العدسة – ربى الطاهر

طالما حدثنا التاريخ عن شعوب وحضارات قديمة كانت ملء السمع والبصر، بل وبعضها كان يشكل إمبراطورية بعصره، وانتهت بصورة مأساوية بفعل كوارث طبيعية، سواء كانت براكين أو زلازل…، وأشياء أخرى.

أي إننا نستطيع القول أن الكوارث الطبيعية هي رفيق البشرية الخالد، فقبل أنظمة الإنذار الحديثة، والمساعدات الدولية، كثيراً ما كانت الكارثة تعني موت قرى بأكملها وانهيار حضارات.

ويعمل علماء الآثار بعصرنا هذا على الكشف عن تلك الكوارث والبحث عن ما خلفته تلك الحضارات المنهارة من أثار وأدلة تؤكد وجودها، وتعطيهم المستوطنات المهجورة والهياكل العظمية أدلة كيفية تفاعل الناس بتلك العصور مع الأوبئة والبراكين والزلازل وغيرها مما كانت أسباب دمار العوالم التي كانوا يعيشون بها، والحقيقة أن الكشف عن تلك الآثار يشكل أهمية كبرى حيث إنها قد تكشف عن العديد من الأسرار التاريخية، وتكشف عن لمحات من حياة الضحايا الشخصية.

واليوم نستعرض بعضا مما وجده علماء الآثار من أدلة ومخلفات لشعوب تعرضت لكوارث كانت السبب في إبادتها عن بكرة أبيها.

1-  قبل حوالي 5500 عام تعرضت قرية بالنرويج لعاصفة رملية، اجتاحتها تماما ودفنتها في خلال ساعات قليلة، وقد اكتشفت القرية عندما قرر بعض من رجال الأعمال استغلال الموقع بعمل مشاريع، وعند الحفر وجدوا أنقاض تلك القرية، وعند وصول علماء الآثار لتفقد الموقع وجدوا أنه يعتبر الكشف الأهم في أوروبا حيث إن اجتياح الرمال كان السبب بالحفاظ على آثار تلك الحضارة سليمة وهو الأمر الذي يعتبر بغاية الندرة، فوجدوا أواني فخارية وجدرانا وأسلحة بحالة ممتازة، ووجدوا أيضا بعض التحف الخشبية التي كان شعب تلك الحضارة يقومون بصناعتها، إلى جانب ذلك وجدوا سفينة بحالة ممتازة، وقد حدثت الكارثة حوالي عام 3500 قبل الميلاد.

 

2- أظهرت الدراسات الحديثة أن فيروس الإيبولا والذي تم اكتشافه بالكونغو عام 1976، وقد ظهر بحقبة ما قبل التاريخ حوالي العام 430 قبل الميلاد، فقد وجد علماء الآثار أن ثمة وباء غامضا اجتاح أثينا لسنوات، وقد ظهر أن الفيروس قدم لأثينا من إثيوبيا، وظهر أن الوباء يبدأ بالحمى الشديدة والقيء، وألم شديد بالرأس والأطراف، وقد مات معظم من أصيب بالمرض خلال أسبوع من الإصابة ومن بينهم 500 من الأطباء الأثينيين.

 

3- قبل 1700 عام تسبب زلزال تبعه موجة تسونامي بغرق مدينة نيابوليس الرومانية، وقد ظلت المدينة مفقودة حتى تم العثور على أنقاضها بأعماق البحر قبالة الساحل الشرقي، ووجد العلماء أن تلك الكارثة الدراماتيكية تسببت في غرق ما يزيد عن 50 فداناً، ووجد الغواصون طرقاً وآثارًا بينها خزانات ملابس وتماثيل، وأظهرت الأبحاث أن المدينة كانت المنتج الرئيسي للثوم في العصر الروماني.

وقد ظهر أن الزلزال نفسه كان السبب بتبعات مدمرة وصلت لجزيرة كريت و لمدينة الإسكندرية المصرية.

 

4- عندما عثر العلماء على مستوطنة بشمال شرق الصين، عمرها يزيد عن 5000 عام، وجدوا مشهدا بغاية القتامة، فقد كانت القرية تحتوي على الكثير من الأكواخ، لكن واحدا من تلك الأكواخ وجدوه يحتوي على ما يزيد عن 97 هيكلا عظمياً، والواضح أنهم ماتوا بسرعة لم يتمكن أهل القرية من دفنهم بسببها، وقد ماتوا جميعاً ثم قام أهل القرية بحرق جثثهم، الموقع يسمى هامين مانجا، والبقايا كلها كانت متفحمة، وقد تشابهت تلك المقبرة الجماعية مع واحدة أخرى في مياوزيجو التي تقع أيضاً بشمال شرق الصين وكان معظم ضحاياها من الشباب، وسبب موتهم ظل لغزاً حتى الآن مثلها مثل الحالة الأولى، لكن علماء الآثار يشكون أن السبب كان أحد الأمراض القاتلة التي اندلعت بالقريتين.

 

5 – بجزيرة كريت وجد علماء الآثار بقايا عائلة شابة أسموها ( عائلة إليوثيرنا ) وهي مدينة دمرت من قِبل نفس الزلزال الذي دمر نيابوليس، وكان منزل تلك العائلة بمنتهى الفخامة، يحتوي العديد من الغرف، بما في ذلك قاعة للطعام وقبة، كما تم العثور على قطع أثاث ومجوهرات ولوحات من العاج، والواضح أن العائلة المكونة من ثلاثة أشخاص رجلان وامرأة حاولوا الفرار من المنزل أثناء حدوث الكارثة.

 

6 – قبل 4000 عام تسبب زلزال بانهيارات طينية تسببت بقتل الكثير من سكان قرية لاجيا بالقرب من النهر الأصفر بالصين، وتسبب الزلزال بدفن العديد من الأسر، وقد وجد العلماء امرأة تحمل طفلها مدفونة تحت الأنقاض، وكانت هذه هي الصورة التي استولت على اهتمام وسائل الإعلام حول العالم، رغم أن اختبار الحمض النووي أظهر أن المرأة ليست أم الطفل.