العدسة – أحمد عبد العزيز

صعد المنتخب السنغالي إلى كأس العالم رسميا في روسيا 2018، ليصبح ثالث الفرق الإفريقية المتأهلة بعد نيجيريا ومصر، بعدما استطاع التغلب على نظيره الجنوب إفريقي بهدفين لهدف، في المباراة التي أعيدت بينهما مساء يوم الجمعة الماضية، بعدما كان خاسرا في اللقاء ذاته عندما أقيم للمرة الأولى بهدفين لهدف.

هكذا بكل بساطة يمكن للتحكيم أن يحدد مصير المنتخبات ومستقبلها، من حيث المشاركة في البطولة الأهم على الإطلاق، وهي كأس العالم.

فالمباراة كانت أقيمت للمرة الأولى في 12 نوفمبر من العام الماضي، ضمن مباريات الجولة الثانية للتصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم، وانتهت حينها بفوز جنوب إفريقيا بهدفين لهدف، وكانت هذه النتيجة لا تساعد السنغال على الصعود لكأس العالم، بل تمنح الفرصة بشكل أكبر لجنوب إفريقيا أو بوركينا فاسو لحجز بطاقة التأهل.

إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” وبعد تحقيقات مطولة استمرت ما يزيد على 10 أشهر، قرر إعادة المباراة، بسبب التحكيم.

حيث أدين حكم المباراة، الغاني جوزيف أودارتي لامتي، وثبت للفيفا تلاعبه بنتائج المباريات، وخلال هذه المباراة تحديدا، تأكد احتسابه ضربة جزاء وهمية لجنوب إفريقيا، أثرت على نتيجة المباراة، ومن ثم على نتائج فريق السنغال وحظوظه في الصعود إلى كأس العالم، وهو ما دفع “فيفا” إلى معاقبة لامتي بالإيقاف مدى الحياة.

مباراة جنوب إفريقيا والسنغال، كانت مثالا لأزمة التحكيم الكروي التي تعاني منها القارة السمراء، وهو ما أثر سلبا على مشاركة الحكام الأفارقة في البطولات الدولية الهامة، وبات التحكيم ومشاكله الكثيرة واحدا من أكبر وأضخم المشكلات التي تعيق تقدم الكرة الإفريقية، وتثير الفوضى في أروقة الاتحاد الإفريقي “كاف”.

التشكيك الدائم

وكان من أهم وأول أسباب أزمة التحكيم الإفريقي، هي التشكيك في قدرات وقرارات الحكام الأفارقة، من قبل الأفارقة أنفسهم.

فنادرا ما تجد حَكما إفريقيًّا يحكم المباراة النهائية في بطولة ما تقام على أرض بلاده، بسبب تشكيك الجماهير في الحكام الوطنيين واتهامهم بالميل للفرق المنافسة، وهي الأزمة الكبيرة التي تشهدها مصر، على سبيل المثال منذ سنوات، حيث نادرا جدا ما يدير حكم مصري مباراة بين الأهلي والزمالك في أي بطولة، أضف إلى ذلك، اعتياد الفرق المتعثرة تعليق فشلها على شماعة التحكيم.

فنادي بحجم نادي الزمالك المصري، اعتاد رئيسه مرتضى منصور، على اتهام التحكيم في كل مباراة يخوضها فريقه ويهزم، بأنه السبب في هذه الهزيمة، إما لأنه لم يحتسب ما للفريق، أو لأنه احتسب للفريق المنافس ما لا يستحقه، حتى بات الحكام يخشون المشاركة في المباريات التي يشارك فيها الزمالك خشية أن يتهمهم رئيس النادي بالرشوة أو التلاعب أو ضعف المستوى، ويخرج ليهاجمهم عبر وسائل الإعلام.

هذه الصورة الذهنية، التي رسخها البعض عن التحكيم الإفريقي في الإعلام، دفعت “فيفا” إلى التقليل من الاستعانة بالحكام الأفارقة، وبخاصة المصريون الذين يكثر اتهامهم من قبل أبناء بلدهم بالتلاعب وضعف المستوى، فلا يكاد المصريون يذكرون حكم ساحة مصري شارك في بطولة كأس العالم سوى جمال الغندور منذ سنوات طوال، والذي أصبح فيما بعد رئيس لجنة الحكام بالاتحاد المصري لكرة القدم.

وفي ظل هذه الأزمة، والإصرار على الاستعانة بالحكام الأجانب في المباريات الإفريقية التي تقام بنظام “الدربي”، باتت الاتحادات الإفريقية مثقلة بالأعباء المالية التي يجب أن تدفعها لمثل هؤلاء الحكام الأجانب.

وكانت هناك واقعة شهيرة في مطلع العام الجاري، حيث رفض طاقم التحكيم الألماني – الذي طالبته مصر بإدارة مباراة السوبر بين الأهلي والزمالك، والتي أقيمت في الإمارات حينها- القدوم للمشاركة في المباراة، إلا إذا حصل على تذاكر طيران “درجة أولى”، وهو ما يعني تكليف الاتحاد المصري حينها 20 ألف دولار، زيادة على المصاريف التي كان سيتكبدها لإقامة المباراة في الخارج، أي ما يقارب النصف مليون جنيه فقط لتذاكر حضور طاقم التحكيم.

” مرتضى منصور “

فساد حقيقي

ولكن رفض التشكيك الدائم، لا يعني أن الكرة الإفريقية خالية من التلاعب والفساد، بل على العكس، هناك منظومة كبيرة من التلاعب تضرب الاتحادات الإفريقية، ما يخلق مشاعر غضب بين أنصار الفرق، ويزيد من وتيرة التعصب، ويكون مدخلا لوقوع الاشتباكات الجماهيرية.

ففي تونس مثلا، وبرغم السمعة الطيبة التي يشتهر بها الحكام التوانسة، والإجادة في البطولات الكبرى مثل كأس العالم وكأس الأمم الإفريقية، إلا أنه مؤخرا، زادت وتيرة الاحتجاجات القوية على أداء الحكام مع اتهامات بمحاباة أندية بعينها.

ويرى حبيب ناني الرئيس السابق للإدارة الوطنية التونسية للتحكيم، أن أداء التحكيم في تونس انحدر مؤخرا وأصبح “كارثيا”، مؤكدا أن هناك هفوات “فادحة” تقع من الحكام نتيجة ما أسمته “منظومة الفساد” شاركت كل الأطراف في تكريسها.

ويرى محللو الكرة التونسية، أن الأخطاء التحكيمية موجودة في جميع المسابقات، لكن عندما تتكرر كل أسبوع تقريبا من الحكام ذاتهم، وضد الأندية ذاتها، ولا يصدر بحقها عقوبات صارمة، يصبح كل شيء محل شك، وهو ما يؤثر على مصداقية الاتحادات، ويضعها في موضع اتهام دائم.

“حبيب ناني” الرئيس السابق للإدارة الوطنية التونسية للتحكيم

تدني المستوى

من بين مظاهر الفساد تلك، هو الاعتماد على حكام غير أكفاء لإدارة مباريات مهمة، بالإضافة إلى عدم اهتمام الاتحادات ببناء كوادر تحكيمية محترمة تستطيع المشاركة في البطولات العالمية وتكون واجهة مشرفة للكرة الإفريقية.

ويرجع البعض السبب في ذلك إلى ضعف الشروط الموضوعة لكي تصبح حكما يستطيع إدارة مباريات كرة القدم، والتي تتمثل شروطها الأساسية في أن يكون عمرك 14 عاما على الأقل، وأن تتمتع بلياقة بدنية مناسبة، والتمتع كذلك بإبصار جيد لتتمكن من رؤية ما يحدث على أرض الملعب بالتفصيل.

فيما تختلف باقي الشروط الفرعية، من اتحاد إلى آخر، وهو ما يفتح الباب لمرور من هم دون المستوى، أو مجاملة ومحاباة غير المؤهلين.

” رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “

البحث عن حل

وبالرغم من الاجتماعات الموسعة التي تعقد بين الحين والآخر بالاتحاد الإفريقي بحثا عن حلول لأزمة التحكيم في القارة السمراء، إلا أنه لم تظهر حتى الآن أي نتيجة ملموسة.

وهو ما دفع رئيس الاتحاد الحالي، عندما تولى منصبه، للتأكيد على أن حل أزمة التحكيم من أولوياته، مؤكدا أنه سوف يسافر إلى كل البلدان الإفريقية للنهوض بالكرة الإفريقية وحل أزمات الاتحادات الوطنية.

وبالرغم من مرور عدة أشهر على وجوده في المنصب، إلا أن الأزمة لازالت مستمرة، بالرغم من تصريح الرجل أن مستوى التحكيم في إفريقيا في تطور ونمو مستمر، وهو ما يعني أن الأزمة قد تستمر لعدة سنوات قادمة، إن ظل النظر إليها بهذا الشكل.