لا يبالغ المحللون حين يقولون إن الخلاف الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد وصل إلى مرحلة من التعقيد غير مسبوق، في إشارة واضحة إلى تدهور العلاقات بين البلدين بصورة لم يعد لها مكان في الخفاء.
الخلاف حول مسألة إنتاج النفط كان السبب الرئيس في تفاقم الانقسام بين الجانبين الذين كانا لفترة قريبة يشكلان تحالفًا قويًا امتد لعقود: من جهة توفر الولايات المتحدة الأسلحة والأمن للسعودية، وفي المقابل في المقابل شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في منطقة مضطربة يوفر لها النفط كيفما تريد.
في تصريح خاص لـ “إنسايدر”، قال الخبر الاستراتيجي جورجيو كافيرو – الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics-” إن التغيير الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعتمد على ازدراء الولايات المتحدة في محاولة لرسم مسار أكثر استقلالية”، مضيفًا “مع وجود محمد بن سلمان على رأس السلطة، فإن المملكة العربية السعودية لن تتراجع عن السعي لتأكيد استقلاليتها عن الولايات المتحدة”.
وتابع “القيادة في الرياض ترسل العديد من الإشارات إلى واشنطن بأن المملكة ستتابع مصالحها الوطنية من وجهة نظر المسؤولين السعوديين، بما في ذلك تعميق التعاون مع بكين وموسكو”.
التقارب بين موسكو فجر الخلاف بين الجانب السعودي والأمريكي، إذ كان السبب في أن تعلن السعودية عن خفض إنتاج النفط كما تريد روسيا، في رفض واضح لطلبات جو بايدن الذي سافر خصيصًا للرياض من أجل الوصول لحل يساهم في انخفاض الأسعار التي من شأنها أن تساعد في السيطرة على التضخم الأمريكي وحرمان روسيا من الإيرادات.
وفقًا لتقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز، اعتقد المسؤولون الأمريكيون بعد زيارة بايدن أنهم توصلوا إلى صفقة مع المملكة العربية السعودية، لكنهم أصيبوا بالصدمة عندما انهارت خطتهم بعد قرار بن سلمان بخفض الإنتاج، القرار الذي ساهم في إذلال جو بايدن وهدم كل خططه لبناء تحالف دولي ضد روسيا وبناء جسور مع السعوديين.
خاطر جو بايدن بغضب مسؤولين في حزبه عارضوا زيارته لولي العهد السعودي في جدة في يوليو/تموز، متراجعًا بشكل مهين عن تعهداته إبان حملته الانتخابية بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة”.
كتب الدبلوماسي الأمريكي السابق آرون ديفيد ميللر في فورين بوليسي عن قرار خفض إنتاج النفط: “لنكن واضحين: لقد اُتخذت الخطوة السعودية مع إدراك كامل بأنها ستقوض موقف بايدن السياسي في الداخل والخارج”، وأشار إلى أنها جاءت قبيل انتخابات التجديد النصفي، حيث يتعرض المرشحون الديمقراطيون لانتقادات الجمهوريين بسبب التضخم.
على الجانب الآخر، ال المحلل كافييرو إن ولي العهد محمد بن سلمان يرى أن الاقتراب من روسيا والصين سيضمن المزيد من “النفوذ” على الصعيد الدولي، مضيفًا أن ولي العهد يتشابه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنون العظمة، وسحق المعارضة الداخلية بشراسة، وكلاهما “سلطوي حتى النخاع”.
وحسب التقارير، ليست الحسابات الجيوسياسية فقط هي التي تفرق بين الأمريكيين والسعوديين، ولكن الكراهية الشخصية بين بايدن وبن سلمان، إذ أن بن سلمان وفي أكثر من مناسبة ألمح بصورة مباشرة وغير مباشرة أنه يفضل ترامب.
في تقرير نُشر في وقت سابق من هذا الأسبوع في وول ستريت جورنال، كُشف عن أن “بن يسخر من الرئيس بايدن باستمرار، ويستهزئ من زلاته ويشكك في قواه العقلية، ويؤكد تفضيله التعامل مع دونالد ترامب”.
من جانبه، اتخذ بايدن موقفًا ضد اغتيال المعارض السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل ثم قطعت أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 على يد عملاء مقربين من محمد بن سلمان، وهي عملية قالت المخابرات الأمريكية إنها صدرت بأمر مباشر من ولي العهد السعودي شخصيًا.
أثناء حملته الانتخابية عام 2020، تعهد بايدن بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” بسبب اغتيال خاشقجي، وهو الخطاب الذي أكسبه شعبية كبيرة في الأوساط الديموقراطية، وتسبب كذلك في غضب الرياض التي ظلت على خلاف معه حتى الوقت الراهن.
وقال كافييرو: “بن سلمان وآخرون في السعودية تعرضوا لقدر هائل من الإهانة بعد هذا الخطاب… هذه المشاعر السلبية التي بثها بايدن تجاههم ساهمت في تشكيل وجهة نظر المسؤولين السعوديين بشأن حقبة بايدن”.
وأضاف كافييرو أن ولي العهد لم يفعل الكثير لإخفاء أنه يفضل أن يكون الرئيس السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض، ويقدر أن ولي العهد يفضل أسلوبه في التعامل، بل مول صندوق الثروة السيادي السعودي مؤخرًا بطولة جولف رفيعة المستوى في منتجعات ترامب، الذي بدوره حضر الفعاليات وبدا متحمسًا لإقامة هذه البطولة.
دونالد ترامب لم يكن من قادة الدول الذين هاجموا محمد بن سلمان على اغتيال خاشقجي، بل دافع عنه بشراسة واستخدم حق الفيتو لعرقلة أي محاولات للكونجرس لتعريض بن سلمان للمساءلة.
كما أن موقفه المتشدد ضد إيران، العدو الإقليمي الرئيسي للسعودية، يتماشى أيضًا مع المصالح السعودية، على عكس سياسة بايدن الساعية إلى إحياء الاتفاق النووي الذي أبرمه البيت الأبيض في عهد أوباما مع إيران.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا