العدسة – موسى العتيبي

بدأت ثورة السوريين سلمية في مَهْدها، ثم سرعان ما تحولت لثورة مسلحة، لصدّ هجمات النظام الغاشم على المعارضين وسريعًا تحولت لحرب إقليمية، ثمّ أضحت بعد ذلك كمسرح لحربٍ دوليةٍ، تتنازع فيها الدول وتتصارع والضحية أولًا وأخيرًا هو الشعب السوري.

6 سنوات من الحرب منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وحتى اليوم، عشرات الآف من القتلى، ملايين المشردين في إرجاء العالم، ومدن وقرى بأكملها دمرت واختفت تحت القنابل والبراميل المتفجرة والصواريخ، أطفال شوّهت وأجنة ماتت في بطون أمهاتها جراء الغازات السامة والمواد الكيماوية.

واليوم وبعد كل هذا الدمار، يطير الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق إلى “سوتشي” لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والابتسامة تعلو وجنتيمها ويعلنان سويًا الانتصار على ما وصفوه بالإرهاب في سوريا، ويبحثان طرق التسوية السياسية في البلاد.

فإلى أين تسير الأوضاع في سوريا، وهل تتَّجه الأمور إلى تسوية سياسية كما أعلنت روسيا في أكثر من موقف؟ وما هو شكل هذه التسوية؟ وما هو مصير بشار الأسد، وما هو موقف المعارضة المسلحة؟ وكيف ينظر الخليج لتلك التسوية؟ وموقف الأطراف الدولية كأمريكا وتركيا وإيران منها.

بشار والمعارضة

وفقًا لمراقبين فإنَّ بشار الأسد، استطاع أن يعيد ترتيب أوراقه دوليًا لثلاث مرات متتالية، خلال 6 سنوات من عمر ثورة السوريين؛ إذ تحول بداية من حليف استراتيجي لإيران وميليشياتها، إلى ورقة تفاوض روسية في مرحلة لاحقة، مهدت لدخول روسيا عسكريًا (عام 2015) إلى ساحة الصراع الدولي على سوريا.

واستطاعت موسكو من خلال ذلك أن تضع كل ملفاتها العالقة أوروبيًا وأمريكيًا وإقليميًا على طاولة البحث أو المساومة من جديد.

ثم بات بشار أخيرًا- بمساعدة روسيا وإيران- بمثابة «شريك» للمجتمع الدولي ضد من يصفونهم بالإرهابيين من جبهات المعارضة («داعش» و «القاعدة» «النصرة»).

حصلت هذه التحولات في الوقت الذي كان يحافظ نظام بشار على أدواره المتعاقبة، من دون التفريط بأي من حلفائه، بل وبتضييق دائرة خصومه، كما ظهر في الآونة الأخيرة، وسط إنكار للمواقف المعلنة التي اتخذها البعض ضد وجوده، كشخص وكنظام في حياة السوريين الحالية والمستقبلية.

في المقابل لم تستطع المعارضة السورية- التي تدعي تمثيل مصالح الثورة ضد نظام الأسد- التعامل مع المجتمع الدولي إلا من خلال افتراضات أخلاقية، تبيّن لاحقًا أنها مجرد أوهام، فقد كان هذا المجتمع يتراخى أمام الانتهاكات المتكررة التي ارتكبها النظام السوري والميليشيات الحليفة له، مكتفيًا بترديد بيانات الاستنكار تارة، أو زيادة حجم المساعدات «غير القاتلة».

” بشار الأسد “

لقاء الأسد وبوتين

اللقاء الذي جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره السوري بشّار الأسد، مع قيادة وزارة الدفاع والأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، خلال الزيارة التي قام بها “بشار” إلى سوتشي الروسية أمس، كشفت بصورة كبيرة إلى توجهات لتسوية سياسية في الملف السوري.

استدعاء بوتين للأسد في سوريا، وإخراج المشهد بصورة تشبه صور انتهاء الحرب في سوريا، وحديث “بوتين” المتكرر عن التسوية السياسية في سوريا، جعل من احتمالية قرب الوصول إلى تلك التسوية أمرًا مؤكدًا.

وخلال اللقاء دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تسوية سياسية طويلة الأمد في سوريا بعد انتهاء القتال ضد الإرهاب، بحسب ما قاله.

وقال بوتين: إن موسكو تعمل مع الولايات المتحدة وزعماء المنطقة على تحقيق هذا الهدف، مضيفا أنّ أي تسوية سياسية يجب تنفيذها تحت رعاية الأمم المتحدة.

وشدَّد بوتين في اللقاء ذاته قائلًا “أعتقد أن أهم شيء الآن بالطبع هو الانتقال إلى القضايا السياسية وألاحظ برضا استعدادكم للعمل مع كل من يريدون السلام والتوصل لحلّ”.

“بوتين” و “بشار”

تركيا وإيران وروسيا

من ناحية أخرى تجري روسيا وتركيا وإيران مباحثات على أعلى المستويات خلال الأيام المقبلة من أجل بحث المسألة السورية مع التركيز على ملفات إدلب وعفرين واتفاقيات مناطق خفض التصعيد وصولًا لبحث إمكانية الانتقال للمسار السياسي والتمهيد لكتابة الفصل الأخير في الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من 6 سنوات.

وحسب التأكيدات الرسمية، فمن المقرر أن يجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني في مدينة “سوتشي الروسية” يوم الأربعاء المقبل، وتحضيرًا لهذه القمة اجتمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة الأحد في مدينة أنطاليا التركية.

وزراء الدول الثلاث أكّدوا عقب الاجتماع أن مستوى العنف في سوريا انخفض، وهو ما يسمح لطرفي النزاع في البلاد بالانتقال من المواجهة العسكرية إلى التسوية السياسية، وفقا لقولهم.

ودعا بيان صادر عن اجتماع الوزراء الثلاث إلى مواصلة الجهود المشتركة التي تبذلها الدول الثلاث ضمن صيغة أستانا، “بما يخدم تهيئة الظروف المواتية لتفعيل المفاوضات السورية السورية تحت الرعاية الدولية في جنيف”.

من جهة أخرى، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن أمل موسكو في أن تساعد القمة الثلاثية بين زعماء روسيا وتركيا وإيران في مدينة سوتشي على تفعيل مفاوضات مباشرة بين الحكومة والمعارضة السورية.

وزراء خارجية “تركيا وروسيا وإيران”

الموقف السعودي والمعارضة

وبالتزامن مع التحركات الروسية لعمل تسوية سياسية في سوريا، فإنَّ هناك تراجعًا دوليًا عن مطلب رحيل الأسد، تبنته كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وحلفاء غربيون آخرون.

بل إنَّ بعض الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية كالمملكة العربية السعودية ذهبت المذهب ذاته، فدعا وزير خارجيتها عادل الجبير المعارضة السورية إلى وضع ما سماها رؤية جديدة بشأن تسوية الأزمة في سوريا ومستقبل الأسد.

حتى المعارضة السورية التي توصف بمنصة “الرياض” وهي الجبهة الوحيدة الباقية التي كانت تتمسك برحيل “بشار” بخلاف جبهتي “موسكو” و “القاهرة”، باتت هي الأخرى منقسمة على نفسها، بين مجموعة تتمسك برحيل الأسد في مفاوضات جينيف المرتقبة، وبين مجموعة أخرى تقبل بحلول سياسية في ظل بقاء الأسد.

وفي هذا الإطار تستعد العاصمة السعودية، الرياض، لاستقبال أطياف المعارضة السورية، الأربعاء المقبل، وسط تحديات لنجاح مؤتمر “الرياض 2″، والوصول إلى هدفه الرئيسي بتوحيد المعارضة السورية في وفدٍ واحدٍ يشارك في مفاوضات القادمة.

ويبقى الحديث حول مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، هو نقطة الخلاف الأولى والرئيسية بين فصائل المعارضة؛ حيث يتمسك الائتلاف، والهيئة العليا للمفاوضات، وفصائل المعارضة السورية، برحيله عن السلطة، فيما ترى منصتا موسكو والقاهرة أنّ “المصلحة الوطنية إذا اقتضت ببقاء الأسد فليبقَ”.

ويشارك في مؤتمر “الرياض 2” أكثر من 140 شخصية معارضة تضم تيارات وأحزابًا وقوى سياسية وعسكرية، ومن المُقرر أن تصدر عنه وثيقة جديدة للمرحلة المقبلة؛ حيث يسعى المشاركون للاتفاق على ورقة واحدة تكون مدعومة من الأمم المتحدة​ والدول المعنية بالشأن السوري. بحسب صحيفة “عكاظ” السعودية.

استقالات في “الهيئة العليا للمفاوضات السورية”

خيارات التسوية

يمكن حصر خيارات التسوية في سوريا مع بقاء الأسد في 4 خيارات:

الخيار الأول: فيدرالية المناطق الأمنية: هذا التصور طرحته مؤسسة راند المقربة من وزارة الدفاع الأمريكية فيما سمي بخطة السلام من أجل سوريا في ديسمبر 2015، وهي تتقاطع إلى حدّ ما مع وجهة نظر الرسمية للولايات المتحدة، وهذا الخيار وهو يقوم على استقرار الأطراف المحلية في المناطق التي تسيطر عليها في الوقت الراهن ويقيم كل منها منطقة آمنة بحدود واضحة تمنع الاحتكاك العسكري، حيث يتم تقسيم الدولة السورية إلى ثلاث أقاليم أمنية الأول تحت سيطرة النظام السوري بقيادة بشار، والثاني تحت سيطرة المعارضة المعتدلة، والثالثة تحت سيطرة القوات الكردية (وهو ما تعارضة تركيا)..

الخيار الثاني: خيار الكونفدرالية السورية وهذا الخيار مستمد من التجربة التاريخية لبعض الدول مثل الولايات المتحدة وسويسرا، وهو يقوم على تقبل قيام دويلات صغيرة تعبر كل منها على الأطراف المختلفة للنزاع السوري، ثم يتم دمجها في اتحاد كونفديرالي من خلال اتفاقية دولية، وهذا الخيار أيضًا تبدو عليه بعض الاختلالات، فتلك التجارب التاريخية في حدّ ذاتها سرعان ما تحولت إلى النمط الفيدرالي، وتخلت عن الكونفدرالية التي عادة لا تنجح إذا كانت الأطراف المشكلة لها دويلات صغيرة، وبالإضافة إلى أنَّ تحقيق المرحلة الأولى لا يضمن بالضرورة أن تتحقق المرحلة الثانية.

الخيار الثالث: وهو خيار لبننة سوريا، بمعنى دولة سوريا موحدة برعاية إقليمية، وهو مستمد من التجربة اللبنانية، وهو يعني ضمان مشاركة الأطراف المتنازعة في حكومة وحدة وطنية مع احتفاظها بقدرات عسكرية خاصة كما هو الوضع مع حزب الله في لبنان، ومن المعروف أن التوازن الداخلي في لبنان مرتبط بتوازن إقليمي فالأطراف اللبنانية لها ولاءات إقليمية لا يمكن إنكارها.

الخيار الرابع: خيار الفترة الانتقالية، وهي فترة يتفق عليها لتسوية كافة الأوضاع في سوريا قد تطول لعامين، يكون بشار الأسد شريك فيها مع أطراف من المعارضة وبرعاية أممية، لتهيأة الأوضاع في سوريا إلى أوضاع سياسية آمنة، ويتم فيها الاتفاق على إعادة إعمار سوريا، والبدء في خطوات تحضيرية لانتخابات سورية تسفر عن بدائل لنظام الأسد.