أعلن الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” في أبريل/نيسان الماضي، خلال”إفطار الأسرة المصرية”، إطلاق عملية للحوار الوطني ولجنة للعفو الرئاسي، ما أثار الآمال حول إمكانية حدوث إصلاحات سياسية واقتصادية تخفف من القمع الذي تشهده البلاد منذ يوليو/تموز 2013.
جاء إعلان “السيسي” وسط أزمة اقتصادية حادة أدت إلى خسارة الجنيه لأكثر من ثلث قيمته هذا العام، ما يشير إلى الحاجة الماسة إلى الابتعاد عن سياسة النمو المدفوع بالديون. لكن بعد أكثر من 6 أشهر، لا يبدو أن هناك جهودًا جادة للإصلاح.
ويمكن أن يعزى ذلك إلى القيود الهيكلية التي تقوض قدرة النظام على الشروع في إصلاحات من أعلى إلى أسفل، وأبرزها ضعف الرئاسة في مواجهة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، والتي يمكن أن تكون بمثابة عائق أمام الإصلاحات، بغض النظر عن نوايا الرئيس.
وفشلت لجنة العفو الرئاسي فشلاً ذريعاً، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، تم الإفراج عن 766 سجينًا سياسيًا بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني، ولكن خلال نفس الفترة تم اعتقال 1540 آخرين.
يُعزى هذا الفشل جزئياً إلى مقاومة الأجهزة الأمنية للإفراج عن الموقوفين، وعدم صلاحية لجنة العفو لاتخاذ قرارات ملزمة.
وأعرب “كمال أبوعيطة”، عضو اللجنة وزير العمل السابق، عن إحباطه علنًا في عدة مناسبات، مشيرا إلى التحدي الصريح لأوامر الإفراج الرئاسية. وفيما يتعلق بالسلطة المؤسسية، تجمع لجنة العفو أسماء السجناء من أفراد أسرهم وترسل قائمة بأسماء السجناء المحتمل الإفراج عنهم إلى الأجهزة الأمنية لتتم الموافقة عليها عبر واتساب، ولا تزال العملية مبهمة للغاية، مع عدم وجود معايير واضحة للإفراج عنها.
وعلى الجانب الاقتصادي، ظهرت مقاومة الإصلاحات المحتملة أيضًا خلال مفاوضات القروض الأخيرة مع صندوق النقد الدولي. وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي أنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي لقرض بقيمة 3 مليارات دولار مع النظام المصري، على أن يتم تسليمه على مدى 4 سنوات.
وظهرت تقارير تفيد بأن النظام اختار مبلغ قرض أصغر، لأن المبلغ الأكبر كان سيترتب عليه شروط أكثر صرامة، أهمها تخفيض حجم البصمة الاقتصادية للجيش وتدخل الدولة في الاقتصاد.
ويبدو هذا القرار غير منطقي بالنظر إلى أن النظام لديه فجوة تمويلية تقدر بنحو 45 مليار دولار. في الواقع، قدر بنك “جولدمان ساكس” أن مصر بحاجة إلى قرض من صندوق النقد الدولي لا يقل عن 15 مليار دولار لتتمكن من تغطية احتياجاتها التمويلية. وهكذا، يشير إعلان أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى التزام قوي من قبل النظام بمواصلة نموذجه للرأسمالية العسكرية، بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية المصاحبة لذلك.
تنبع هذه المقاومة للإصلاح من عدد من العوامل المتشابكة التي أضعفت بشكل كبير الرئاسة بشكل كبير، ما حرم “السيسي” من القدرة على موازنة القوى المتصارعة، وكان أوضح مظهر من مظاهر ذلك هو التعديل الدستوري لعام 2019، الذي زاد بشكل كبير من قوة المؤسسة العسكرية مع إضعاف الرئاسة.
على سبيل المثال، تم تغيير المادة 234 لتنص على أنه لا يمكن تعيين وزير الدفاع إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ويضع ذلك المنصب بعيدا عن متناول “السيسي”، بالإضافة إلى ذلك، يشير تعديل للمادة 200 إلى أن الجيش مسؤول عن حماية الدستور والديمقراطية في مصر، فضلا عن أساس الدولة وطبيعتها العلمانية، وهذا يزيد من رفع الجيش إلى مكانة عليا فوق “السيسي”.
ويتفاقم الضعف الدستوري لـ”السيسي” بسبب الضعف العملي لهذا الموقف من حيث السيطرة على جهاز الدولة وعدم وجود توازن مدني، فجهاز الدولة مكتظ بأفراد متقاعدين من القوات المسلحة، ليس فقط على أعلى مستويات البيروقراطية، ولكن أيضا على مستويات أدنى من الحكومة المحلية والقطاع العام.
هذه الظاهرة ليست جديدة، لأنها كانت جزءًا من استراتيجية منع الانقلاب في عهد الرئيس الأسبق “حسني مبارك”. لكن على عكس “مبارك”، لا يملك “السيسي” حزبًا حاكمًا ضخمًا يمكنه استخدامه لتحقيق التوازن مع الجيش. وفي الواقع، لا يوجد دليل على أن حزب الأغلبية الموالي لـ”السيسي” في البرلمان، “مستقبل وطن”، يلعب دورًا فعالاً في صنع السياسات، ولا يبدو أنه يشغل أي مناصب حكومية رئيسية.
وهناك أدلة على أن الاتجاه نحو عسكرة الحكومة المحلية قد ازداد مع تعديل قانوني في يوليو/تموز 2020، والذي ينص على أن يكون لكل محافظة مستشار عسكري يعمل كممثل محلي لوزير الدفاع ويتواصل مع المجتمع المحلي لحل المشاكل. وفي الواقع، سقطت بيروقراطية الدولة بشكل أعمق في براثن المؤسسة العسكرية.
إن النظام الذي نشأ من انقلاب 2013 هو ديكتاتورية عسكرية بامتياز، لقد تم إضعاف موقع الرئاسة لدرجة أن المرء قد يكافح من أجل تخيل وضع يمكن أن يتصرف فيه الرئيس ضد مصالح المؤسسة العسكرية دون أن يعاني من عواقب وخيمة.
ولا يعني ذلك أن “السيسي” عاجز، لكن عملية توطيد السلطة والتحصين ضد الضغط الشعبي أدت إلى نظام مقاوم للغاية للإصلاحات التي تقودها النخبة، وهذا يجعل النظام غير مجهز للتكيف والتعامل مع الضغوط الشعبية، وأكثر عرضة للأزمات المتصاعدة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
ويبدو أن النظام قد وضع على مسار لن يؤدي إلا إلى تعميق أزمة البلاد، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تزايد الغضب الشعبي الذي ليس مستعدًا للتعامل معه.
اقرأ أيضا: لمنع الثورة.. السيسي يصعد من إجراءاته ضد المعارضة
اضف تعليقا