تعكس أزمة الكهرباء في قطاع غزة “الوجه المظلم للحصار” المفروض على القطاع منذ نحو 11 عاما وتعتبر أزمة الكهرباء من أخطر الأزمات التي تواجه القطاع وأعقدها، وأكثرها تأثيرا على حياة السكان، بعد أن تحولت “الكهرباء” إلى إحدى أدوات الحصار لمعاقبة السكان وفرض المزيد من الضغوط عليهم.

كما تستخدمها السلطة الفلسطينية وسيلة للضغط على حركة المقاومة الإسلامية حماس لتسليم القطاع لحكومة السلطة الفلسطينية في رام الله.

المعاناة من أزمة الكهرباء تخطت حدود الضوء محدثة أزمات عديدة على مستوى الصحة والصرف الصحي كما أدت إلى إغلاق العديد من المنشآت الصناعية والخدمية في القطاع.

الأزمة باتت لا تحتمل ولا يشعر بها سوى من يعيش داخل القطاع بعد أن تراوحت ساعات الوصل في غالبية المناطق 2-3 ساعات يومياً؛ بسبب توقف محطة توليد الكهرباء نظراً لأزمة الوقود، التي يرجعها البعض لأسباب سياسية، إضافة إلى خفض إسرائيل حصة غزة من الكهرباء.

كما تسبب عدم انتظام جدول توصيل الكهرباء والساعات الطويلة لقطع الكهرباء؛ إلى تغير كبير في نمط حياة الغزيين خاصة في ساعات المساء والفجر، فعند وصل الكهرباء يجب على جميع افراد الأسرة النهوض والقيام إما بالواجبات المنزلية أو المساعدة.

وتعود بداية أزمة الكهرباء الحالية في قطاع غزة إلى منتصف عام 2006، حين قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بتاريخ 28 يونيو/حزيران 2006 مما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر من عجز كبير في الطاقة الكهربائية.

وبلغت قيمة الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي للمحطة حوالي ستة ملايين دولار، وظلت المحطة في حالة توقف جراء ذلك القصف إلى أن تم إصلاحها وإعادتها للعمل عام 2009.

وبعد إصلاح المحطة جزئيا عام 2009 قام الاتحاد الأوروبي بتمويل تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المحطة، حيث ظل يدفع نحو خمسين مليون شيكل شهريا والتي تساهم في إنتاج حوالي 60 إلى 65 ميجاواتا.

إلا أن قيام الاتحاد الأوروبي بتحويل التمويل إلى وزارة المالية الفلسطينية في رام الله اعتبارا من 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2009- على أن تقوم الوزارة بتولي مهمة دفع ثمن الوقود، وإثر ذلك تقلصت المبالغ لتكفي فقط لإنتاج 30 ميجاواتا (مولد واحد فقط في المحطة)، مما تسبب في زيادة ساعات فصل الكهرباء خلال عام 2010.

وفي عام 2011 بدأت محطة توليد الكهرباء في غزة باستخدام الوقود المصري، وأصبحت تعمل بثلاثة مولدات لتنتج طاقة في حدود 80 ميجاواتا.

وفي بداية عام 2012 بدأت أزمة شح الوقود المصري بالظهور بعد تقليل الكميات الموردة إلى القطاع، وهو ما أدى إلى اعتماد المحطة على مخزونها إلى أن نفدت كمية الوقود وتوقفت المحطة عن العمل بتاريخ 14 فبراير/شباط 2012.

وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت المحطة للقصف الإسرائيلي خلال الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أعوام 2008 و2011 و2014، وهو ما ألحق أضرارا مادية كبيرة في مرافقها وأثر على عملية توليد الكهرباء.

وزادت حدة الأزمة في مارس/آذار 2014 بعد إصرار حكومة التوافق الفلسطينية في رام على على تحصيل الضريبة المفروضة على وقود محطة التوليد في ظل أزمات القطاع الأمر الذي فاقم من معاناة السكان.

ودخلت أزمة الكهرباء في قطاع غزة منتصف إبريل / حزيران الماضي مرحلة خطيرة، تزامناً مع إعلان سلطة الطاقة في القطاع توقف محطة التوليد الوحيدة عن العمل، بعد انتهاء المنحتين القطرية والتركية، والعودة لجدول تشغيل الكهرباء لمدة 6 ساعات مقابل 12 ساعة قطع.

وأبلغت السلطة الفلسطينية إسرائيل في 27 أبريل/نيسان 2017 بأنها ستتوقف عن دفع ثمن إمدادات الكهرباء لغزة، وذكر بيان صادر عن وحدة الاتصال العسكري الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية أبلغتهم أنها ستوقف فورا سداد ثمن الكهرباء الذي تمد به إسرائيل غزة عبر عشرة خطوط للكهرباء، تنقل 125 ميجاواتا أو ما يعادل نحو 30% من احتياجات غزة من الكهرباء.

ولاحقا قررت السلطة تقليص المبلغ الذي تدفعه لإسرائيل مقابل تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40% وتحصل إسرائيل من السلطة الفلسطينية على 11 مليون دولار شهريا مقابل الكهرباء، وتحسم المبلغ من تحويلات عوائد الضرائب الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة.

وفي 12 يونيو/حزيران 2017، وافق الطاقم الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية على تقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%، تماشيا مع قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خفض النسبة نفسها من مدفوعات تكلفة الكهرباء الإسرائيلية لغزة، بهدف الضغط على حركة حماس التي تسيطر على القطاع.

وحذرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من خطورة قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقليص كهرباء قطاع غزة، وأن من شأنه أن يعجل بتدهور الأوضاع وانفجارها في القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء، محمد ثابت، قوله إن إجمالي الطاقة المتوفرة حاليًا بالقطاع لا يتجاوز 70 ميجاواط جميعها ترد عبر الخطوط الإسرائيلية التي وصل حجم التقليص فيها إلى 55 ميجاواط.

وبحسب سلطة الطاقة، فإن القطاع المحاصر إسرائيليًا للعام الحادي عشر على التوالي يحتاج لأكثر من 550 ميجاواط، خصوصًا في فصل الصيف نظرًا لزيادة الاستهلاك اليومي.