عقب كل حادث مفاجئ أو بزوغ نجم جماعة من الجماعات تثار ضجة كبيرة حول ماهية الحدث والأطراف التي تقف خلفه، أو حول ماهية الجماعة وجذورها التاريخية وأهدافها الحقيقة، ويتسع الجدل حول ذلك ويزداد، وتنتشر الشائعات لتغطي على المحكم والثابت من الحقائق الجليات. ذلك النموذج المتكرر يستدعي تناول قضية هامة، ألا وهى كيف نفهم الواقع الذي نحياه والأحداث التي تدور حولنا  دون الانشغال بالجدل حول التفاصيل الثانوية والأمور الهامشية؟.

يمكن القول بأن فهم الواقع جزء منه فطري يرتبط بملكات الإنسان كالذكاء وسرعة البديهة وعمق التفكير، وجزء آخر كسبي كالخبرة وسعة الاطلاع. تلك المواهب الفطرية والكسبية تزداد بمخالطة أصحاب التجارب وبالقراءة  المستمرة ومتابعة التطورات ومراعاة قواعد الفهم السليم. والمحاور التالية تساعد على حسن تصور الواقع وإدراكه على حقيقته:

1- البصيرة الإيمانية: وهى تكتسب بالتقوى والعمل الصالح ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا…) فرقانا يفرق به المرء بين الحق والباطل، بين الحقائق والأوهام، بين أولياء الله وأعداء دينه….ومصداق ذلك في أحاديث آخر الزمان قول النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال (مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب) فلم يميز الناس الدجال وفقا لمستواهم العلمي ومهاراتهم المتنوعة بل وفقا لمستوى الإيمان في قلوبهم.

2- تدبر القرآن والسنن الواردة فيه: فعلى سبيل المثال نجد أن أغلب نظم الحكم في البلاد التي شهدت ثورات الربيع العربي تعهدت عند اشتعال الأحداث بإجراء إصلاحات متنوعة خلال فترة زمنية قصيرة تتراوح من ستة أشهر إلى سنة، ومع تدهور الأوضاع  وعد معظم الرؤساء بالتنازل عن السلطة عقب إجراء انتخابات نزيهة. وصدق البعض ذلك، بينما تلك الأنظمة مارست أسلوبا فرعونيا  قديما يقوم على مواجهة المفاجآت بالتهدئة برهة من الوقت لامتصاص الصدمة والتقاط الأنفاس والترتيب لتدبير المؤامرات للقضاء على خصومهم ( قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون، قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين، يأتوك بكل سحارعليم).

3- تصور المناهج وخصائص الجماعات والدول: فيصعب أن تجتمع كلمة حركة جهادية على تسليم سلاحها بينما هى نشأت على التغيير بالقتال، ويصعب أن تتخذ جماعة سلمية قرارا حقيقيا بالمواجهة بينما هى نشأت على التغيير من خلال العمل السلمي. ولا يتصور أن تقوم دولة بإعطاء امتيازات بالمليارات للدول الكبرى مقابل حماية نظام حكمها، ثم تتخذ  لاحقا قرارات مصيرية ضد تلك الدول.

4- فهم حركة الواقع وفق التصور العقدي للصراع بين الحق والباطل: فمعسكر الجاهلية له أطره وثوابته وخصائصه التي رسمها الشرع، ولا يتصور خروجه عنها بشكل جماعي دون نكير داخلي من بعض مكوناته.

5- فهم طبائع البشر وحركة المجتمعات البشرية: فالبعض يقتنعون بصحة أخبار وأفكار مخالفة لطبائع الأمور، ومن المهم الابتعاد عن الأخبار التي تتناقلها المواقع الإخبارية غير المهنية، والحسابات المجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي. والتثبت من الأخبار الغريبة عبر مراجعة المواقع الإخبارية الشهيرة ووكالات الأنباء.

6- قياس الأحداث: قياس الأحداث على نظائرها، وفهمها في ضوء القدر الرباني، وأبعادها الدولية والإقليمية والمحلية. والتكيف مع المستجدات، فالبعض يقف عند حدود أيدولوجية جامدة تمنعه من استيعاب المتغيرات، فإيران وأميركا يمكن أن يتحالفا ضد عدو مشترك، ثم يتصارعا لاحقا على مجالات بسط النفوذ.

7- متابعة المستجدات من المواقع الإخبارية الأكثر مهنية: مثل الجزيرة، والنشرات الدورية الصادرة عن المراكز البحثية المرموقة أو المتماسة مع الأحداث في بلادنا مثل النشرات الأسبوعية لمركز مئيت عمير الإسرائيلي  والدراسات الصادرة عن  مراكز الأبحاث مثل (بروكنجز – كارنيجي – راند – الجزيرة للدراسات – المعهد المصري).

8-القراءة في مجالات متنوعة من قبيل:

-الكتب التي تنهل من نور الوحي مباشرة مثل كتاب (التصور السياسي للحركة الإسلامية) للشيخ رفاعي سرور، والذي يشرح فيه النظرية السياسية الإسلامية ومرتكزاتها، والنظرية السياسية الجاهلية ومحاورها، ومثل كتابه الآخر ( حكمة الدعوة ) الذي يتناول فيه كيفية تكوين الفرد المفكر، والعلاقة بين الفكر والقدر.

– الكتب التي تمثل مداخل سهلة وبسيطة للعلوم الإنسانية، وتساعد على فهم التاريخ وفلسفته والسياسة والاقتصاد والجغرافيا السياسية والتدافع وأدواته مثل سلسلة ” أدوات القادة ” لجاسم سلطان.

– الكتب التي تعطي صورة  كلية للتاريخ الإسلامي منذ قبيل البعثة حتى سقوط الدولة العثمانية مثل كتاب (التاريخ الإسلامي الوجيز) لمحمد طقوش، فضلا عن الكتب التي تتناول الانحرافات البارزة التي مرت بها الأمة المسلمة مثل (الحرية والطوفان) لحاكم المطيري ، و(واقعنا المعاصر) لمحمد قطب.

– الكتب التي تتضمن وثائق الأرشيفات الأجنبية المرفوع عنها السرية، إذ تكشف الخلفيات الحقيقية للأحداث، وتشرح بمعنى أدق ماهية السياسة في بلادنا مثل سلسلة (الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ) لنجدة صفوة .

– مذكرات الساسة والقادة وصانعي الأحداث من العرب والأجانب ، مثل مذكرات محمد نجيب وخالد محيي الدين وسعد زغلول وحسن العشماوي وكوندليزا رايس وجورج تينت.

-الكتب التاريخية التي تتناول التاريخ المعاصر والحديث للأقطار الإسلامية، ففي الحالة المصرية نجد سلسلة عبدالرحمن الرافعي التي تغطي الفترة منذ قبيل الحملة الفرنسية  حتى عام ١٩٥٩، فضلا عن الدراسات الجادة مثل (موجز تاريخ مصر في الحقبة العلمانية) لأسامة حميد.

– الكتب التي تتناول استراتيجيات الحروب مثل (عن الحرب) لكلاوزفيتز ، و النظام الدولي والصراع الحضاري  مثل كتاب (صدام الحضارات) لهنتجتون ، و(رؤية استراتيجية- أميركا وأزمة السلطة العالمية) لبريجنسكي.

– الكتب التي تتناول منظومات الحكم والسيطرة والتغيير المجتمعي مثل (الحكومة الخفية) لجمال حمّاد، و(النظام القوي والدولة الضعيفة) لسامر سليمان، و(ماذا حدث للمصريين؟) لجلال أمين.

 

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“.