كتبه- منذر العلي
يبدو أن الأزمة اللبنانية واستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، ستكون محطة مصر القادمة في رحلتها المضنية للبحث عن دور وسط إقليم مضطرب، تمزقه الأزمات الطاحنة.
حيث أعلن المكتب الإعلامي للحريري، أنه سيزور مصر الثلاثاء 21 نوفمبر الجاري، حيث يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تأتي تطورات الأزمة، في خضم أدوار مصرية أو ما يمكن أن نسميه تدخلات في قضايا أخرى حساسة بالمنطقة، نجحت في بعضها، وتأمل أن يحالفها التوفيق في الأخرى.
لا للحرب.. والحريري محتجز
مؤخرًا كان الموقف المصري الرسمي من الأزمة اللبنانية التي أفرزتها استقالة الحريري، وعبر عنه السيسي مخالفًا لكل التوقعات، حيث جاء معاكسًا لموقف السعودية محركة الأزمة بالأساس.
وقبل أسبوع أعلن السيسي أن مصر “لا تنظر في اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله اللبناني”، كما أعرب خلال لقاء برئيس البرلمان اللبناني “نبيه بري” عن مخاوفه من وضع الحريري قيد الإقامة الجبرية في الرياض.
جاءت التصريحات على الرغم من دعوات السعودية إلى فرض عقوبات ضد الحزب، وسط اتهامات بابتلاع لبنان والسيطرة عليه بالسلاح، لا يزال صداها يتردد وتطور إلى حد المطالبة بنزعه.
السيسي قال أيضًا عن الاضطراب الحادث في المنطقة: “لابد أن يتم التعامل معه بحذر شديد حتى لا تضاف تحديات أخرى بالمنطقة، سواء فيما يتعلق بإيران أو حزب الله”، في موقف يعبر ضمنيًا عن رفض القاهرة لأي حرب تنوي المملكة شنها ضد حزب الله أو إيران.
السيسي
ليبيا وتغيير الوضع
الدور المصري من الأزمة اللبنانية تزامن مع دور آخر في الأزمة الليبية، أعقب القبض على الليبي عبد الرحمن المسماري المتهم بالضلوع في هجوم الواحات الذي أودى بالعشرات من ضباط الشرطة أكتوبر الماضي.
هذا الدور عبر عنه تصريح لوزير الخارجية سامح شكري قال فيه: إن مصر “تعمل على تنشيط المستوى الأمني والعسكري لتأمين أرضها، ولكن تسعى أيضًا لتوحيد الجيش الليبي، وتغيير الوضع الحالي في ليبيا”.
ربما توحي هذه العبارة الأخيرة “تغيير الوضع الحالي في ليبيا” بدور أكبر من مجرد الدعم العسكري، قد يصل إلى شن حرب حقيقية تقضي فيها مصر على ما ترى أنه مصدر تهديد قوي لها على الحدود الغربية، وتثبت أركان حليفها الجنرال خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق.
ففي سبتمبر الماضي، أعلن المتحدث العسكري للقوات المسلحة العقيد تامر الرفاعي، أن مصر سوف تقوم بمهمة إعادة تنظيم الجيش الليبي (قوات حفتر) بناء على طلب حفتر، وذلك من أجل “إنهاء حالة الانقسام وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية”.
جاء ذلك بعد نحو شهر من افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية، قرب الحدود الغربية لمصر مع ليبيا، والتي ينتظر وفق تقارير ليبية، “أن يكون لها دور بارز في العمليات العسكرية في ليبيا على صعيد توفير التدريب والخطط العسكرية واللوجستية لقوات حفتر.
حفتر
المصالحة الفلسطينية
في 12 أكتوبر الماضي، شهد مقر المخابرات العامة المصرية في القاهرة لحظة تاريخية، وقَّعت خلالها حركتا فتح وحماس اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، تتويجًا لجهود مصرية على مدار أشهر.
منفردة لعبت مصر الدور الرئيسي- بل والأوحد- في الوصول لتلك اللحظة، مستثمرة ما يربطها بالقضية الفلسطينية جغرافيا وتاريخيا وسياسيا، بعد اتهامات لاحقتها بالانحياز لطرف دون آخر.
وأعربت مصر عن إصرارها على إتمام المصالحة وفق تصريحات الوزير خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة، لدى وصوله إلى غزة في 3 أكتوبر الماضي، لحضور أول اجتماع لحكومة الوفاق في القطاع.
لم تكتف القاهرة باتفاق المصالحة الموصوف بـ”التاريخي”، بل تقود الجهود أيضًا لإنجاز صفقة أسرى ربما تكون تاريخية بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما كشفه يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة.
المصالحة الفلسطينية
صحوة متأخرة أم أغراض أخرى؟
من خلال الملفات السابقة، التي بدت مصر أنها تلقي فيها بثقلها السياسي والدبلوماسي والعسكري أيضًا، تظهر أغراض عدة قد تفسر هذا التوجه.
ولعل الرسالة الأبرز التي تحاول “مصر السيسي” إيصالها للجميع، مفادها أنها موجودة ومتأهبة لاستعادة زمام المبادرة وقيادة المشهد في المنطقة العربية، بعد تراجع لسنوات أعقبت ثورة 25 يناير 2011.
كاللاعب المحوري المصاب، الذي بدأ لتوه يتعافى ويستعد لنزول أرض الملعب أقوى من ذي قبل، تبدو القاهرة.
على النقيض، فإن مجرد الاستغلال الإعلامي لتلك الأزمات من جانب مصر، قد يكون غرض السيسي الذي يبحث حوله عن نقاط قوة تضاف إلى رصيده مع قرب انتخابات الرئاسة المقبلة.
فمصر تمر بمرحلة فارقة، حيث لم يتبق إلا أشهر معدودة على انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة مارس 2018، والتي بات في حكم المؤكد أن السيسي سوف يترشح لها بعد تصريحاته في حوار مع شبكة “CNBC” الأمريكية.
وبطبيعة الحال فإن الأزمات يُنسِي بعضها بعضًا، والدخول كطرف فاعل في تفاصيل أزمة إقليمية ساخنة، قد يُبعد الضوء ويصرف الأنظار كثيرًا عن أزمات أخرى اتسم خلالها الأداء المصري بالفشل.
ولعل أزمة سد النهضة الإثيوبي أحدث تجليات فشل السياسة الخارجية المصرية، بعد أن وصلت إلى نفق مظلم باتت خيارات القاهرة في التعامل معه محدودة، بينما لم يتوقف الرئيس عن حديث “الحياة والموت”، وتحدث بلهجة طمأنة اعتبرت “استسلامية” واعتراف بالأمر الواقع إلى حد ما، رغم ما شابته من عبارات تهديد ضمني.
سد النهضة
بعيدًا عن هذا وذاك، قد يشكل الموقف المصري في الأزمة اللبنانية تحديدًا، ما يمكن أن نسميه مناورة، أو ابتزازًا للسعودية من أجل الحصول على مزيد من الدعم المالي والسياسي.
ولعل السيسي هنا يراهن على تعويل السعودية على الدور المصري الذي ترجوه في حسم المعركة لصالح معسكر الرياض، أو على الأقل حشد أكبر عدد من الدول العربية والإسلامية في صفها، على غرار تحالفها الذي يقاتل الحوثيين المدعومين إيرانيًّا في اليمن.
اضف تعليقا