العدسة – بسام الظاهر
لم يستفد النظام المصري ببثّ لقاء الإعلامي عماد الدين أديب مع الشاب الليبي الذي تمّ القبض عليه ضمن خلية اشتباكات الواحات خلال عملية تحرير ضابط الشرطة المختطف محمد الحايس.
خرج الحوار باهتًا لم يقدِّم أي جديد لا على مستوى المعلومات أو كشف غموض ما يحدث في المنطقة الغربية، وطبيعة الحركات المسلحة في ليبيا والتي تضم مصريين.
وتعرَّض الحوار لحملة هجوم عنيفة من قِبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من بينهم إعلاميون وكتاب ومتخصصون في الحركات الإسلامية.
وكان السؤال الأبرز هو: لماذا أجرى الحوار من الأساس؟ وإلى ماذا كان يهدف؟
لقاء غريب
قبل الإجابة على السؤال السابق لا بدَّ من الوقوف أمام فكرة الحوار من الأساس؛ ففي الوقت الذي لا تسمح السلطات المصرية بإدلاء المتهمين في قضايا مماثلة بإلقاء أي تصريحات، ظهر عبد الرحيم المسماري في لقاء خاصّ مع أديب على شاشة قناة “الحياة الفضائية”.
ويملك قناة الحياة شركة “فالكون جروب” والتي تعدّ أحد أذرع النظام الحالي في السيطرة على الإعلام المصري، وتعتبر بشكلٍ أساسيٍّ وجه المخابرات العامة المصرية.
وكشفت الكاتبة الصحفية في “المصري اليوم” غادة شريف، عن تفاصيل هذه العلاقة بين “فالكون” والمخابرات، خلال تقدم الأولى بعرض لها لتقديم أحد البرامج بعد شراء القناة من رئيس حزب الوفد السيد البدوي.
وقالت شريف في تدوينة سابقة على حسابها عبر موقع “فيسبوك”، إنها تلقت دعوة للقاء في مقر المخابرات العامة بعد رفض عرض “فالكون”، وجددت رفضها مرة أخرى.
إذن فإنَّ القناة التي أذاعت اللقاء ترتبط بشكل أساسي بجهاز المخابرات العامة، وتمّ اختيار أديب لهذا اللقاء لقربه من النظام الحالي والجهاز، دون غيره من الإعلاميين المقربين من جهات سيادية في الدولة.
ويكشف اختيار أديب مدى اقترابه من دوائر اتخاذ القرار والمسؤولين في جهات سيادية، خاصة وأنَّه خرج بتصريح غريب عن عدم رغبة السيسي في تعديل الدستور.
أديب قال: “أقسم بالله العظيم السيسي ضد تعديل الدستور.. على مسؤوليتي”، وهذا القسم يكشف جزءًا من علاقته إما بالرئيس المصري شخصيًا وربما كان هناك لقاء غير معلن، أو أنَّه على تواصل مع مقربين منه، أو مع جهات سيادية في الدولة.
وهنا فإنَّ اللقاء تمّ إما بطلب من أديب أو بناء على قرار من جهات سيادية فوقع الاختيار على هذا الإعلامي دون غيره.
أثناء محاورة “عماد الدين أديب” لــ “عبد الرحيم المسماري”
رسائل معينة
يبدو أنَّ الحوار التلفزيوني مع المسماري، كان له أهداف معينة غير فكرة مجرد “تلميع” أديب باعتباره أحد رجالات النظام الحالي.
ومن خلال متابعة ما جاء في الحوار، فإنَّ التركيز كان بالأساس على فكرة أنَّ المتهم ليبي الجنسية، قادم من مدينة درنة، وهنا فإنَّ الرسالة الأساسية هى “تلميع” السيسي نفسه.
وأقدم السيسي على قصف مدينة درنة مرتين خلال عام 2015 والعام الجاري، وكان بسبب عمليات مسلحة مرتبطة بمصر، وكانت اتهامات الرئيس المصري للمسلحين في هذه المدينة.
المرة الأولى التي أمر السيسي بقصف درنة بعد ذبح 21 مسيحيًا في 2015 على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولكن القصف خلَّف ضحايا مدنيين.
أمام المرة الثانية فكانت خلال شهر مايو الماضي، بعد استهداف مجموعة تابعة لـ”الدولة الإسلامية” حافلة تقل مسيحيين في محافظة المنيا مايو الماضي.
وبدا أنَّ الهدف الأساسي من الحوار، وهو إثبات صحة ما قاله السيسي في أكثر من مناسبة حيال الأوضاع في ليبيا، وتأثيراتها على الاستقرار في مصر، لناحية تسلل عناصر مسلحة قادمة من درنة.
وكشف النظام الحالي لأوَّل مرة عن المسماري، عبر السيسي، وقال خلال أحد جلسات منتدى الشباب في شرم الشيخ، إن قوات الأمن استطاعت تصفية الخلية الإرهابية التي نفذت حادث الواحات في 21 أكتوبر الماضي بشكل كامل، باستثناء شخص واحد من الجناة تم القبض عليه وهو من جنسية أجنبية.
والرسالة الثانية وترتبط بطبيعة الأوضاع في ليبيا، تتعلق بإظهار صحة كلام السيسي للمجتمع الدولي والأطراف داخل ليبيا، والتي اعترضت على قصف درنة.
وهى محاولة لتحريض المجتمع الدولي وإقناعة بضرورة التدخل بعملية عسكرية أو على الأقل دعم قوات حفتر لطرد المجموعات المسلحة من درنة المحاصرة بالأساس، دون تمكن قوات ما يعرف بـ “الجيش الوطني الليبي” باقتحامها.
ويحاول السيسي بشتى الطرق دفع القوى الكبرى لدعم خليفة حفتر بشكل أساسي ليس فقط عسكريًا، ولكن أيضًا سياسيًا لكي يتمكن من السيطرة على الحكم.
صراع أجهزة
الحوار لم يقدم جديدًا من الناحية المعلوماتية عن تلك المعلومات المنشورة في الصحف والمواقع الإخبارية حول قائد المجموعة التي نفذت اشتباكات الواحات، والتي أعلن عن نفسها تحت اسم “أنصار الإسلام”.
وبحسب مراقبين، فإنَّ مستوى الحوار كان سيئًا للغاية، وأظهر ضعف أديب في محاورة المسماري، الذي بدأ أكثر صلابة وإيمانًا بأفكاره بشكل أساسي، مع عدم قدرة المحاور على تفنيد حديثه.
وهو ما خلّف موجة انتقادات عنيفة تجاه الحوار، الذي كان ينتظر أن يكون عبارة عن مواجهة لأفكار المتهم الليبي، لا فتح مجال واسع وباهتمام بالغ للتعبير عن أفكاره.
ولكن جزءًا من هذا الهجوم والانتقادات كان نابعًا من إعلاميين في قنوات فضائية منافسة لـ”الحياة”، ليس فقط لناحية ضعف الحوار، ولكن لأسباب أخرى تتعلق بالتنافسية بين الجهات السيادية والأمنية في الدولة.
وقال رامي رضوان، مقدم أحد البرامج على قناة “دي إم سي”، “سؤال يكرره البعض.. ولهم الحق في طرحه.. اسمحوا لي أن أرد عليه ونتناقش حوله.. ليه يتم محاورة إرهابي أصلًا؟.. وجهة نظري المتواضعة أن حوارًا من هذا النوع، وفي هذا التوقيت مهم إذا كانت أهدافه محددة، وهناك فكرة وأهداف من ورائه وليس فقط الشو”.
” رامي رضوان “
هذا الهجوم من رضوان وغيره من الإعلاميين، يعبر عن وجود حالة من الصراع بين أجهزة وجهات أمنية وسيادية في الدولة، قناة “الحياة” كما أشرنا مملوكة للمخابرات العامة عبر شركة “فالكون”، أمام قناة “دي إم سي” والتي يعمل فيها رضوان تابعة للمخابرات الحربية، وهو أمر معروف في الأوساط الإعلامية والصحفية المصرية.
وبدا أنَّ هذا الهجوم يعبر عن حالة غضب من المخابرات الحربية ضد العامة، خاصة وأن الجيش هو من قبض على المتهم الليبي وهو من له أحقية في بثّ هذا الحوار، ولكن يبدو أنَّ المسماري تم تسليمه إلى المخابرات العامة في النهاية لتوافق على إجراء هذا الحوار.
اضف تعليقا