العدسة – منذر العلي

على الرغم من مرور أكثر من شهر على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس بالقاهرة، إلا أن الألغام المحيطة بالاتفاق تهدد بنسفه من الأساس.

مصادر فلسطينية، وصفت أجواء الحوار الوطني الفلسطيني الشامل الذي انطلق بالقاهرة الثلاثاء، بأنها “غير إيجابية”.

فهل يمكن أن ترقى تلك الأجواء، مع الأخذ في الاعتبار تطورات سلبية سابقة، إلى أن تعرقل المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق، وما موقف مصر الراعية له؟.

فتح تتراجع وحماس تُصر

المصادر أشارت في تصريحات صحفية، إلى أن وفد حركة فتح، برئاسة عضو لجنتها المركزية عزام الأحمد، أصر على قصر الحوار على مناقشة ملف الأمن وسيطرة الحكومة على قطاع غزة كاملاً، وتقويم ما تم إنجازه حتى الآن.

في المقابل رفض وفد حماس تغيير أجندة الحوار، وأصر على مناقشة ملفات منظمة التحرير والحكومة والانتخابات والمصالحة المجتمعية والحريات العامة.

هذا الاختلاف كانت له مرجعيات أو مقدمات ربما أدت للنتيجة الحالية، فحماس توجهت للحوار ولديها 3 خطوط حمراء؛ أولها رفض نزع سلاح المقاومة أو تسليمه، وثانيها عدم تسليم الأمن قبل أن يتم دمج 42 ألف موظف عينتهم بعد الانقسام، ودفع رواتبهم.

كما توجهت فتح، وفق المصادر، بضغوط تمارسها عليها الإدارة الأمريكية وإسرائيل لمنع دمج موظفي حماس الأمنيين، وعدم دفع رواتب موظفيها المدنيين، حيث توعد الاحتلال باستهداف أجهزة السلطة الأمنية في حال ضمت أي عنصر من حماس أو فصائل المقاومة، وعدم دفع أموال المقاصة المستحقة للسلطة في حال دمجت موظفي حماس المدنيين.

وبطبيعة الحال لم تقف مصر التي ترعى جلسات الحوار متفرجة، بل تبذل جهودًا مضنية بقيادة وكيل جهاز المخابرات العامة اللواء مظهر عيسى وفريقه، الذي عمل على تبريد الأجواء الساخنة للحوار خشية تفجره، وسط إصرار كل طرف على موقفه.

وفد “المصالحة الفلسطينية” بالقاهرة

معبر رفح مغلق

لم يكن الخلاف الذي شهده الحوار هو الأول من نوعه، والذي يهدد بنسف المصالحة وتعميق الانقسام الفلسطيني، بل سبقته بيوم واحد عقبة أخرى لا تقل أهمية.

فعلى الرغم من سيطرة قوات الأمن التابعة للسلطة على معبر رفح البري بالكامل، ومن قبله إجراءات حركة حماس لتبديد مخاوف مصر الأمنية تجاه تسلل المسلحين، إلا أن القاهرة لا تزال تغلق المعبر.

وتراجعت السلطات المصرية عن تمديد فتح المعبر وأبلغت الجانب الفلسطيني رسميًّا، صباح الثلاثاء 21 نوفمبر، بإغلاق المعبر في كلا الاتجاهين، بعد أن قررت في اليوم السابق فتحه لثلاثة أيام من أجل عبور الحالات الإنساية والطلبة وعودة العالقين.

هذه الخطوة تأتي على الرغم من أن مسألة فتح المعبر بشكل طبيعي ودائم لتنقل الأشخاص والبضائع كانت على قمة الأمور التي وُقع على أساسها اتفاق المصالحة.

وبينما التزمت حماس الصمت، ولم تعلق على عملية تأخير فتح المعبر، اعتبر متحدثون باسم بعض الفصائل أن عملية التأخير “مؤشر خطير ويمثل انتكاسة للمصالحة”.

وقال “طلال أبو ظريفة” عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في تصريحات صحفية: إن “التراجع عن فتح معبر رفح، وفق الجدول الزمني المقرر فيه فتحه، وربطه بالتوافق على ملف الأمن، انتكاسة جديدة تضاف لانتكاسة عدم رفع الإجراءات العقابية عن قطاع غزة”.

وكان الفلسطينيون، خاصة ساكنو قطاع غزة، ينتظرون على أحر من الجمر فتح المعبر الذي يمثل إليهم البوابة الوحيدة إلى العالم الخارجي، في ظل التشديدات الإسرائيلية على معبر بيت حانون “إيرز”، حيث تُفرض عليهم إجراءات أمنية تحرمهم من التنقل للعلاج والدراسة، وغيرها.

معبر “رفح”

عقبات يقابلها حزم مصري

أواخر أكتوبر الماضي، كشفت الصحافة العبرية، عن لقاء سري جمع رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية “رامي الحمد لله” بوزير إسرائيلي، في خطوة عدها مراقبون طعنة من الخلف للمصالحة الموقعة قبل اللقاء بأيام.

ومما زاد من تعكير صفو أجواء المصالحة، تزامن اللقاء مع القصف الإسرائيلي الذي استهدف نفقًا في غزة، وأسفر عن استشهاد 7 فلسطينيين بينهم مقاومون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

كما جاء اللقاء بعد انتقاد إسرائيلي واسع لاتفاق المصالحة الفلسطيني، وإعلان المجلس الوزاري الأمني “الكابينت” أن إسرائيل لن تجري مفاوضات مع حكومة الوحدة بين فتح وحماس، وعرض “عدة شروط” أمام الفلسطينيين لكي يوافق على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفلسطينية، أبرزها: اعتراف حماس بإسرائيل، و”وقف الإرهاب”، وتفكيك سلاح الحركة وانفصالها عن إيران، وإعادة جثتي الجنديين، والإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وفي الشأن ذاته، نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية، عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعهداته لمسؤولين إسرائيليين قابلوه بـ”عدم تعيين وزراء ينتمون إلى حركة حماس في الحكومة الفلسطينية في إطار اتفاق المصالحة، إلا إذا أعلنوا صراحة وعلى الملأ اعترافهم بإسرائيل”.

” محمود عباس “

التوقيع الرسمي على اتفاق المصالحة، كشفت وثيقة مسربة نشرها وحللها (العدسة) نية السلطة الفلسطينية عدم رفع العقوبات التي أصدرها عباس بحق غزة، رغم أن اتفاق المصالحة نص في صدارة بنوده على رفع كافة الإجراءات العقابية التي اتخذها عباس بحق القطاع.

وفي مقدمة تلك الإجراءات، فصل موظفين تابعين للسلطة، وخفض الرواتب، ووقف دفع مخصصات السولار الذي يشغل محطات الكهرباء بالقطاع.

الرغبة الفتحاوية في السيطرة على قطاع غزة بالقوة، وتخطيطها لنزع سلاح حماس يتعارضان أيضًا مع اتفاق المصالحة، والذي قضى بنشر 3 آلاف شرطي تابعين للسلطة في غزة.

وهكذا توالت الطعنات والعقبات أمام سريان اتفاق المصالحة والتنفيذ الحقيقي لبنوده، غير أن هذه العوائق تصطدم بموقف مصري حريص على إتمام المصالحة عبرت عنه تصريحات الوزير خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة، لدى وصوله إلى غزة 3 أكتوبر الماضي، لحضور أول اجتماع لحكومة الوفاق في القطاع تمهيدًا لاتفاق المصالحة.

“فوزي” ربط بين إتمام المصالحة الفلسطينية والأمن القومي المصري، وفي الوقت نفسه قال: “لا يغيب عن أذهاننا ما تقوم به بعض الأطراف لعرقلة التوصل إلى الوفاق الفلسطيني”.

كما تصطدم تفاصيل الوثيقة الفتحاوية بموقف مصري رافض لمجرد طرح موضوع سلاح المقاومة قبل حل القضية الفلسطينية ككل.

وعليه فإن القاهرة التي ألقت بثقلها السياسي والأمني والتاريخي والجغرافي من أجل الوصول لتوقيع اتفاق المصالحة، لن ترضى بنسف الاتفاق، وستسعى بكل قوتها من أجل إتمامه.

تصورات ردة الفعل المصرية، وسيناريوهات ما قد تلجأ إليه في وجه محاولات نسف المصالحة، تناولها (العدسة) بالتفصيل في تقرير سابق.