كتبه – منذر العلي
“عمري ما هبيع ليكم الوهم”.. بهذه الكلمات أراد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طمأنة المصريين في ظل الاتهامات التي تلاحقه دومًا، بالإعلان عن مشروعات وهمية لا يجني الشعب منها شيئًا.
هذا التصريح يرجع إلى يوليو الماضي، بينما كان السيسي يتحدث في إحدى جلسات مؤتمر الشباب الرابع بالإسكندرية، إلا أنه وبعد نحو 4 أشهر ثمة ما يعيده إلى الأذهان.
قبل يومين، وافقت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، على مشروع قانون قدمته الحكومة بشأن إنشاء أول وكالة فضاء مصرية.
ويهدف القانون، بحسب بعض ملامحه التي نشرتها تقارير إعلامية، إلى “نقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء، لامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية من الأراضي المصرية”.
فهل يدخل مشروع وكالة الفضاء ضمن زمرة المشاريع التي يتهم فيها السيسي ببيع الوهم للمصريين؟ ولماذا؟
من أين سيمولها؟
اللافت والمثير للسخرية أيضًا، أنه ووفقًا للمادة الرابعة من ملامح القانون سالفة الذكر، فإن موارد ومصادر تمويل الوكالة يتصدرها كل من: الاعتمادات التي تخصصها لها الدولة، والقروض والمنح التي تعقد لصالح الوكالة من خلال الأجهزة المعنية بالدولة.
ويبدو أن الحكومة لم تكن تعي ما تقول أثناء إعداد مشروع القانون، حيث ترزح مصر تحت ظلال كثيفة من الأرقام والإحصاءات السلبية بشأن أزمة اقتصادية طاحنة.
فبحسب بيانات بنك كريدي سويس المتخصص في تقدير الثروات، فإن مصر وُصفت بالدولة الأكثر تدميرًا للطبقة المتوسطة على مستوى العالم منذ بداية الألفية وحتى 2016.
ارتفاع الأسعار فى مصر
وفي أبريل الماضي، كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم في البلاد سجل أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، مرتفعًا أكثر من 32%، وهو ما يعادل 3 أضعاف المعدل الذي كان عليه قبيل ثورة 25 يناير 2011.
وفي سبتمبر أعلن البنك المركزي ارتفاع حجم الدين الخارجي، بنهاية العام المالي المنتهي في يونيو 2017 بمقدار 23.2 مليار دولار بمعدل 41.6%، بعد أن زاد في نهاية يونيو 2016، بمقدار 7.7 مليار دولار بمعدل 16% ليصل إلى 55.8 مليار دولار.
أما الدين العام المحلي فقد وصل لأرقام قياسية، وفق بيانات البنك، حيث ارتفع مسجلًا 3.16 تريليون جنيه بنسبة 91.1% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية يونيو الماضي، بعد أن كان 2.61 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2016.
تلك الأزمة الاقتصادية لم تخفِها الدولة، بل انعكست على تصريحات السيسي نفسه في مؤتمر صحفي عالمي بجوار نظيره الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أكتوبر الماضي، ورباعيته الشهيرة: “معندناش تعليم جيد.. معندناش علاج جيد.. معندناش توظيف.. معندناش إسكان”.
السيسي وماكرون
فكيف لدولة لا تمتلك تلك المقومات الأساسية اللازمة لشعبها، بسبب أزمتها الاقتصادية، أن تبحث عن إنشاء مشروع بمثل تلك الضخامة؟.
مسألة التمويل في حد ذاتها، بعد الاطلاع على تلك الأرقام والتقارير الرسمية التي تكشف عمق الأزمة الاقتصادية، كفيلة بأن يصنف مشروع وكالة الفضاء ضمن اللفظ الدارج لدى المصريين عند وصم أي شيء بالوهمي وهو “الفنكوش”.
ليس أول الوهم!
الحديث عن مشروع إنشاء وكالة فضاء مصرية، وفق المعطيات السابقة، يعد حلقة في سلسلة من المشروعات الضخمة التي تروج لها أجهزة الدولة كمشروعات قومية واعدة، وتحظى بعناية فائقة من وسائل الإعلام الموالية للنظام، لكنها في نهاية المطاف وبالأرقام الرسمية ليست سوى مشروعات وهمية.
وفق إحصاءات رسمية، وفي عام 2016 بأكمله، تراجعت إيرادات قناة السويس 3.3 % إلى 5 مليار دولار مقابل 5.175 مليار في 2015، رغم إنفاق أكثر من 8 مليارات جنيه على مشروع التفريعة الجديدة للقناة والحفل الأسطوري لافتتاحها، ووعود الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة أن تصل أرباح القناة الجديدة إلى 100 مليار دولار سنويا.
قناة السويس الجديدة
وكنموذج حديث، على سبيل المثال لا الحصر، أظهرت البيانات الرسمية، انخفاض إيرادات مصر من القناة إلى 459.8 مليون دولار في أغسطس الماضي، من أصل 470.6 مليون في أغسطس السابق له (2016).
العاصمة الإدارية الجديدة “مفخرة” السيسي ونظامه، التي أكد أن ميزانية الدولة لا تتحمل إنشاءها تبدو في مقدمة ما يمكن أن يضمه كشف حساب الرئيس.
هذه العاصمة لم ير المصريون منها سوى الافتتاح الصاخب لفندق الماسة كابيتال التابع للقوات المسلحة بالتزامن مع ذكرى انتصارات حرب أكتوبر قبل شهر.
الماسة كابيتال بالعاصمة الجديدة
اللافت أن هذا الافتتاح حاول النظام به التغطية على “عورات” المشروع، ففي فبراير الماضي، انسحبت شركة صينية من المشروع بسبب تعذر التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن سعر بناء المنشآت الحكومية في العاصمة، لتلحق بشركة “كابيتال سيتي بارتنرز” الإماراتية.
ويظل المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس 2015 بشرم الشيخ، شاهدًا على كشف إنتاج مؤكد أنه لن يسر السيسي، حيث أعلنت الحكومة رسميا عن 37 مشروعًا بقيمة 40 مليار دولار، بينما روجت صحف السلطة أن المؤتمر سيحقق مكاسب لمصر تقدر بـ 182 مليار دولار.
إلا أن نفس الصحف عادت بعدها بنحو شهرين ونصف، للحديث عن 9 أسباب أدت إلى فشل تنفيذ مشروعات المؤتمر الاقتصادي.
السيسيى بالمؤتمر الاقتصادي
وعلى مدار أكثر من عامين احتفل الإعلام المصري بمشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، لكن المفاجأة كانت في إعلان توقف المشروع أواخر 2016 لعدم توافر المياه الكافية له، رغم الدراسات المتعمقة من قبل الحكومة.
تقارير إعلامية، نقلت على لسان الدكتور سامح صقر رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، أن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26 % فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان، الأمر الذي انعكس على انسحاب بعض المستثمرين المشاركين في المشروع.
سر “إدمان الوهم”
ولعل هذا الواقع يدفع بجدية إلى التساؤل حول حقيقة السر وراء ما يمكن أن نسميه إدمانًا من قبل السيسي ونظامه على بيع الوهم للمصريين؟.
التفسير الأول، ربما يكمن في أن مشروع وكالة الفضاء كغيره من المشروعات الضخمة بمثابة “تستيف” أوراق وملء خانات سوف تتضمنها بلاشك قائمة الإنجازات المرتقبة التي يستعد السيسي وضعها بكشف حساب أعلن أكثر من مرة نيته لعرضه على الشعب.
وتزامنًا مع الجدل المتصاعد الذي تثيره حملة “علشان تبنيها” الداعية إلى بقاء السيسي رئيسًا لفترة ثانية في انتخابات 2018، فإن التعلل بضرورة البقاء كرئيس حتى يستكمل تلك المشروعات تبقى واردة.
حملة عشان تبنيها
لكن ثمة غرض آخر غير سياسي، وهو الحصول على ما تبقى من أموال المصريين ومدخراتهم تحت شعار المشاركة في تنمية البلد، على غرار شهادات استثمار قناة السويس الجديدة، وصندوق “تحيا مصر” الذي تحول من تبرع اختياري إلى جابية إجبارية في جميع المصالح والهيئات الحكومية.
اضف تعليقا