العدسة – موسى العتيبي

هل ضاقت السلطة ذرعا بعلمائها في مصر الذين طالما دافعوا عنها بخطابات وفتاوى دينية أوصلت رأس السلطة “عبد الفتاح السيسي” إلى درجة الأنبياء المرسلين أو الصحابة الفاتحين؟

أم أن السلطة قررت التخلص من ثوب فتاواها القديم، وقررت استبداله بثوب جديد، تواصل من خلاله احتكار الدين وتعمل على تنفيذ المزيد من خطوات الثورة الدينية التي بدأتها منذ عدة أعوام.

أم أن الفضائيات والإعلام المصري بات مليئا  بمشايخ وعلماء ليسوا أهلا للفتوى، فقررت السلطة بالفعل إنهاء تلك الفوضى بقائمة تتصدر الفتاوى بلا منازع؟

كل تلك الأسئلة وغيرها أثيرت بعد إصدار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر قرارا بتحديد 50 داعية من قيادات وعلماء الأزهر للسماح لهم بالظهور إعلاميا للإفتاء، ومناقشة القضايا الدينية التي يسأل فيها المواطنون عبر الشاشات، وذلك بهدف مواجهة فوضى الفتاوى عبر وسائل الإعلام.

القرار أثار جدلا بين معارضي السلطة ومؤيديها على حد سواء، حيث اعتبر المعارضون أن القرار بمثابة تكميم للأفواة واحتكار من الدولة للدين، بينما تزايدت أسئلة المعارضين عن أسباب اختيار هؤلاء المشايخ والعلماء للإفتاء دون غيرهم؟!

احتكار للخطاب الديني

مراقبون وصفوا الخطوة بأنها بمثابة احتكار من الدولة للخطاب الديني، حيث عملت حكومات ما بعد الثالث من يوليو على استغلال المؤسسات الدينة، وتوجيه خطابها لأجندات سياسية تدعم استقرار سلطتها.

وعلى مدار السنوات الثلاثة الماضية، حرص السيسي في أكثر من مناسبة على توجيه خطاب صريح و مباشر للأزهر بتجديد الخطاب الديني، والقيام بما أسماها “ثورة دينية” على الأفكار والنصوص التي أكد أنه تم تقديسها عبر مئات السنين.

كما صرح السيسي قبل ذلك بأن رئيس الدولة هو المسؤول عن دينها وعن كل شيء فيها، لذلك لاينبغي أن تترك المؤسسات الدينية هكذا.

وفي هذا الإطار حرصت الدولة على تلميع وتنجيم عدد من المشايخ والعلماء، الذين يصفهم معارضون بـ”مشايخ السلطان”، بينما هم قدموا أنفسهم كعلماء دين يدعمون استقرار البلاد في مواجهة التطرف.

وخلال تلك الفترة صدرت عشرات، وربما المئات من الفتاوى المثيرة للجدل، والتي في أغلبها تكون في إطار دعم السلطة بصورة أو بأخرى، إما بإلهاء المواطنين بغرابتها والحديث عنها، وإما لفجاجة دعمها للسلطة.

لكن وبالرغم من ذلك، فإنه من حين لآخر تصدر فتاوى دينية، تسبب إزعاجا للسلطة، من مشايخ وعلماء أزهريين، محسوبين على الخطاب الرسمي للدولة، لكنهم في بعض الأوقات يغردون خارج سرب الدولة.

واتضح هذا المثال جليا في قضية “الطلاق الشفوي” التي أحدثت شرخا كبيرا بين السلطة والأزهر الشريف “أكبر مؤسسة دينية في مصر”، حيث إن الأزهر عارض وبشدة نداءات عبد الفتاح السيسي بتحريم الطلاق الشفوي، واشتراط وقوعه بالتقنين أمام مأذون أو محام.

معارضة الأزهر حينها لم تقتصر على بيان رسمي، بل خرجت فتاوى دينية متعددة على قنوات فضائية ترفض تحريم الطلاق الشفوي، ما سبب حرجا بالغا للسلطة، ودفع السيسي إلى التراجع عن مقصدة.

ليس الطلاق الشفوي فحسب، بل فتاوى أخرى كثيرة تخرج بين الحين والآخر من علماء أزهريين، تكون على غير هوى السلطة، الأمر الذي ربما دفعها إلى التفكير في قائمة بيضاء للفتاوى، تضم عددا من الأسماء والمشايخ المعتمدين من الأزهر، من جانب، والمرضي عنهم من قبل السلطة من جانب آخر.

“السيسي” بصحبة “أحمد الطيب”

تمهيد لإغلاق القنوات السلفية

أيضا فإن “قائمة الفتاوى” ربما ستغلق الباب نهائيا على القنوات السلفية، التي لازالت مفتوحة، وتصدر فتاوى دينية، حيث إن كل الأسماء التي وردت في القائمة هي أسماء لعلماء ومشايخ أزهريين غير منتمين لتيارات سياسية أو دينية محددة”.

ربما تكون القائمة، هي بداية جديدة لسلسلة من إغلاق الفضائيات الدينية، خصوصا مع قرب انتخابات رئاسة الجمهورية 2018، والتي تتخوف السلطة من أن تتسرب إليها بعض الفتاوى المزعجة لها.

قناة “الرحمة” المملوكة لمحمود حسان شقيق الداعية محمد حسان، وقناة “صفا”، وقناة “خليجية”، وغيرها من القنوات، هي محطات تليفزيونية، محسوبة على التيار السلفي، ولازال يتصدرها مشايخ وعلماء سلفيون يطلقون فتاوى فقهية في قضايا مختلفة، ربما تكون جميعها مهددة بالإغلاق بعد تلك القائمة.

الشيخ ” محمد حسان “

أين الهلالي وكريمة والجندي؟

لكن ما أثار الاستغراب والجدل هو خلو القائمة، من أسماء ومشايخ لطالما نافحت ودافعت عن السلطة، أمثال “سعد الدين الهلالي وأحمد كريمة” أستاذي الفقه المقارن بالأزهر الشريف، بالرغم من أن هؤلاء اشتهر عنهم تأييدهم الشديد  للسلطة بشكل عام ولعبد الفتاح السيسي بشكل خاص.

خالد الجندي، داعية الفضائيات الشهير، وسعاد صالح الأستاذة بجامعة الأزهر الشريف، وغيرهم هم أيضا لم ترد أسماؤهم في قائمة الخمسين المسوح لهم بالإفتاء.

يرى مراقبون أن الاستغلال السيساسي للفتاوى الدينية جعل من خطابها الديني والروحي للدعاة السابقين غير مقنع لكثير من الشباب، وبالتالي ربما تكون السلطة قد عمدت إلى تغيير أسماء علمائها حتى لا يلجأ الشباب لعلماء أكثر تشددا من وجهة نظر السلطة.

ربما أيضا يكون القائمون على اختيار تلك القائمة فضلوا الابتعاد تماما عن أية أسماء لعلماء أثاروا الجدل بفتاوى غريبة فقرروا بالفعل تجاهل الأسماء السابقة، غير أنهم لم يستطيعوا فعل ذلك مع الشيخ علي جمعة المفتي السابق نظرا لقربه الشديد من السلطة.

” خالد الجندي “

 

” سعاد صالح “

تجاهل القائمة لكثير من هؤلاء العلماء، جعل بعض مشايخ الأزهر يثورون ضدها، حيث وصف أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة، القائمة بقائمة الـ«50 داعية»، معتبرا أنها بمثابة «قرار إداري» لا يعنيه، وأنه غير مُلزَم بتنفيذه.

وقال «كريمة»: إن «القرار إداري ويسأل فيه الأزهر ودار الإفتاء، وأنا أكبر من ذلك، وخدمة الدعوة لا تحتاج إلى تصريح من أحد تلاميذي، ولا أريد الخوض في أمور قد تبدو محرجة للبعض ولي شخصيا، لأن القرار يحمل بعض التعليمات والإملاءات التي أرفضها في حياتي».

وأضاف: «أنا دكتور متفرغ في قسم الشريعة الإسلامية، وأحمل درجة الأستاذية، وقمت بتأليف 80 كتابًا في تخصصي، ومُعروف عني عدم المداهنة أو التملق، سواء لشخص أو لجهة إدارية».

كذلك استبعدت القائمة، كل الدعاة الشباب أمثال عمرو خالد ومصطفى حسني وغيرهم، وذلك على اعتبار أن هؤلاء دعاة وليسوا مفتين، فيما لم يتضح بعد إذا ما كانت تلك القائمة ستؤثر على ظهورهم في الفضائيات أم لا.

” أحمد كريمة “

 

” عمرو خالد “

جدل بين الأزهر وهيئة الإعلام

لكن وبعيدا عن رضا الدولة عن الأسماء المعلنة للفتاوى أم لا، أثير جدل واسع حولها من قبل الأزهر وعلمائه، خصوصا هؤلاء الذين تجاهلتهم القائمة، وتساءل البعض عن المسؤول عنها وعن تحديدها.

الجدل حول القائمة دفع «مكرم محمد أحمد» رئيس الهيئة الوطنية للإعلام التي اختارت القائمة، لتأكيد أن القائمة مازالت مفتوحة، وأنها لم تغلق، وأن بعض العلماء سيتم إضافتهم للقائمة.

وأضاف «مكرم» أن «المجلس الأعلى للإعلام اتفق مع الأزهر والإفتاء على إصدار هذه القائمة لحين صدور قانون تنظيم الفتوى من مجلس النواب» فقط.

فيما حاول وكيل الأزهر الشريف «عباس شومان» التخفيف من وطأة الجدل والتبرؤ من مسؤولية الأزهر عن القائمة، وذلك بتأكيده أن «قائمة الـ50 المصرح لهم بالفتوى عبر الفضائيات والصحف، لا تعني أن الآخرين المؤهلين ممنوعون منها»، لكنه لم يذكر الغرض منها إذا لم يقتصر الظهور الإعلامي عليهم.