العدسة – مؤيد كنعان

عندما تدور عجلة النفوذ بقوة دفع السلطة يصبح الطموح هو وقود الحركة، طموح إلى السيطرة بدون عوائق، ودائما في هذا الإطار ما تتوجه أنظار أصحاب السلطة إلى الإعلام ليكون هو الأداة لتحقيق تلك السيطرة.

ما سبق يبدو أن ولي العهد السعودي قرر تطبيقه لتأمين حلمه إلى ما هو أكبر من اعتلاء عرش المملكة، والربط بين عدد من الشواهد يوصل إلى تلك النتيجة، صحيح أن “بن سلمان” مهتم منذ سنوات بالنفوذ إلى تشابكات الآلة الإعلامية التي أسسها أمراء ورجال أعمال سعوديون، ومؤخرا التحق بهم الإماراتيون، والتي باتت تحكم الساحة الإعلامية بالعالم العربي حاليا، إلا أن الوضع حاليا يشير إلى أن ولي العهد يستعد لأن يكون إمبراطورا على تلك المملكة، وهو ما يحقق له الهدف الأكبر، وهو الزعامة الخليجية، ومن بعدها العربية.

الجيل الثاني

“بن سلمان” يبدو من الجيل الثاني لأمراء الخليج، والذين يستقبلون حياتهم بأريحية، بعدما تداعت أنظمة قومية وزعامات كانت تحول دون أن يكون الخليج قائدا للعرب، كان فقط الخليج بمثابة خزينة الأموال التي يطمح العرب في الاستفادة منها، أما الآن فالساحة خالية نحو “الزعامة” بمفهومها الحديث، ولم يعد هناك من يستطيع رفع وجهه أمام دول الخليج، بعد سقوط النظام العراقي، وضعف الأردني، وتشرذم السوري، وضياع الليبي.

وكانت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، وصفت في يناير 2016، “بن سلمان” بأنه “أخطر رجل في العالم، ولديه طموحات كبيرة، ويضع أعداءه في الداخل والخارج نصب عينيه، ويسعى لأن يكون القائد الأقوى في الشرق الأوسط”.

وأضافت: “بن سلمان على عجلة من أمره، كي يصبح القائد الأقوى في الشرق الأوسط”.

” محمد بن سلمان “

 إمبراطورية الإعلام

ومع الأنباء الواردة عن تسويات بمليارات الدولارات بين “بن سلمان” والأمراء ورجال الأعمال الموقوفين وغير الموقوفين مؤخرا في فندق الريتز كارلتون بالرياض، تحت الضرب والتعذيب والإهانة، كان مروان قريدي، خبير شؤون الإعلام العربي بكلية الإعلام والاتصال بجامعة “آنينبيرج” بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، يتساءل في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن أشياء أخرى يريدها ولي العهد السعودي من “أباطرة الإعلام” المحتجزين، وهم: الوليد بن طلال، إمبراطور مجموعة روتانا الإعلامية، والشريك العالمي في كيانات أخرى من بينها كيانات إعلامية، وصالح كامل، رئيس شبكة “إيه أر تي”، والوليد الإبراهيم، صاحب مجموعة “إم بي سي”.

ويرى “قريدي” أنه من خلال سجن هؤلاء الأباطرة في مجال الإعلام، يحصل ولي العهد على تفوق مالي على بعض أغنى الرجال في المملكة، ويعزز قبضته على قوة هائلة من قنوات الإعلام العربية، ويمهد لنفسه السيطرة على قطاع ترفيهي ناشئ يستعد للنمو بشكل متفجر في المستقبل القريب.

من المتوقع إذن- وفقا لتحليل “واشنطن بوست”- أن تتحول تلك الإمبراطوريات الإعلامية إلى أدوات طيِّعة لتحقيق تصعيد هادئ لـ “بن سلمان” إلى العرش السعودي، ومن ثم إلى الزعامة العربية، وسط أنواء وعواصف وأمواج خلفتها طريقته المتهورة في التصعيد وخلق الأزمات داخل المملكة وخارجها.

هل كان أصحاب تلك الإمبراطوريات متحفظين على هذا الأمر؟ مكتفين فقط بدعم “اعتيادي” للشاب الذي لا تتوقف طموحاته، ولا تنتهي مغامراته؟ من الواضح بالفعل أن “بن سلمان” يضغط لتحقيق ما هو أكبر، فمسيرة تلك الكيانات الإعلامية كانت خلال الشهور الماضية بالفعل داعمة لتوجهات “بن سلمان”.

ثمة وجهة نظر أخرى، تشير إلى أن انزعاجا تولد داخل “بن سلمان” من تعدد ولاءات تلك الكيانات، وإن كان هو أكبر أصحاب تلك الولاءات، لكن فكرة التعدد في حد ذاتها شديدة الخطورة على ولي العهد الذي شرع في السباحة عكس التيار بشراسة، لفرض نفسه ورؤيته وأسلوبه داخل السعودية وخارجها، والآن يريد “بن سلمان” سيطرة كاملة، لا شريك له فيها.

” الوليد بن طلال “

 

” صالح كامل “

 

” وليد الإبراهيم “

 جناحا “بن سلمان” في الإعلام

“حاضنة بن سلمان” للإعلام الرقمي” و “المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق”، هما جناحا ولي العهد للتحليق في سماء الإعلام.

تقع “حاضنة بن سلمان” في مدينة الرياض، على طريق الملك فهد بن عبد العزيز في مبنى مركز “الملك سلمان للشباب”، وتعمل على المساعدة في إطلاق شركات ناشئة متخصصة في الإعلام الرقمي، في المملكة والمنطقة عموما، وتوفير بيئة ملائمة وخدمات استشارية متخصصة لتحقيق نجاحها.

وتشجع الحاضنة المشروعات المتخصصة في: الإنتاج المرئي (الأفلام والأفلام القصيرة والرسوم المتحركة)، وإدارة قنوات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تطوير التطبيقات الإلكترونية للأجهزة الذكية.

أما “المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق” فساعد في تأسيسها الأمير أحمد بن سلمان عام 1987، وتولى رئاستها لمدة 13 عاما، ثم أعقبه شقيقه فيصل حتى عام 2013، وتضم تلك الشركة العديد من الشركات العاملة في المجال الإعلامي والصحفي (النشر، التوزيع، الإعلان والطباعة).

وتشير تقارير إلى أن محمد بن سلمان يسيطر بالكامل على تلك المجموعة حاليا، وأنه بدأ يزرع داخلها عددا من رجاله المخلصين.

 استحواذات

الخطوة الكبرى كانت حينما استحوذت المجموعة السعودية للأبحاث والنشر على أكثر من نصف أسهم المجموعة السعودية للأبحاث والنشر، المملوكة للوليد بن طلال، علاوة على استحواذه أيضا على عدد كبير من أسهم شركة المملكة القابضة لـ “بن طلال” أيضا.

ما سبق جعل “بن سلمان” مالكا رسميا لصحيفة “الشرق الأوسط”، وصحيفة “الاقتصادية” الشهيرة بالمملكة، ومجلات “الرجل” و “سيدتي” و “الجميلة”، وصحيفة “عرب نيوز”.

وفي يناير 2016، نشر حساب “مجتهد” على موقع “تويتر”، تغريدات أكد فيها أن “الشركة السعودية للأبحاث والتسويق المملوكة عمليا لمحمد بن سلمان تستحوذ على MBC والعربية التي تتمتع بامتيازات خرافية ودعم مباشر من الديوان”.

وأضاف أنه “بعد أن كانت مسؤولية “بن سلمان” عنها مسؤولية حكم، أضيفت لها الآن مسؤولية شخصية بصفته المالك لها”.

ودلل مراقبون، على ما قاله “مجتهد”، بظهور “بن سلمان”، لأول مرة متحدثا عن “رؤية المملكة 2030″، في قناة “العربية” التي يمتلكها، وليس في أي من القنوات السعودية الرسمية التابعة للدولة.

علاوة على ذلك يقود “بن سلمان” حاليا جهودًا لإعادة تأهيل قنوات المملكة الرسمية “السعودية” و “الإخبارية“، حيث أمر بتعيين المذيع البارز بقناة “العربية” خالد مدخلي، رئيسا للقناة السعودية الأولى.

“خالد المدخلي” رئيس القناة السعودية الأولى

“بلومبيرج” و”أرقام”

وفي سبتمبر الماضي، وقعت وكالة “بلومبيرج إل بي”، الشركة العالمية للخدمات الإخبارية والإعلامية والمعلومات المالية، اتفاقية طويلة الأجل مع “المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق” تتولى بموجبه الأخيرة إطلاق شبكة تليفزيونية وإذاعية على مدار 24 ساعة على مدار الأسبوع، وبوابة محورية رقمية متكاملة خاصة، ونشر مجلة «Businessweek Bloomberg العربية»، فضلا عن سلسلة جديدة من المؤتمرات والمناسبات.

بعدها بشهر واحد، استحوذت “المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق” على 51% من حصص شركة “أرقام الاستثمارية التجارية المحدودة”، مقابل مبلغ 37.5 مليون ريال سعودي (10 ملايين دولار).

وشركة “أرقام الاستثمارية التجارية المحدودة”، هي شركة سعودية مالكة للبوابة المالية والاقتصادية “أرقام”، وهي منصة متخصصة في نشر المعلومات الاقتصادية والمالية التي تهم المستثمرين وصنّاع القرار في السعودية.

وتعتبر بوابة “أرقام” منصة للباحثين عن المعلومات المالية، والأخبار الاقتصـادية المتعلقـة بأسـواق الأسـهم في منطقة الخليج والشـركات المدرجة فيها، والمعلومات الاقتصادية بشكل عام، وتمتلك أيضا موقع “أخبار 24” الشهير بالمملكة.

ملخص لما بات يمتلكه “بن سلمان” إعلاميا بشكل مباشر..

– مجموعة إم بي سي.

– قناة العربية الإخبارية.

– صحيفة “الشرق الأوسط”.

– صحيفة “الاقتصادية”.

– مجموعة مجلات “سيدتي”.

– مجلة “الرجل”.

– موقع “عرب نيوز”.

– موقع “أخبار 24”.

– منصة “بلومبيرج” العربية.

– منصة “أرقام” الإخبارية والاقتصادية.

وينتظر بعد انتهاء زوبعة احتجاز الوليد بن طلال في “ريتز كارلتون” أن يمتلك “بن سلمان” مجموعة “روتانا” الإعلامية الضخمة.

باختصار، يبدو “بن سلمان” حاليا متباهيا بترسانة إعلامية شديدة الضخامة، يتعدى مداها السعودية لتسيطر على منطقة الخليج وأجزاء واسعة من الوطن العربي، ولا ننسى النفوذ الكبير لمجموعة “إم بي سي” في منطقة المغرب العربي كمنصة ترفيهية، فهل نرى تحالفات إعلامية مضادة للرد؟ الإجابة قد تكون عند قطر.