إسترليني في السنوات الخمس حتى عام 2021، ولكن وجد الباحثون أنها دفعت ضرائب أقل من 10000 جنيه إسترليني – بمعدل فعال قدره 4 بنسات فقط على كل 100 جنيه إسترليني من الإيرادات.
لا يمكن إنكار أن New Islington و Ancoats أصبحا أكثر تطوراً وازدهاراً مما كانتا عليه قبل خمس سنوات – لكن السؤال الكبير هو من الذي ربح من إعادة التطوير ومن الذي خسر!… طالما أن عامة الشعب لم يستفيدوا من مشاريع على أراضيهم، فإن أي مكسب مهما بلغت عظمته لا يمكن الإشادة به.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا