العدسة – موسى العتيبي
4 ساعات فقط من الأمطار، ضربت مدينة “جدة السعودية” لتتحول بعدها المدينة إلى أشبه ما يكون بالبحيرة الكبيرة التي يعوم كل شيء فيها، كل المدينة تعطلت، المدارس أغلقت أبوابها، والعاملون انصرفوا وأعطوا إجازة من عملهم، مئات السيارات تضررت، وجميع الأنفاق أغرقت بالمياة والطرق أغلقت.
“أمطار جدة الأخيرة” أعادت إلى أذهان السعوديين تلك الحادثة الأليمة التي شهدتها جدة عام 2009، حيث ضربت السيول والأمطار المدينة ذاتها قبل نحو ثمانية أعوام من الآن، فجرفت السيول وقتها آلاف المنازل وتسبّبت في مقتل 116 شخصاً، واعتبر 350 في عِداد المفقودين، وتضررت نحو 3 آلاف سيارة، وقدرت الخسائر بملايين الريالات، واعتبرت وقتها واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي ضربت المملكة.
عجزُ الدولة النفطية الكبيرة “السعودية” عن مواجهة بعض الأمطار والسيول، دفع الكثيرين إلى التساؤل عن البنية التحتية للملكة العربية السعودية؟ وأين تصرف مئات المليارات من الريالات التي تخرج من النفط والمواد الأخرى؟ أين تذهب أموال السعوديين طالما لاتنفق على البنية التحتية؟ أين نتائج تحقيقات الفساد التي فتحت في قضية سيول جدة 2009؟ ولماذا وقفت الدولة عاجزة بأجهزتها المختلفة عن مواجهة أمطار استمرت ساعات قليلة رغم ما تدعيه أنها تستعد لهذه الأمطار منذ عدة أشهر.
الواقعة خلفت الكثير من التساؤلات عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وتداول النشطاء السعوديون عشرات المقاطع لتهالك البنية التحتيه بالعاصمة الثانية للسعودية “جدة” في مواجهة أمطار لم تدم أيام كما يحدث في كثير من البلدان.
تهالك البنية التحتية
ووفقا لصحيفة “الوطن السعودية” فقد تسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت على جدة أمس، في إغلاق خمسة أنفاق نتيجة لارتفاع منسوب المياه وامتلاء تلك الأنفاق، فيما أوقفت الحركة الملاحية أمام دخول وخروج السفن إلى ميناء جدة الإسلامي لمدة ساعتين و45 دقيقة.
وتأثرت 4 سفن نتيجة هذا التوقف، في الوقت الذي تدفقت المياه عبر 14 سداً إلى القنوات الفرعية في انسيابية كبيرة، ومن ثم إلى الرئيسية التي نقلتها بدورها إلى البحر وحالت دون دخولها إلى الأحياء، ويزيد حجم استيعاب تلك السدود عن 36 مليون متر مكعب.
ومع أن الأمطار التي هطلت على المملكة أمطار موسمية وبمعدلها الطبيعي، بل إنها تأخرت هذا العام عن كل عام بحسب ما بينه خبراء الأرصاد، إلا أنها كشفت عن فشل شبكات تصريف السيول في مدن المملكة وخصوصا في مدينة “جدة” العاصمة التجارية للمملكة، بل وانعدامها في البعض منها.
وبدا واضحا أن تعليق الدراسة لم يكن لسوء الأحوال الجوية، وإنما لسوء البنية التحتية، كما قال كتاب رأي وسعوديون في موقع التدوينات القصيرة تويتر.
ومن جهة أخرى، رأي مراقبون سعوديون أن الأمطار التي عمت مناطق المملكة تعتبر طبيعية جدا، ولكن البنية التحتية السيئة جعلت الأمر الطبيعي أمراً كارثياً، فعدم وجود شبكة تصريف وخاصة الجسور جعلت المركبات تعلق في بحر من المياه.
ورغم ما يتم إنفاقه سنويا على البنية التحتية في المملكة، أو ما يتم الإعلان عن إنفاقه على النقل والبنية التحتية والخدمات البلدية في المملكة، والذي بلغ حتى عام 2013 فقط أكثر من 412 مليار ريال (109 مليار دولار) حسب ما ذكره الاقتصادي عبد الحميد العمري للجزيرة نت، إلا أن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام السعودية والناشطون لم تعكس حقيقة هذا الإنفاق.
ورغم إعلان أمانة جدة -أكثر من مرة- إنجاز مشاريع خاصة بتصريف مياه الأمطار، إلا أن تلك المشاريع سقطت في اختبار المطر الذي استمر 4 ساعات، وتحديدا من الـ7 وحتى الـ11 صباحا، وتسببت في شلل كبير داخل الأحياء والشوارع الرئيسة والطرق الداخلية، فيما تسبب عدم الصيانة الدورية لمشاريع التصريف القائمة حاليا في الحيلولة دون استقبال تدفق المياه إليها، وإغلاق كثير من الشوارع والأنفاق.
ويؤكد مراقبون أن من أكبر المشاكل التي تواجه البنية التحتية في المملكة، هي طريقة الترسية، التي يتم بها إسناد مشاريع البنية التحتية، حيث أن المشروع يعطى للمقاول بالتوصية في كثير من الأحيان، وهذا يؤثر على اهتمام المقاول، ويعد عاملا رئيسا في تعثره، ثم يقوم مقاول كبير بتسليم المشروع من الباطن لمقاول أقل منه وهكذا، حتى ينتهي المشروع إلى إنجاز ربع المشروع.
الفساد متجذر
ووفقا لمنظمة الشفافية الدولية التي تنشر مؤشر مدركات الفساد السنوي، فإن السعودية زاد الفساد فيها بين عامي 2015 و 2016، ليصبح تقييم شفافيتها 46/100 بعد أن كان 52/100 .
ويتهم مسؤولون في الحكومة السعودية والعائلة المالكة في كثير من الأحيان بالفساد، على مدى سنوات عديدة، ويوصف الفساد في السعودية بإنه نظامي ومتوطن، خصوصا أن الحكم فيها ملكي، ويتبع ديوان المراقبة العام في المملكة، للملك مباشرة، وبالتالي هو المسؤول عن الحد من الفساد من عدمه.
وعلى الرغم من مزاعم الفساد في السعودية، كانت غالبا أحاديث عامة وغير واضحة، وتبدو الاتهامات فيها واسعة وغير موثقة، أخذت الأعوام الأخيرة أشكالا مختلفة، حيث تفتح قضايا فساد كبرى ويحال فيها مسؤولون كبار، ثم تنتهي في نهاية المطاف بلا شيء.
في عام 2007، عندما زُعم أن شركة الدفاع البريطانية بي إيه إي سيستمز دفعت للأمير بندر 2 مليار دولار أمريكي، في رشاوى تتعلق بصفقة أسلحة اليمامة، ونفى الأمير بندر هذه الادعاءات.
التحقيقات من قبل كل من سلطات المملكة المتحدة والولايات المتحدة أسفرت في عام 2010، عن اتفاقات الصفقة مع الشركة، التي كانت قد دفعت 447 مليون دولار من الغرامات ولكن لم تعترف بالرشوة.
بعدها أعطت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي حول الفساد لعام 2012 المملكة العربية السعودية أعلى درجة من 4.4 (على مقياس من 0 إلى 10 حيث 0 هو “فاسد للغاية” و 10 “نظيف للغاية”).
” الأمراء المعتقلين “
سيول جدة 2009
وفي 2009 فتحت قضية سيول جدة 2009، والتي اتهم فيها مسؤولون سابقون في جهات حكومية، أبرزهم أعضاء أمانة جدة، وكتابة العدل، ووزارة المياه، وجهات عدلية، ورجال أعمال رفيعو المستوى، بالتورط في قضية فساد كبرى قاموا خلالها بالحصول على مبالغ ضخمة، بحجة إقامة سدود وأنفاق وإصلاح وإنشاء مخرات للسيول، لكن كل ذلك اتضح زيفه مع سيول 2009، التي تسببت في انهيار وشلل تام بمدينة جدة، ومقتل العشرات، وانهيار مئات المنازل، وتضرر آلاف السيارات.
وحتى اليوم لاتزال القضية مفتوحة، ويدور الحديث عنها بين الحين والآخر، وتفتح أوراقها في جنبات المحاكم دون أن تفضي القضية إلى شيء.
ومؤخرا وتحديدا في 4 نوفمبر 2017، قامت لجنة مكافحة الفساد السعودية بحملة اعتقالات بتهم الفساد أوقفت فيها عشرات الأمراء ورجال الأعمال ووزراء سابقين، على خلفية تهم متعلقة بالفساد بمليارات الريالات، بلغت نحو 100 مليار ريال، كما صرح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي.
لكن منظمات حقوقية عبرت عن مخاوفها أن تكون الحملة مجرد غطاء للتخلص من الخصوم تمهيداً لتسليم ولي العهد محمد بن سلمان مقاليد البلاد.
“ترامب” و “بن سلمان”
أين أموال السعوديين؟
المثير في الأمر أنه السعودية التي تحتاج إلى مليارات الدولارات لإنشاء البنية التحتية القوية، ولتواكب خطة 2030، التي يتبناها محمد بن سلمان، وجهت تلك المليارات إلى صندوق الخزانة الأمريكي لتنفق أموال النفط على البنية التحتية الأمريكية وليست السعودية.
ووفقا لـ”كريس هيثكوت” الرئيس التنفيذي للمركز العالمي للبنية التحتية التابع لمجموعة العشرين، فإن السعودية بحاجة إلى استثمار 613 مليار دولار في البنية التحتية بحلول ذلك الوقت، وأن الفجوة التمويلية لمشاريع البنية التحتية تقدر بـ100 مليار دولار.
ومع ذلك فإن تقارير أمريكية كشفت عن أن المملكة العربية السعودية قررت ضخ استثمارات جديدة في البنية التحتية الأمريكية بقيمة هائلة تصل إلى 400 مليار دولار أمريكي.
وخلال زياراته للرياض منتصف العام الجاري أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه عقد اتفاقيات وصفقات تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك خلال الخطاب الذي ألقاه في القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها الرياض، بحضور العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وما لا يقل عن 55 من قادة الدول الإسلامية.
الأموال السعودية التي ضخت في خزانة أمريكا، كانت كافية لصنع طفرة في البنية التحتية السعودية، لكن وفقا لمراقبين فإن “بن سلمان” دفعها كعربون اتفاق على توليته الملك خلفا لوالدة “الملك سلمان بن عبد العزيز” وأنه بتلك الأموال حصل على الضوء الأخضر من أمريكا للقيام بمذبحة الأمراء التي تجري حاليا على قدم وساق.
أيضا فإن السعودية لم تكف عن ضخ أموال قدرت بمئات المليارات من الريالات خارج حدودها، وتحديدا في دعم أنظمة عربية استبدادية في إطار محاربتها لثورة الربيع العربي، فضلا عن المليارات التي تنفقها على الحرب في اليمن المستمرة منذ أكثر من عامين.
اضف تعليقا