العدسة – منذر العلي
تفجير مباغت استهدف أحد أنابيب النفط الممتدة من السعودية إلى البحرين، وُجهت فيه أصابع الاتهام رسميًّا من البلدين إلى إيران بالتورط في التفجير.
الحادث يأتي في ظل تطورات إقليمية غير مسبوقة زادت فيها حدة التراشقات بين الرياض وطهران، كما ظهرت لبنان كمسرح لتصفية الحسابات بين البلدين.
فهل يمكن أن يشكل التفجير شرارة انطلاق مواجهة عسكرية مرتقبة تتدخل فيها أطراف دولية وأخرى إقليمية، أم أن البلدين سيكتفيان بالساحة اللبنانية؟.
تطورات متسارعة
مساء الجمعة 10 نوفمبر الجاري، اندلع حريق بأحد أنابيب النفط، بالقرب من قرية “بوري” وسط البحرين، وصفه وزير الداخلية “راشد بن عبد الله آل خليفة” بأنه “عمل إرهابي خطير”، ملمحًا إلى تورط إيران في التفجير.
الوزير قال صراحة، إن “الأحداث الإرهابية التي تشهدها البحرين في الفتره الأخيرة، تتم من خلال اتصالات وتوجيهات مباشرة من إيران”، فيما سبق تصريحاته بيان للوزارة أوضح أن أعمال المعاينة ورفع الأدلة المادية أسفرت عن أن الحادث “بفعل فاعل”.
الشيخ “خالد بن أحمد آل خليفة” وزير الخارجية البحريني أكد أن “محاولة تفجير أنبوب النفط السعودي البحريني هو تصعيد إيراني خطير هدفه ترويع المواطنين والإضرار بصناعة النفط في العالم”، مضيفًا أن “إيران تستهدفنا جميعًا”.
من جانبها أعلنت وزارة الطاقة السعودية، رفع التأهب الأمني في كل منشآتها وتعليق ضخ النفط إلى البحرين، بعد الحريق.
وفي الوقت نفسه، قالت وزارة الخارجية السعودية، إنها “تدين وتستنكر بشدة التفجير الذي أدى لحريق في أنبوب نفط بالقرب من “بوري” في مملكة البحرين الشقيقة”، مشيرة إلى بيان وزارة الداخلية البحرينية، الذي اتهم إيران بالوقوف وراء الأحداث الإرهابية في البلاد.
الرياض انضمت إلى البحرين في اتهامها لطهران، وأضافت: “ندين بشدة الأعمال التخريبية والإرهابية التي تقوم بها إيران لزعزعة أمن واستقرار المنطقة”.
وزير داخلية البحرين
إيران تهدد والسعودية تحتفظ بالرد
لم تكن إيران ببعيدة عن سخونة الأحداث في الخليج، وبادلت السعوددية الاتهامات التي جاءت هذه المرة عبر “أحمد خاتمي”، خطيب جمعة طهران، ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة، قائلًا: إن إيران “ستوجه ضربة قوية للسعودية إذا ما هاجمت بلاده”.
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف: إن “الإقدام على الخيارات الخاطئة عمل غير حكيم، ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى الندم”.
تصريح “ظريف” يأتي ردًّا على تهديدات سعودية شديدة اللهجة، عبر التحالف العربي الذي تقوده باليمن في الحرب على الحوثيين المدعومين من إيران.
العقيد الركن “تركي المالكي” المتحدث باسم التحالف أكد “وقوف إيران وراء إطلاق الميليشيات الحوثية صاروخًا باليستيًّا تم إسقاطه قرب العاصمة السعودية الرياض”.
وأضاف أن “ضلوع طهران بتزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية التي استهدفت الرياض عدوان عسكري سافر ومباشر من قبل النظام الإيراني، قد يرقى لاعتباره عملًا من أعمال الحرب ضد المملكة”.
التهديد كان أكثر صراحة في بيان لقيادة قوات التحالف، قال: إن السعودية “تحتفظ بحقها في الرد على إيران في الوقت والشكل المناسبين الذين يكفلهما القانون الدولي ويتماشى معهما، واستنادًا إلى حقها الأصيل في الدفاع عن أراضيها وشعبها ومصالحها”.
وزير الخارجية الايراني
هل تندلع المواجهة؟
وعلى الرغم من تصاعد التهديدات المتبادلة، إلا أن خيار المواجهة العسكرية المباشرة بين السعودية وإيران يبقى متواريًا، وتخشاه كلا البلدين؛ لما يمكن أن يجلبه من أخطار عليهما وإشعال للمنطقة الغنية بالنفط.
الدليل الأبرز على ذلك هو أن تلك التهديدات لم تكن وليدة اللحظة، بل تمتد لفترات زمنية متباعدة، وتبقى شبه موسمية مع تكرار الأحداث الداعية لذلك، لكنها اتخذت منحى متصاعدًا، منذ قرار المملكة قطع العلاقات في أعقاب الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد، يناير 2016.
حين كان وليًّا لولي العهد أطلَق محمد بن سلمان تصريحات غير مسبوقة للتليفزيون السعودي الرسمي، تعهد فيها بنقل المعركة إلى طهران، وعدم انتظار أن تكون في السعودية.
وقال “بن سلمان”: “لُدغنا من إيران مرة، المرة الثانية لن نُلدغ، ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، الوصول لقمة المسلمين هدف رئيسي لإيران، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية”.
محمد بن سلمان
وعلى الرغم من البعد الأيديولوجي والمذهبي الواضح في الصراع بين القوتين السنية والشيعية، العربية والفارسية، فإن جوهر الصراع “مصالحي” بحت أي على النفوذ، بحيث تسعى كل دولة لانتزاع النفوذ في المنطقة من الأخرى.
ولهذا فإن هذا الصراع لا يصل إلى عمق أراضي البلدين، بل تستخدم كل منهما أماكن أخرى للانتقام، أو إشعال مواجهة في إطار هذا الصراع على النفوذ.
وليس ما يحدث في اليمن من هذا ببعيد، حيث يعد أبرز الساحات الخلفية للصراع بين البلدين، والذي تتفوق فيه حتى الآن طهران التي تدعم الحوثيين بكل قوة، فيما لم تنجح السعودية وتحالفها في كسر شوكتهم.
وفي سوريا التي توارت عنها المملكة، كانت قبل أشهر أسخن مناطق الصراع وأشرسها من حيث المواجهات العسكرية، ففي حين أرسلت طهران بقوات ضخمة وميليشيات شيعية طائفية من لبنان وأفغانستان والعراق وغيرهم، دعمت الرياض بالمال والسلام مجموعات سنية مسلحة في القتال.
مؤخرًا، فإن لبنان يُنتظر أن يكون الساحة الأبرز في خضم هذا الصراع، عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سعد الحريري من قلب الرياض، والتهديدات المباشرة التي وجهتها المملكة لحكومة بيروت بسبب حزب الله، والتي رد عليها أمينه العام حسن نصر الله باتهام السعودية بتحريض الاحتلال الإسرائيلي على ضرب لبنان.
اضف تعليقا