في وقت سابق من هذا الأسبوع أبلغت إدارة بايدن محكمة جزئية في الولايات المتحدة أنه يجب منح محمد بن سلمان حصانة سيادية في قضية مدنية تتعلق بقتل الصحفي جمال خاشقجي، مما ينهي فعليًا آخر محاولات محاسبة ولي العهد السعودي قانونيًا عن جريمة القتل الواقعة في 2018.

في وثيقة صدرت في وقت متأخر من ليلة الخميس، قالت إدارة بايدن إن ترقية ولي العهد الأخيرة لمنصب رئيس الوزراء تعني أنه “رئيس الحكومة الحالي، وبالتالي فهو محصن من الدعوى القضائية”.

وقالت وزارة العدل في الوثيقة: “لقد أعربت حكومة الولايات المتحدة عن قلقها البالغ بشأن مقتل جمال خاشقجي المروع وأثارت هذه المخاوف علنًا ومع أعلى المستويات في الحكومة السعودية”، مضيفة أن الولايات المتحدة فرضت أيضًا عقوبات مالية وعلقت منح التأشيرة لعدد من الشخصيات المتورطين في الجريمة.

وتابعت الوثيقة “ومع ذلك فإن مبدأ حصانة رئيس الدولة راسخ في القانون الدولي العرفي وقد اعترف به باستمرار في ممارسات السلطة التنفيذية الطويلة الأمد باعتباره تحديدًا يستند إلى الحالة ولا يعكس حكمًا على السلوك الأساسي محل الخلاف في التقاضي”.

تضمن ملف الحكومة ملفًا مرفقًا من ريتشارد فيسك، المستشار القانوني بالنيابة لوزارة الخارجية الأمريكية، يطلب من وزارة العدل تقديم “منح الحصانة” إلى المحكمة.

يقول خبراء قانونيون إن موقف الحكومة الأمريكية، الذي قُدم إلى محكمة جزئية أمريكية، من المرجح أن يؤدي بالقاضي جون بيتس إلى رفض الدعوى المدنية المرفوعة ضد الأمير محمد وشركائه المزعومين من قبل خطيبة خاشقجي الصريحة.

القضية المُشار إليها رُفعت من قبل مجموعة DAWN وهي مجموعة مناصرة للديمقراطية أسسها كاتب العمود المقتول في صحيفة واشنطن بوست بالتعاون مع خطيبته التركية خديجة جنكيز إذ اتهموا محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين بالاشتراك في “مؤامرة ومع سبق الإصرار” باختطاف جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 وتخديره وتعذيبه من قبل عملاء تابعين للأمير، والذين بدورهم قتلوه وأخفوا أشلائه.

من جانبها، أصدرت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لـ DAWN، بيان إدانة شديد اللهجة لقرار الإدارة الأمريكية واصفة إياه بأنه “لم يكن ضروريًا وكان من الممكن تجنبه… لن يؤدي إلا إلى تقويض أهم إجراء للمساءلة عن جريمة قتل خاشقجي البشعة”.

وتابعت “من المفارقة أن الرئيس بايدن هو الذي ضمن أن محمد بن سلمان يمكنه الإفلات من المساءلة، وهو نفسه الذي حين كان مرشحًا رئاسيًا وعد الشعب الأمريكي بأنه سيفعل كل شيء لمحاسبته”، ولفتت أن “حتى إدارة ترامب لم تفعل ما فعله بايدن”.

في يونيو/حزيران، طلب القاضي الأمريكي جون بيتس من إدارة بايدن إبداء رأيها فيما إذا كانت تعتقد أنه يجب منح الأمير محمد حصانة سيادية في هذه قضية قتل خاشقجي، ووافق على منح الحكومة الأمريكية تمديدين قبل أن تحديد موعد 17 نوفمبر/تشرين الثاني لإبداء الرأي النهائي.

قال مراقب قانوني مطلع على تفاصيل القضية إنه كان من المفهوم دائمًا أنه على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة ليست طرفًا في الدعوى المدنية، فإن وجهات نظرها ستكون حاسمة، وأن القاضي في هذه المسألة من المرجح جدًا أن يمضي في القضية أو رفضها اعتمادًا على موقف الحكومة الأمريكية.

من المرجح أن يواجه قرار إدارة بايدن – الذي سيقضي فعليًا على أمل جنكيز الأخير في العدالة – انتقادات شديدة من المشرعين الديمقراطيين في الكابيتول هيل، الذين ضغطوا على الإدارة لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد شريكها في الشرق الأوسط، وقال أحد المحامين المطلعين القضية إن القرار “كارثي بالنسبة للمحاسبة وحقوق الإنسان والإفلات من العقاب”.

يوضح القرار القانوني أيضًا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تخلى تمامًا عن وعد حملته الانتخابية بمحاسبة الأمير محمد على مقتل خاشقجي.

يثير هذا تساؤلات حول تصريحات بايدن العلنية الشهر الماضي، والتي قال فيها إن المملكة العربية السعودية ستواجه “عواقب” لقيادة قرار أوبك + لخفض إنتاج النفط، وهي الخطوة التي اعتبرتها الإدارة الأمريكية انحيازًا لروسيا فيما يتعلق بمصالح الحلفاء الأمريكيين.

قال أشخاص مطلعون على الأمر إن القرار تم التوصل إليه بعد “نقاش كبير” على أعلى المستويات في البيت الأبيض، حيث قال بعض كبار المسؤولين الأمريكيين إنه سيكون من الصعب الدفاع عن ادعاء إدارة بايدن بأن حقوق الإنسان هي محور سياستها الخارجية بينما تسمح في الوقت نفسه لـ “محمد بن سلمان” بالتنصل من المساءلة عن دوره المزعوم في جريمة القتل.

من جانبهم، قال محامو جنكيز إنها لجأت إلى المحاكم الأمريكية للحصول على المساعدة لأنه لا يوجد ملاذ آخر – بما في ذلك بلدها الأم تركيا – لديه سلطة قضائية مستقلة بما يكفي للفصل في شكواها بإنصاف.

كان من الواضح أنه منذ يونيو/حزيران أن مستقبل القضية يتوقف على مسألة ما إذا كان الأمير محمد – الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الحاكم الفعلي للسعودية – في نظر الحكومة الأمريكية – يُعتبر زعيم البلاد مثل الرئيس أو الملك، وذلك لأنه في معظم الأحيان تعتبر القضايا السيادية محصنة ضد الدعاوى القضائية الأمريكية.

عندما دخل بايدن البيت الأبيض لأول مرة، رفض التعامل مع الأمير محمد بشكل مباشر، وتحججت سكرتارية البيت الأبيض حينها بأن محمد بن سلمان لا يعتبر النظير الرسمي لبايدن وإنما والده الملك سلمان.

في الوقت نفسه، أصدرت وكالات المخابرات الأمريكية تقريرًا رفعت عنه السرية قال إن محمد بن سلمان قد أمر على الأرجح بقتل خاشقجي، لكن موقف بايدن تغير في الصيف الماضي، حين زار جدة والتقى ولي العهد وصافحه بحرارة وبصورة ودية بقبضة يده.

تعقدت الأمور فيما يتعلق بقضية خديجة جنكيز في سبتمبر/أيلول 2022 حين أعلن الملك سلمان أن الأمير محمد سيتم ترقيته إلى منصب رئيس الوزراء قبل أيام فقط من موعد مناقشة القضية، وهو قرار اعتبره المدافعون عن حقوق الإنسان حيلة لتجنب المساءلة عن مقتل خاشقجي.

في حال لم يؤثر رأي الإدارة الأمريكية على القاضي -وهو أمر غير مرجح- وتابع القضية فستكون فرصة لجنكيز ومن معها بالسعي نحو تنحية محمد بن سلمان الذي إذا خسر القضية فسيتحمل دفع تعويضات هائلة ربما تكلفه ثروته في الخارج.

قال بروس ريدل، محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وزميل في معهد بروكينغز “إذا تمكنا من محاسبته وإجباره على دفع الغرامة سيكون الأمر مهينًا وسيعني فعليًا أنه لن يتمكن من السفر إلى الولايات المتحدة مرة أخرى”، “لكن من غير المحتمل أن يحدث هذا الآن… المنبوذ الآن فوق القانون”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا