أوضاع صعبة يعاني منها ملايين النازحين والمهجرين قسرا في المنطقة العربية جراء ما تشهده بلادهم من صراع وحروب، وسط مصالح دولية متضاربة عطلت حسم الأزمة منذ فترات طويلة.

إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي نشرتها مطلع العام الجاري تشير إلى وجود أكثر من 19 مليون لاجئ ونازح في المنطقة العربية من أصل 65.3 مليونا حول العالم.

الأرقام تعكس مأساة إنسانية ضخمة يعيشها اللاجئون والنازحون، ويعانون قسوة الظروف المناخية، وانعدام موارد الرزق وضعف مقومات الأمن والأمان.

تهجير أهالي سوريا

وبحسب الإحصائية تأتي سوريا في المرتبة الأولى من حيث عدد اللاجئين فقد خرج نحو 4.85 مليون لاجئ، فضلا عن 7.6 مليون نازح داخل سوريا ونحو 12.2مليون سوري في حاجة للمساعدة الإنسانية.

وفي تقرير جديد قالت منظمة العفو الدولية إن سكان مناطق كاملة من المدنيين الذين كابدوا الحصار المروع وتعرضوا للقصف المكثف لم يُمنَحُوا خياراً، بموجب ما يُسَمَّى باتفاقات “المصالحة” بين نظام بشار الأسد وجماعات المعارضة المسلحة، غير النزوح من مناطقهم أو الموت.

وذكر التقرير أن الحكومة السورية قامت بمحاصرة المدنيين بصورة غير مشروعة، وحرمتهم من الغذاء والدواء، وغيرهما من الضروريات الأساسية، ونَفَّذَت هجمات غير مشروعة على مناطق كثيفة السكان، وارتكبت جماعات المعارضة المسلحة كذلك انتهاكات مماثلة، ولكن على نطاق أضيق، ما أدى إلى نزوح آلاف السكان من ست مناطق محاصرة، وهي داريا، وشرق مدينة حلب، والوعر، ومضايا، وكفريا، والفوعة، خلال الفترة من عام 2012 وأغسطس 2017.

وقالت المنظمة “إن الحملة الحكومية التي تجمع بين الحصار، والقتل غير المشروع، والتهجير القسري، والتي انتزعت آلاف المدنيين من ديارهم وأرغمتهم على العيش في ظروف قاسية، لتمثل جريمة ضد الإنسانية”.

تقرير منظمة العفو الدولية عن تهجير السوريين والذي كشف جانبا من المأساة التي يعانيها هذا الشعب منذ 6 أعوام يجعلنا نلقي الضوء أكثر على بعض الدول العربية التي تعاني الأمرين جراء الظروف المشابهة.

”  مخيمات السوريين “

تهجير الفلسطينيين

ويأتي في مقدمة هذه الدول الشعب صاحب المعاناة الأكبر والأقدم والتي كانت حاضرة في فلسطين قبل ما يقرب من 70 عاما من أثر النكبة التي شكلت ولا تزال أكبر عملية تهجير قسري شهدها التاريخ.

ففي العام 1948 أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات الآلاف من الفلسطينيين على ترك ديارهم تحت وقع المجازر التي وقعت بحقهم، ولجأ أغلبهم إلى دول الجوار والنزوح إلى مناطق أخرى داخل وطنهم وسط صمت المجتمع الدولي وعجزه عن فرض قراراته أو تطبيقها، لاسيما القرار رقم 194 الذي أكد على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية واستعادة ممتلكاتهم.

ومنذ ذلك الحين ودولة الاحتلال الإسرائيلي تتبع سياسات مختلقة في التهجير القسري للفلسطينيين، بما في ذلك جريمة النقل الجبري للسكان والتي تشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي، وهدم المنازل لإجبار سكانها على مغادرتها إلى أماكن أخرى، ومصادرة الأراضي، والحرمان من حقوق الإقامة، وتقييد حق استعمال الأرض والانتفاع بالمصادر، بالإضافة إلى عمليات التغيير الديموغرافي، من خلال بناء المستوطنات وإحلال اليهود مكان الفلسطينيين أصحاب الأرض.

ولا تزال عمليات التهجير القسري مستمرة بحق الفلسطينيين، خاصة بعد إعلان إسرائيل الشهر الماضي عن خطتها لبناء آلاف المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية، والتي شرعت فعليا في تنفيذها.

كما شكل تسارع خطط تهجير تجمعات السكان البدو الفلسطينيين من محيط القدس إلى مناطق أخرى في غور الأردن وجها آخر من السياسات العنصرية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وفي قطاع غزة المحاصر منذ نحو 11 عاما تعرض الفلسطينيون في 2014 لقصف إسرائيلي استمر 50 يوما، وخلال هذا الهجوم تم تدمير أكثر من 31 ألف منزل تدميرا جسيما كليا وجزئيا، الأمر الذي ضاعف من حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع متسببة في تهجير 520 ألف فلسطيني داخل القطاع، أي ما يعادل نحو 34% من مجموع سكان غزة.

التهجير أهالي “فلسطين”

 

” بناء المستوطنات “

أهل النوبة وعبد الناصر

للتهجير القسري صور كثيرة في مصر ؛ أبرزها التي أجراها نظام جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي بحق النوبيين، حيث أجلاهم عن أراضيهم وموطنهم الواقع على ضفاف النيل إلى مناطق أخرى غير آهلة أو مجهزة لاستقبالهم، من أجل بناء السد العالي وحفر بحيرة ناصر.

وقامت الدولة بتهجير18 ألف أسرة نوبية بواقع نحو 100 ألف شخص من النوبيين من مساحة تصل إلى 350 كيلومترًا غمرتها مياه بحيرة ناصر التي تكوّنت بعد بناء السّد.

ولم يكتف نظام عبد الناصر بتهجيرهم فقط، بل قام بنقلهم إلى مناطق جديدة غير مهيأة أو مكتملة البناء، حيث أشارت تقارير إلى أن نحو 65 % من منشآت تلك المناطق لم تكن مكتملة أساسا فضلا عن عدم جاهزية البنى التحتية ما أدى إلى كارثة كبرى أدت إلى وفاة بعضهم بسبب سوء الأوضاع الصحية الناتجة عن عدم التكيف مع البيئة الجديدة وعدم تهيئتها بشكل مناسب للسكن البشري.

والآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن، يرى النوبيون الأراضي المتاخمة لبحيرة ناصر والمطلة عليها، تُخصص للمشاريع السياحية، ومرّة أخرى تعمد الدولة إلى التهجير القسري كخطة من خططها للتنمية.

تهجير أهالي “النوبة”

 

” مظاهرات قافلة العودة للنوبة “

سيناء في عهد السيسي

بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، واصل نظام عبد الفتاح السيسي عمليات التهجير لأسباب كثيرة منها مثلا: تهجير أهالي العشوائيات في مناطق من بينها تل العقارب وجزيرة الوراق وغيرها من المناطق، من أجل إقامة مشروعات سياحية لصالح رجال أعمال محسوبين على النظام.

وبدعوى محاربة الإرهاب بدأت الحكومة المصرية والجيش في أكتوبر 2014، إقامة منطقة عازلة بطول 13.5 كيلومتراً وعمق 1500 متر على الحدود مع قطاع غزة، ما استلزم هدم آلاف المنازل وتهجير آلاف المصريين من منطقة شمال سيناء.

وقام السيسي بتحويل شمال شرق مصر إلى منطقة ملتهبة، ومع كثرة استعداء أهالي المنطقة زادت المنطقة اشتعالا، وهو ما كان يخطط له السيسي لتبرير عمليات التهجير التي بدأت لاحقا والتي ركزنا عليها في تقرير سابق تحت عنوان (بين أمن إسرائيل والحرب على الإرهاب.. سيناريوهات التهجير بسيناء).

ورصدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في الفترة من 11 مارس 2013، ومنتصف أغسطس 2015، قيام الجيش المصري بتدمير واسع النطاق لما لا يقل عن 3 آلاف و255 مبنى في مدينة رفح خلال المرحلتين الأولى والثانية من عمليات التهجير القسري لأهالي سيناء.

وفي 10 أكتوبر الماضي بدأت المرحلة الثالثة بتجريف منازل المواطنين في نطاق 500 متر جديدة، لتصبح المنطقة العازلة في مسافة 1500 متر أو يزيد، حيث تهدف هذه المرحلة إلى إزالة 1215 منزلا وتهجير جميع من فيها.

تهجير أهالي “سيناء”

 

جرافات “الجيش المصري”

أهل السنة بالعراق

معاناة أخرى لأبناء الطائفة السنية في العراق من حملة التهجير القسري، والتي انطلقت مع بداية الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، انطلاقا من مناطق الجنوب، حيث شهدت البصرة القديمة وأبو الخصيب والزبير والمعقل عمليات تهجير منظمة ضد العرب السنة، وامتدت إلى مناطق أخرى في البلاد، وهي لا تزال مستمرة إلى الآن.

وبحسب بيانات البنك الدولي كان عام 2006 هو العام الأعلى في عمليات نزوح العراقيين داخل وخارج البلاد حيث وصل عدد المهجرين قسريا في هذا العام نحو 2 مليون و310 ألف نازح.

وتؤكد تقارير حقوقية إلى أن هذه الأرقام للنازحين المسجلين رسميا، بخلاف الذين تم تهجيرهم إلى أماكن أخرى أو فروا إلى خارج البلاد دون أن تم تسجيلهم.

وفي آخر إحصائية للأمم المتحدة حول عدد المشردين في العراق خلال العام الجاري، أشارت الوكالات الإنسانية إلى فرار المدنيين من محافظات إربيل ونينوى ودهوك بسبب الاشتباكات الدائرة هناك، وقد أجبر المئات من السكان والمقيمين في تلك المحافظات على الفرار من منازلهم، بعد أن عادوا إليها بعد هدوء الأوضاع، وذلك بسبب اندلاع القتال مرة أخرى في تلك المناطق.

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن هناك ما يزيد عن 175 ألف مشرد، بسبب الأوضاع الحالية في تلك المحافظات.