العدسة_ غراس غزوان

هل استطاع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحييد الحرس الوطني بإقالة الأمير متعب بن عبدالله من رئاسة الجهاز الأقوى داخل المملكة؟ وهل بعد هذه الخطوة امتلك ولي العهد زمام الأجهزة الأمنية ؟ ولماذا لم يكن هناك أي رد فعل داخلي وخاصة من الحرس الوطني تجاه الخطوات الأخيرة ؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير طرحها العديد من المتابعين للشأن السعودي عقب الإطاحة بالأمير متعب من منصبه كرئيس للحرس الوطني في 4 نوفمبر الجاري.

يميل البعض في تحليل الاعتقالات الأخيرة إلى أن الهدف الرئيسي منها كان تنحية الأمير متعب من منصبه وأن الاعتقالات التي تزامنت مع قرار التنحية كانت لإسكات كل من يفكر في الاعتراض على القرار من داخل الأسرة المالكة وإعطاء انطباع بأن الهدف لا يقتصر على متعب وأنه مثله مثل أمراء آخرين تم احتجازهم لأنهم “فاسدون”.

قوة الحرس الوطني

منذ تعيين الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز – حينما كان أميرا –  في منصب رئيس الحرس الوطني في المملكة عام 1962 تم النظر إلى الجهاز الأمني على أنه ضمانة كبيرة للحفاظ على السلطة.

وشكل الحرس الوطني قاعدة قوة للملك عبدالله على مدار خمسة عقود حيث تأسس الجهاز ليكون قوة أمنية داخلية على أساس قوات خاصة من وحدات قبلية تقليدية.

وتحول الجهاز فيما بعد من مجرد وحدات قبلية إلى أشبه بجيش مواز ، يتم الاستعانة به في حفظ الأمن الداخلي ومقاومة الإرهاب والحروب الخارجية كما حدث في حرب العراق وأخيرا في حرب اليمن.

كما يمثل الحرس حصنا منيعا أمام أي محاولة انقلاب محتملة داخل المملكة وهمزة وصل رئيسية بين القبائل ذات النفوذ وبين الحكومة، كما أنه يختلف إداريا عن وزارتي الداخلية والدفاع فرعي الهيكل الأمني السعودي الآخرين.

وكانت بداية الأمير متعب بن عبدالله، الرسمية مع الحرس الوطني في عام 1995، بعد أن تم استحداث منصب نائب رئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية ليشغل متعب ذلك المنصب.

وفي عام 2000 تم تعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية بمرتبة وزير وإنهاء خدمته العسكرية، وفي عام 2010 تم تعيين الأمير متعب رئيساً للحرس الوطني بعد إعفاء عمه الأمير بدر بن عبد العزيز من منصبه.

ولاء الحرس الوطني

يتربع الأمير متعب على رأس الجهاز ويدين له الكثير من قياداته بالولاء نظرا لقربهم الشديد منه وتحكمه لفترة تزيد عن العقدين في مفاصل الحرس الوطني بالإضافة إلى علاقته القوية بأغلب القبائل التي تشكل العمود الفقري للوزارة.

ومن هذا المنطلق حذر مسؤول كبير سابق بالمخابرات الأمريكية في تصريحات لوكالة “رويترز” من أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ربما يواجه رد فعل قوي من الحرس الوطني نظرا لولائه للأمير متعب.

وقال إنه يصعب تصديق إذعان الحرس الوطني بسهولة لقرارات ولي العهد وأن يقبل بقيادة جديدة بهذا الشكل التعسفي.

تحييد الحرس الوطني

على الجانب الآخر يرى موقع “ناشيونال إنترست أن التغييرات الجارية في المملكة تشير إلى ولي العهد اتخذ خطوته الأخيرة بدعم من والده لتوطيد سلطته والظهور كحاكم بلا منازع في المملكة.

واعتبر الموقع أن الهدف الرئيسي من تلك التغييرات كان تنحية الأمير متعب من منصبه كوزير للحرس الوطني كونه كان منافسا قويا لوالده على عرش المملكة، مشيراً إلى أن الحرس الوطني يمثل القوة القبلية لآل سعود وأنه كان مسؤولا بشكل كبير عن غزو شبه الجزيرة العربية وتوطيد سلطة السعودية فيها.

وبتنحية الأمير متعب واعتقاله يبدو أن بن سلمان استطاع تحييد الحرس الوطني الذي يعد المعقل الأخير لأي منافس محتمل لمحمد بن سلمان في طريق العرش بحسب “ناشيونال إنترسبت”، خاصة وأن إبعاد الأمير متعب جاء بعد شهور قليلة على تنحية الأمير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد ووزيرا للداخلية.

كما تحدثت صحيفة “فايننشال تايمز” عن الحرس الوطني في المملكة قائلة أنه يتمتع ببنية قبلية دقيقة وأنه كان القوة الوحيدة المستقلة التي تقف بين بن سلمان والعرش، خاصة وأن من يقف على رأس هذا الجهاز هو ابنه عمه الأمير متعب الذي ينظر إليه على أنه منافس محتمل ووحيد على العرش.

وبحسب الصحيفة فإنه كان لزاما على بن سلمان تحييد الحرس الوطني الذي قاده عمه الراحل الملك عبدالله عقودا، للوصول إلى الخطوة الأخيرة بتنحي الملك سلمان البالغ من العمر، 81 عاما لصالح ابنه عن العرش.

لماذا الصداع؟

ولفهم خطورة دور متعب يقول موقع “دويتشه فيله” الألماني إنه يجب معرفة أن الحرس الوطني الذي كان تحت يده يمثل جيشا موازيا للقوات المسلحة السعودية ويتمتع بتسليح حديث ويملك هيكلا قياديا منفصلا، كما يضم حوالي 200 ألف فرد يتم اختيارهم حسب ولائهم القبلي للعائلة المالكة ويكنون للوزير ولاء شخصيا.

وأضاف الموقع في تقريره إن “حجم هذه السلطة يفسر تجرؤ متعب في يوليو الماضي على رفض إقالته من قبل محمد بن سلمان كما أفادت آنذاك تسريبات على تويتر لمصادر مقربة من العائلة المالكة”.

وأوضح الموقع أن عملية التخلص من متعب كانت من أجل تكملة خطة القضاء على أي خطر مباشر يهدد بن سلمان من داخل الأجهزة الأمنية ليصبح ولي العهد مسيطرا على جميع الأجهزة الأمنية

في النهاية ربما يرى البعض أن بن سلمان استطاع تحييد الحرس الوطني والداخلية لتصبح جميع السلطات الأمنية الثلاث تحت قبضته إلى أنه بهذه الخطوات وخاصة التي اتخذها في 4 نوفمبر الجاري انتهك القاعدة الأساسية للحكم في المملكة التي تقوم على توافق الآراء بين كبار أمراء آل سعود، وهو الأمر الذي لا يبشر بخير لمستقبل العائلة الحاكمة.

ويرجح البعض أن هذه الإجراءات ربما تؤدي إلى ردة فعل داخل مجلس “آل سعود”، وإن وقعت هذه الردة فربما تذهب معها الأسرة الحاكمة.