العدسة – هادي أحمد

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أطلق العنان لولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان، مشيرة إلى أن الأخير وضع الشرق الأوسط على مسار الاصطدام، وأن البيت الأبيض سيتحمل العواقب.

وذكرت المجلة في مقال تحليلي اشترك في كتابته كل من آرون ديفد ميلر وريتشارد سوكوليسكي أن الولايات المتحدة يجب عليها الضغط على زر إعادة الضبط للقيادة السعودية المتمثلة في الملك سلمان ونجله محمد ولي العهد المندفع والمتهور.

نص التقرير ..

اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض في 14 مارس 2017، والآن  الولد المعجزة محمد بن سلمان، يعجل عملية صعوده لتولي عرش المملكة، من خلال عمليات تطهير سياسية واسعة النطاق بدأت نهاية الأسبوع الماضي، سبقتها تحركات مندفعة ومتهورة تتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة، وكلانا (الكاتبين) يشعر بالحنين لتلك الأيام الخوالي التي كان السعوديون فيها يخافون من ظلهم.

وخلال عقود من العمل في وزارة الخارجية، كنا نتوق إلى اليوم الذي نري فيه القادة السعوديين المتجنبين للمخاطر دوما يتحملون بشكل أكبر مسؤوليتهم الشخصية في حل مشاكلهم الأمنية المحلية والإقليمية، وتقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة في هذا الصدد.

ولقد شعرنا بالإحباط بسبب تقاعسهم وحذرهم، حتى وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر – الذي غازل السعوديين خلال حرب الخليج – انفجر معربا عن إحباطه من فشل السعوديين في تقديم بيان معتاد عن عملية السلام بين العرب والاسرائيليين قائلا: هؤلاء الرجال حمقى لا يعرفون كيف يتصرفون أو يديرون أمورهم.

ولكن الآن أخيرا وجدنا الكلب بشاحنة البريد (تشبيه على كراهية الكلاب لرجال البريد)، لقد أصبح السعوديون كل شيء أردناهم أن يكونوا عليه  – وفقا للمعلومات الحالية – بل وربما أكثر بكثير مما كنا نساومهم عليه لفعله.

فخلال حكم محمد بن سلمان، تحولت الرياض إلى قوة مستقلة، تتدخل بقوة في الداخل، وتغامر في الخارج، وفي الوقت ذاته تسحب واشنطن معها.

ولهذا بعد أن أصبحنا أمام حالة خطيرة من تأنيب الضمير وشعور المشتري بالندم، تحتاج إدارة ترامب إلى الضغط على زر إعادة الضبط لكل من الملك سلمان وابنه المتهور.

فبعد سلسلة مذهلة من فشل السياسة الخارجية (اليمن وقطر)، الآن قد لا يكون لبنان ببعيد عن هذا المسار، ربما يكون النجاح الملموس لمحمد بن سلمان في الخارج هو الاستحواذ على إعجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر.

” محمد بن سلمان “

ولفترة طويلة ظل لدى الأمريكيين شغف وتعاون مع المملكة، لكن الملك سلمان ونجله يبدو أنهما نجحا في تسجيل رقم قياسي جديد لإقناع إدارة ترامب بأنهما يحملان مفاتيح الحرب والسلام وتحول المنطقة (الشرق الأوسط).

ورغم عدم اقتناع كثيرين، لكن من المؤكد أن السعوديين يتمتعون ببعض المزايا على شركاء آخرين محتملين للبيت الأبيض في عدد من النقاط؛ من بينها الاستقرار والقوة  والمال والرغبة في التملك والثناء.

وفوق كل شيء، تعكس علاقة التقارب الجديد بين الطرفين التي تزامنت مع الضرورات الإستراتيجية، أن ترامب كان حريصا على النأي بنفسه عن اتجاه سلفه الديمقراطي باراك أوباما، المؤيد لإيران، ويعمل على إزالة التوترات الأمريكية مع السعوية وإسرائيل.

وفي الوقت نفسه، يعكس عزم السعوديين على استغلال حساسية ترامب المفرطة لكل ما هو تابع لأوباما، ودفعه بشكل قوي إلى جعله يتخذ موقفا أكثر عدوانية ضد إيران.

وكانت رحلة ترامب الأولي إلى السعودية غير مسبوقة، حيث قام أربعة رؤساء ممن سبقوا أوباما في رحلاتهم الخارجية الأولى بعد توليهم المنصب إلى كندا أو المكسيك.

فالشرق الأوسط عادة ما يكون مكانا، حيث مخططات الولايات المتحدة وأحلامها لتحويل هذه المنطقة المسكورة والغاضبة والمختلفة وظيفيا إلى الموت.

ولكن السعوديين حولوا زيارة ترامب الأولي للخارج إلى مهرجان لإظهار الود والمحبة وسلسلة من المبالغة في الاحتفال.

وأبرم ترامب صفقات هائلة، وأعرب عن اعتزازه بالعلاقة الجديدة، والأهداف المتشابهة التي تشاطرها البلدان، والسعوديون فتنوا، ونزعوا سلاح الرئيس والمسؤولين في  واشنطن بكرتهم البلورية، وأعطى سلسلة من الشيكات على بياض، وهامش للمناورة في المنطقة، دون إعطاء الكثير من المقابل.

” دونالد ترامب “

ومن المؤكد أن الإدارات السابقة التي يعود تاريخها إلى فرانكلين ديلانو روزفلت، تبنت سياسة موالية للمملكة.

وبعدهم ظلت المملكة، منذ فترة طويلة شريكا أمينا وهادئا وموردا للطاقة، لكن هذه رغبة الرئيس للتملق من جميع السعوديين، باركت سياستهم المحلية والخارجية، والثقة أن هذه السياسات مفيدة للمصالح الأمريكية.

وللإنصاف، لم يكن يخطر على بال مفكري الإدارة الأمريكية ولا الرئيس الأمريكي نفسه، أن يصادفوا بيت آل سعود، وهو مستعد للعمل بطريقة تحولية, مثلما هذه الأيام ويعتقد الشخص الطبيعي أن هذا الأمر وحده ربما يكون سببا في توخي بعض الحذر، ولكن هذا ليس مع ترامب.

وبدلا من ذلك عزز ترامب من دعمه للحملة العسكرية الدموية واللا إنسانية والكارثية التي تشنها المملكة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وحملة المقاطعة الفاشلة إلى حد كبير ضد قطر، ولم يذكر أي شيء عن سجل المملكة العربية في حقوق الإنسان أو تصديرها لأشكال التعصب والتطرف الإسلامي في الخارج.

كما أيد ترامب بالفعل عمليات التطهير السياسي واسعة النظاق التي نفذها ولي العهد السعودي الأسبوع الماضي، بحق عدد من أفراد العائلة المالكة المعروفين، ووزراء وقادة جيش وشخصيات إعلامية، وقال ترامب: إن السعودية تعرف بالضبط ما تقوم به.

كما أن وجود كوشنر في المملكة، في زيارة مفاجئة قبل شن ولي العهد لحملة التطهير يثير بعض الشكوك، أنه تم إبلاغه عما كان قادما ولم يعترض.

الأميران “متعب بن عبد الله” و “الوليد بن طلال”

وباختصار يبدو أن الرئيس قد حول السعودية إلى نوع من نقطة الارتكاز للحضارة الغربية إلى حصن ضد إيران، وقوة رئيسية في سياسات الإدارة التي لم تعلن بعد عن عملية السلام، وكل ذلك دون النظر إلى كيفية دعم السياسات السعودية للمصالح الأمريكية في المنطقة ككل.

وهذا رهان كبير، وعلى افتراض خروج المملكة من هذا الاضطراب بسلام، فيمكن لمحمد بن سلمان أن يظل في الحكم لمدة 50 عاما، وبوضوح فإن المملكة بحاجة إلى التغيير.

فطام المملكة من الاعتماد على النقط في اقتصادها، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، كلها عناوين إيجابية، لكن في الوقت ذاته قام محمد بن سلمان بتحركات أكثر قتامة ومثيرة للقلق.

فالمملكة هي بالفعل دولة بوليسية، ولكن محاولة ما يبدو أنه سلطة شخصية مطلقة تقوض تقاليد متبعة بتوافق الآراء في الأسرة المالية قد تؤثر على الاستمرارية والاستقرار، فقد عطل أيضا نظام توزيع السلطة في الجيش بالطريقة التي تحافظ على الانسجام بدلا من التركيز عليه، وهذه الخطوة من المؤكد ستولد الاستياء والمعارضة داخل الأسرة الحاكمة.

وفي الخارج السعوديون متورطون في حرب باردة مع إيران الانتهازية، التي استغلت أخطاء المملكة في اليمن والتعامل مع قطر، وتعمل تفاقم الطائفية السنية الشيعية بشكل خطير في المنطقة.

وربما تكون أخر مقامرة سعودية هي الضغط على رئيس الوزراء سعد الحريري لتقديم استقالته في محاولة لتعرية النظام اللبناني الذي يهيمن عليه النظام الإيراني عن طريق حزب الله، وربما تكون تلك حيلة ذكية إلى حد ما، لكن ما الذي سيفعله السعوديون في بقية اللعبة بالنظر إلى المزايا التي يتمتع بها خصومهم في سوريا ولبنان، أو عندما يجد اللبنانيون أنفسهم في أزمة داخلية أو نزاع مع إسرائيل وحزب الله.

————————————-

الكاتبان : –

آرون ديفيد ميلر :أكاديمي وباحث و نائب رئيس مركز وودرو ويلسون للدراسات، عمل مفاوضا في الشرق الأوسط مع رؤساء أمريكيين مختلفين.

ريتشارد سوكولسكي:  باحث أوّل غير مقيم في برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.