العدسة – منذر العلي
من جديد تطفو أزمة عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سطح الأحداث، بلائحة اتهام ضده قدمها النائب وعضو الكونجرس الديمقراطي “ستيف كوهين”.
وارتكز “كوهين” في طلبه إلى اتهام ترامب بإعاقة العدالة، مشيرًا إلى أن هذا الاتهام “يشكل أرضية لإزاحته”، ودعا الكونجرس إلى بدء جلسات العزل فورًا.
وأعرب النائب عن رغبتة نواب الكونجرس المستمرة في “إلقاء الضوء على سلوكه (ترامب) غير القانوني الذي يهدد بلادنا”.
لائحة الاتهام التي أعدها “كوهين” و5 من زملائه، تتضمن “إعاقة ترامب للعدالة بسبب ضغطه على مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، وطرده إياه بسبب التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والتعاون المحتمل بين حملة ترامب وموسكو”.
كما تضمنت أيضًا: “انتهاكات مفترضة لبند المكافآت في الدستور الأمريكي الذي يمنع الرئيس من تلقي المال من جهة أجنبية”.
ليس الطلب الأول
وشهد يوليو الماضي، أول طلب رسمي يُقدم إلى مجلس النواب الأمريكي لبدء إجراءات عزل الرئيس ومحاكمته بتهمة عرقلة سير العدالة، بعد شهر من شهادة “كومي” التي نشرها في وسائل الإعلام، وشرح فيها تفاصيل 9 لقاءات ومكالمات هاتفية جمعته بترامب.
النائب عن ولاية كاليفورنيا “براد شيرمان”، أودع في دوائر مجلس النواب اقتراح قانون وقعه معه زميله “آل جرين” يطالب فيه بمحاكمة ترامب بتهمة “عرقلة سير العدالة”، مؤكدًا أن إدانة الرئيس بهذه التهمة تقود إلى عزله.
النائبان الديمقراطيان استندا في اتهامهما للرئيس إلى “تدخله في التحقيق” الذي كان يجريه “كومي”، بشأن علاقة مايكل فلين، أحد أقرب مستشاري ترامب السابقين بروسيا، قبل أن يعمد الرئيس إلى إقالة كومي.
ورغم اعترافه أنها “خطوة رمزية” إلا أن “شيرمان” قال إن “التقدم بنصوص لعزل الرئيس هي الخطوة الأولى في مسيرة طويلة”، مشيرًا إلى أنه يعوّل على “انضمام الجمهوريين إلى معركة عزل ترامب إذا استمر في عدم كفاءته”.
” جيمس كومي “
البيت الأبيض سارع إلى التنديد بهذه الخطوة، واعتبرها “سخيفة بالكامل، والأسوأ في الألاعيب السياسية”.
كما اعتمد النائبان في اتهامهما على تسجيل مصور يعود إلى يونيو من العام 2016، بثته قناة “سي إن إن” في قلب الجدل المتزايد حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي قادت لاعتلاء ترامب عرش البيت الأبيض.
ترامب يظهر في الفيديو وهو يتناول العشاء مع رجال أعمال وشخصيات روسية نافذة، مشيدًا بروسيا التي اعتبرها “دولة عظمى”، وقال إنها “تتمتع بنفوذ كبير، لكن علاقتنا معها ليست بالعظيمة”.
يضاف هذا التسجيل إلى سلسلة مراسلات لدونالد ترامب الابن مع أحد الشخصيات سالفة الذكر، تظهر ترحيبه بإمكان حصوله على “معلومات حساسة” تضر بهيلارى كلينتون خلال الحملة الانتخابية، والذي أقنعه بلقاء المحامية الروسية “ناتالى فيسيلنيتسكايا” التي تتمتع بعلاقات مع الكرملين.
دستور الولايات المتحدة الأمريكية يعطي الحق للكونجرس في عزل الرئيس في إجراء يتم على مرحلتين، إذ يتعين أولًا على مجلس النواب أن يوجه الاتهام إلى الرئيس لتنتقل بعدها القضية إلى مجلس الشيوخ الذي يتولى “محاكمة” الرئيس في إجراء ينتهي بالتصويت على إدانته.
ويُدان الرئيس وبالتالي يُعزل تلقائيا، إذا صوّت أكثر من ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ لمصلحة إدانته وإلا تتم تبرئته.
ولم يسبق في تاريخ الولايات المتحدة أن عُزل أي رئيس من منصبه، ولكن هناك رئيسان تم توجيه الاتهام إليهما قبل أن يبرئهما مجلس الشيوخ، وهما أندرو جونسون في 1868، وبيل كلينتون في 1998، أما الرئيس ريتشارد نيكسون ففضل الاستقالة في 1974 لتجنب عزله الذي كان محتوما بسبب فضيحة “ووترجيت”.
“ترامب” و “بوتين”
هل يواجه مصير نيكسون؟
بدأت قضية “ووترجيت” بعد إعادة انتخاب الجمهوري ريتشارد نيكسون رئيسًا للولايات المتحدة، ففي 17 يونيو 1972 تم اعتقال أشخاص اتهموا بوضع أجهزة تنصت سرية في مكاتب الحزب الديمقراطي داخل مبنى “ووترجيت” بواشنطن، وتسجيل 65 مكالمة لأعضاء الحزب.
أُدين 5 أشخاص اتهموا بأن لهم علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، كما أُدين شخصان آخران في القضية بتهمة “التجسس والشروع في السرقة”، ثم توسع التحقيق لاحقًا بعد كشف صحفيي جريدة “واشنطن بوست” بوب وودورد وكارل برنشتاين عن وجود علاقة بين قضية التجسس والشروع في السرقة ومحاولة التغطية عليها من قبل جهات رسمية كوزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، ووكالة الاستخبارات المركزية والبيت الأبيض.
في مارس 1973 أرسل جيمس مكورد -وهو أحد المدانين السبعة- رسالة إلى قاضي المحكمة يشير فيها إلى تورط جهات كبرى في القضية ليشمل التحقيق بعد ذلك طاقم البيت الأبيض، مما دفع الرئيس نيكسون في 30 أبريل 1973 إلى إقالة اثنين من كبار مستشاريه بسبب علاقتهما بالقضية، وفي 17 مايو من نفس العام بثت جلسات الاستماع في القضية على التليفزيون، مما أدى إلى تدهور شعبية نيكسون.
“نيكسون” الرئيس الأمريكي سابقًا
وفي أكتوبر أقال الرئيس “أركيبالد كوكس” المحقق الخاص المعني بالتحقيق في الفضيحة، وكشفت التحقيقات أن لجنة التحقيق طالبت بالأشرطة لكن الرئيس نيكسون رفض تسليمها، وذكرت أن البيت الأبيض سلّم الأشرطة بعد حذف بعض المقاطع منها مدعيًا أنها حُذفت عن طريق الخطأ.
واتهمته (سي آي إيه) بعرقلة التحقيقات بحجة أن “المقاطع المحذوفة تتضمن أشياء تمس أمن البلاد”، وفي 30 يونيو 1974 تم الكشف عن محتويات الأشرطة كاملة.
وأقرت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية استخدام الرئيس سلطته التنفيذية لحجب أجزاء من الأشرطة، وأدين بثلاث تهم، هي “استغلال النفوذ، وعرقلة مسار القضاء، وعدم الانصياع له”، إضافة إلى تهمة “الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي”، حيث اعتبره القضاء مشاركًا في القضية، وبدأ الكونجرس مناقشات لعزله من منصبه قبل استقالته.
في 8 أغسطس 1974 أعلن نيكسون استقالته من منصبه وبدأت محاكمته في سبتمبر من نفس العام قبل أن يصدر الرئيس جيرالد فورد -الذي خلفه- عفوًا عنه “لأسباب صحية”.
اضف تعليقا