العدسة – غراس غزوان

يبدو الأمر أكبر من مجرد تجديد لمكتب “منظمة التحرير الفلسطينية” في العاصمة الأمريكية واشنطن، في ظل تواتر المؤشرات التي تكشف مدى الضغوط العربية والأمريكية المتصاعدة على السلطة الفلسطينية كي تتنازل عما تبقى من الحقوق للشعب الفلسطيني.

وتأتي المطالبات بالتنازل بالتزامن مع تصاعد الحديث عن ما يعرف بـ “صفقة القرن” التي تحقق من خلالها إسرائيل أهدافها في بسط السيطرة على كامل القدس، والتخلص من “حق العودة” للفلسطينيين إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها في العام 1948، مع زيادة تكريس الاستيطان، وذلك كله دون أن تدفع تل أبيب أي ثمن يذكر.

 انحياز أمريكي

كانت ولا تزال الإدارة الأمريكية منحازة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في جميع قراراتها الخاصة بفلسطين، وجاء القرار الأخير ليؤكد استمرار الدعم الأمريكي لتل أبيب.

ففي غضون ثلاثة أشهر تريد الإدارة الأمريكية إنهاء الملف الفلسطيني، من خلال ممارسة مزيد من الضغوط على السطلة الفلسطينية الممثلة في “منظمة التحرير” للقبول بحل لم تعلن الولايات المتحدة ملامحه حتى الآن .

وتأتي خطوة تهديدات وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بعد دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة دولة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها بحق الفلسطينيين.

واستخدمت الولايات المتحدة قانونًا لديها ينص على غلق بعثة منظمة التحرير الفلسطينية؛ إذا ما قام الفلسطينيون بدفع المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائم بحق الفلسطينيين.

على الجانب الآخر، أعلنت السلطة الفلسطينية عن تجميد كافة خطوط الاتصال مع الجانب الأمريكي، ردا على تهديداته بغلق مكتب المنظمة في واشنطن.

وقال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، لوكالة “فرانس برس”: “عملياً، بإغلاق المكتب هم يجمّدون أي لقاءات ونحن نجعلها رسمية”.

” ريكس تيلرسون ” وزير الخارجية الأمريكي

 

مكتب “منظمة التحرير الفلسطينية” في واشنطن

 ابتزاز للفلسطينيين

بوضع مفردات القرار الأمريكي ، ورد ما فيه إلى سياقه، نجد أن مجمل هذا القرار هو عملية ابتزاز واضحة للفلسطينيين للقبول بما يسمى بالحل الإقليمي، الذي يجري العمل على بلورة صيغته النهائية بهدف جمع إسرائيل مع عدد من الدول العربية التي أطقلت عليها تل أبيب “دول سنية معتدلة”، بينها السعودية ومصر والإمارات.

ويرى البعض أن الولايات المتحدة تسعى لإغلاق القضية الفلسطينية بأكملها، مع ظهور ملامح خطة السلام الخاصة بترامب، التي يسير بها صهره اليهودي “جاريد كوشنر” صاحب النفوذ الشديد الانحياز لإسرائيل.

لكن خطة “كوشنر” التي يدور حولها الحديث في القصور الملكية والرئاسية لا تزال مبهمة، في انتظار من يزيل الستار عن بنود ما يسمى بـ”صفقة القرن” لتسوية القضية الفلسطينية.

وفي اللغة تعني كلمة “صفقة” وجود طرفين يتبادلان المنفعة، إلا أن هذه الصفقة- وفق ما أعلنت عنه الصحف الإسرائيلية في مبادئها العامة- تعد أقرب لتسليم طرف إلى الآخر دون أن يكون هناك مقابل.

فالفلسطينيون متمسكون بحل الدولتين، ويطالبون بدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، في المقابل الجميع يرى أن حل الدولتين لا غبار عليه، لكن الأمريكان والإسرائيليين وحلفاءهم يريدون تفريغ الحل من مضمونه، ويمارسون ضغوطا كبيرة على السلطة للقبول بأي حل ترضاه إسرائيل، وربما لا يكون فيه ذكر للقدس الشرقية عاصمة للدولة، حيث تترك هذه النقطة للتفاوض، وأما الاستيطان فقد صمت الجميع عن إزالته من الضفة الغربية المحتلة، بعد أن تنزع عنها صفة “المحتلة” الملتصقة بها منذ نحو نصف قرن.

“دونالد ترامب” بصحبة “محمود عباس”

خطة “كوشنر”

أما الخطة التي رسمها صهر الرئيس الأمريكي فقد كشفت ملامحها صحيفة “التايمز” البريطانية، والتي بدأت باجتماع “كوشنر” مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومطالبته بالتدخل والضغط على “عباس” للقبول بالخطة الأمريكية.

وقالت الصحيفة: إن اللقاء الأخير الذي جمع “بن سلمان” و”عباس” كان استدعاء من الأول للأخير، أمر فيه ولي العهد السعودي رئيس السلطة بقبول خطة “كوشنر” للسلام، وطلب منه دعم رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام مع إسرائيل أو يستقيل.

وقالت الصحيفة: إن ولي العهد السعودي “فتح جبهة جديدة، في محاولاته لتغيير الشرق الأوسط، من خلال التدخل في السياسة الفلسطينية.

” جاريد كوشنر “

وأشارت “التايمز” الى أنه في أي خطة أميركية سيتم قبول الكثير من شروط الدولة الإسرائيلية بشأن الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة، وهو موضوع يشكل حجر عثرة بحسب الصحيفة.

وإن صدق ما نشرته صحيفة “التايمز” فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دخل بقدميه داخل اللعبة، وأنه الآن يفعل وينفذ ما يملى عليه من الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، كما فعل من قبل في التعامل مع قطر وحصارها.

أما في فلسطين فربما تقف المصالحة الفلسطينية التي ترعاها القاهرة حجر عثرة في وجه إتمام تلك الصفقة؛ فمن المؤكد أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” والفصائل الفلسطينية لن يقبلوا بأقل من دولة على حدود 1967 عاصمتها القدس، وإن كانت تطمح إلى أكثر من ذلك، فهل ستنجح الضغوط الأمريكية في فرض “صفقة القرن” على الفلسطينيين؟.