العدسة – منذر العلي

يبدو أن المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية يأبى أن يتعلم من دروس الماضي، ويصر على تكرار الأخطاء على نحو يكشف ما وصل إليه من فشل وتخبط في إدارة هذه النافذة الإعلامية المهمة والتي تكاد تكون الوحيدة للجيش.

العقيد “تامر الرفاعي”

تعليقات ساخرة وأخرى مهاجمة شهدها المنشور الأخير على صفحة المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، والتي يتابعها نحو 7 ملايين شخص.

 إنجاز وهمي

الثلاثاء الماضي 21 نوفمبر، أعلن المتحدث العسكري حصول فريق بحثي من كلية طب القوات المسلحة على المركز الأول، في إحدى المسابقات العلمية الكبيرة.

ونشر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك بيانًا بعنوان “الفريق البحثي لكلية الطب بالقوات المسلحة يحصد المركز الأول بمسابقة igem العالمية للبحث العلمي”.

وقال إن الفريق البحثي لكلية الطب بالقوات المسلحة حصد المستوى الأول والميدالية الذهبية بمسابقة igem العالمية للبحث العلمي والهندسة الوراثية، التي أقيمت بمدينة بوسطن في ولاية ماستوستش بالولايات المتحدة الأميركية، وشارك فيها أكثر من 5000 طالب يمثلون 337 فريقاً بحثياً، من أكثر من 40 دولة على مستوى العالم.

وتتنافس الفرق المشاركة، وفق البيان، على إيجاد الحلول باستخدام أحدث تقنيات الهندسة الوراثية والبيولوجيا التخليقية لإيجاد الحلول العلمية غير التقليدية للمشكلات، وتطوير مستوى البحث العلمي في الجامعات.

لكن المفاجأة كانت عند الدخول إلى الموقع الرسمي للمسابقة على الإنترنت، حيث لم يُشر مطلقًا إلى فوز الفريق المصري بأي جائزة من جوائز المسابقة، البالغ عددها 29 جائزة، بل إنه لم يترشح لأي منها من الأساس.

اللافت أيضًا، وفق ما تكشفه الصفحة الخاصة بنتائج المسابقة على الموقع، أن الفريق المصري لم يترشح من الأصل للمنافسة على أي مسابقة من المسابقات، لكنه حصل على ميدالية ذهبية “شرفية” من بين الميداليات التي يتم توزيعها على كافة المشتركين في نهاية المسابقة بشكل عام.

الفريق المصري الذي يُعرف باسم AFCM Egypt كان يتنافس في إيجاد حل لمشكلات المجتمع، باستخدام الهندسة الوراثية، فنجح الفريق المصري لأول مرة في حل مشكلة سرطان الكبد باستخدام تقنية CRISPR.

وسائل الإعلام عزفت على أنغام بطولات القوات المسلحة، إلى الحد الذي عبرت عنه صحيفة “اليوم السابع” الموالية للسلطة بقولها: “أبطال فى الحرب علماء فى الطب.. 11 طالبًا بطب القوات المسلحة يحفرون أسماءهم بالنور”.

صور مريبة

لكن في الحقيقة لم تكن تلك السقطة هي الأولى من نوعها، بل سبقتها “خطايا” أخرى للمتحدث العسكري، خاصة مع كل هجوم يتعرض له الجيش المصري في سيناء من قبل التنظيمات المسلحة.

ففي منتصف أكتوبر الماضي عندما تعرضت نقطة تأمين في منطقة القواديس بالشيخ زويد لهجوم مسلح، أعلن المتحدث العسكري في بيانه نجاح قوة التأمين في صد الهجوم وقتل 24 مسلحًا وإصابة آخر.

أحد الصور التي نشرها “الرفاعي” للمهاجمين تظهر جثة شبه متفحمة ولا تتضح معالم صاحبها جيدًا، لكن اللافت أنه لا يزال يمسك بجهاز اتصال لاسلكي سليم 100% ولم يطاله شيء من النار التي يبدو أنها اشتعلت في الجثة.

نشر المتحدث العسكري مجموعة أولى من الصور، يبدو أنها التقطت في المساء، ثم استتبعها بصور أخرى قال إنها مجموعة ثانية للقتلى ويظهر التقاطها في وضح النهار، لكن المثير أنه بالتدقيق في الصور يظهر أنها لنفس الأشخاص لكن من زوايا مختلفة.

لكن الأبرز في تلك الصور أنها تضمنت صورة مجمعة لأوجه 16 شخصًا يبدو أنهم جميع من قُتلوا في تصدي قوات الجيش للهجوم، الأمر الذي يثير التساؤل: أين جثث الـ24 الذين قال المتحدث إنه تم قتلهم؟، ثم أليس من المهم أن يحرص الجيش على نشر جميع صور القتلى للتدليل على نجاحه فعلًا وإظهار خسائر الطرف الآخر، بل التضخيم منها إذا لزم الأمر؟.

تاريخ من الشك

هذه الملاحظات المشككة في رواية المتحدث العسكري، تنسحب على مجموعة أخرى من الحوادث، التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

فبعد أسبوع واحد من عزله، نشر المتحدث العسكري، العقيد أحمد علي حينها، بيانًا أعلن فيه تعرض اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني، لمحاولة اغتيال أثناء تفقده بعض المواقع في مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء.

إلا أن صفحة المتحدث حذفت البيان في نفس اليوم، لتعيد الصفحة الرسمية لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة نشره.

لكن روايات عدة لشهود عيان روت حقيقة ما حدث، خلافًا للرواية التي تبنتها االشؤون المعنوية وتلك التي حذفها المتحدث العسكري.

مراسل جريدة “الشروق” في شمال سيناء “مصطفى سنجر”، أحد شهود العيان أكد أن بيان الجيش محاولة للتغطية على حادث مقتل طفلة برصاص الجيش عند نقطة تفتيش بمنطقة أبو طويلة رفض والدها التوقف نتيجة عدم حمله أوراق السيارة.

وعن هذه الطفلة، قال بيان الجيش: “أثناء قيام قائد الجيش الثاني الميداني بتفقد عناصر التأمين في منطقة الشيخ زويد قامت إحدى السيارات القادمة من المنطقة الحدودية برفح بإطلاق نيران كثيفة على عربة قائد الجيش، وعلى الفور قامت قوة التأمين المرافقة بالإشتباك مع العناصر الإرهابية المهاجمة وتمكنت من ضبط السيارة المستخدمة، والتى عُثر بداخلها على طفلة مصابة، تم نقلها إلى مستشفى العريش العام لتلقى الإسعافات اللازمة، حيث توفيت فور وصولها إلى المستشفى”.

اللافت أن تعديلًا طال البيان المنشور على صفحة الشؤون المعنوية تجاهل الطفلة تمامًا، حيث قال في الجزء الثاني من الفقرة السابقة: “.. وعلى الفور، قامت قوة التأمين المرافقة بالاشتباك مع العناصر الإرهابية وتم إلقاء القبض على قائد السيارة وهروب فرد آخر، وبتفتيش السيارة عثر بداخلها على عدد [2] مسدس ونظارة ميدان أمريكية الصنع”.

اللواء “أحمد وصفي”

الأردن وقطع غيار السيارات!

في 23 مايو 2016، نشر المتحدث العسكرى مجموعة من الصور قال إنها ترصد توجيه القوات المسلحة ضربات استباقية ناجحة ضد العناصر الإرهابية في سيناء.

ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من أبناء سيناء، كشفوا أن تلك الصور التقطت على الحدود الأردنية السورية عام 2014، الأمر الذي دفع المتحدث إلى حذف الصورة.

كما كشفت تقارير إعلامية، أن إحدى هذه الصور تعود إلى عملية عسكرية قصفت فيها المدفعية الأردنية سيارات حاولت اقتحام الحدود مع سوريا عام 2014، واستدلت على ذلك بـ تقرير نشره موقع “العربية نت” بتاريخ 16 أبريل 2014، وتضمن الصورة ذاتها.

وفي فبراير الماضي نشر المتحدث العسكري صورة تتضمن مجموعة من “قطع غيار السيارات” بوصفها أسلحة ضبطتها القوات المسلحة.

بيان المتحدث العسكري قال إن قوات إنفاذ القانون من الجيش الثالث الميداني واصلت مداهمة “البؤر الإرهابية” وملاحقة “العناصر التكفيرية” بمنطقة جبل الحلال بوسط سيناء وضبط العديد من الأسلحة التي كانت بحوزتهم.

الصورة أثارت حالة من الجدل الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بتعليقات ساخرة، بينما رد آخرون بأن تلك الأجزاء تستخدم في عمليات التفجير.

وعلى الرغم من حجم الانتقادات التي وُجهت لبيان المتحدث عبر تعليقات على المنشور الذي احتوى الصورة، إلا أنه لم يحذفها أو يوضح ملابسات نشرها على أنها أسلحة.

من ينسَ جهاز الكفتة؟

يبدو أن حذف المتحدث العسكري لبياناته بعد نشرها، ليس مقصورًا على العمليات العسكرية أو الهجمات التي يتعرض لها الجيش في سيناء، لكنها تتخطى ذلك إلى بيانات أخرى تتعلق بمساهمات الجيش في الحياة العامة بعد تصدره المشهد في أعقاب عزل مرسي.

في فبراير 2014، أعلن المتحدث العسكري حينها العقيد أحمد محمد علي، في بيان عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، أن الهيئة الهندسية بالجيش نجحت في ابتكار جهاز لعلاج فيروس الكبد “سي” و”الإيدز”.

وقدم الجيش اللواء إبراهيم عبدالعاطي، للرأي العام في مصر باعتباره صاحب الاختراع، وعرض التلفزيون الرسمي فيديو يتضمن رسمًا توضيحيًا للجهاز، وقال مخترعه في الفيديو الأشهر للقضية بالنص عن فكرة الجهاز: “بناخد الفيروس من المريض وارجعهوله صباع كفتة يتغذى عليه”، وله يعود المسمى الجماهيري المنتشر للمخترع وجهازه “جهاز الكفتة” و”عبدالعاطي كفتة”.

وبعد نحو عام ونصف اكتشف الجميع أن حملة التشكيك التي قادها عصام حجي المستشار العلمي للرئيس المؤقت عدلي منصور كانت على حق، فاتضح أن الأمر برمته كان مجرد خدعة.

وعلى الفور حذف المتحدث العسكري من على صفحته الرسمية جميع البيانات والصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالإعلان عن الجهاز وتصريحات “عبدالعاطي”.

اللواء “إبراهيم عبد العاطي”

كارثة “مكملين”

وكان الحدث الأبرز في سياق الحديث عن كذب روايات المتحدث العسكري، ففي أبريل الماضي أذاعت فضائية “مكملين” المعارضة تسريبًا عبارة عن مقطع مصور أظهر جنودًا من الجيش وهم يقتلون أشخاصًا عزلاً، قيل إنهم في سيناء.

لكن سبق وأن نشر كل من المتحدث العسكري ووزارة الدفاع صورًا لهؤلاء الأشخاص، قيل إنه تم القضاء عليهم في اشتباكات مع بؤر إرهابية.

قناة وزارة الدفاع على يوتيوب نشرت بتاريخ 5 نوفمبر 2016، مقطع فيديو، لما قالت إنه دخول “العملية الشاملة حق الشهيد مراحلها الحاسمة لاقتلاع جذور الإرهاب بمناطق مكافحة النشاط الإرهابى بشمال ووسط سيناء”.

المقطع المنشور على يوتيوب، أشار إلى نجاح قوات الجيش في “القضاء على 8 من العناصر التكفيرية المسلحة، خلال اشتباكات شهدت تبادلًا مكثفًا لإطلاق النيران مع قوات المداهمة”.

اللافت أن الصور التي عرضها الفيديو لهذه “العناصر التكفيرية” خلال المقطع الممتد من الثانية (34) إلى الثانية (44)، تضمنت صورة لأحد الشباب الذين تمت تصفيتهم في الفيديو المسرب بالفعل.

وعلى الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري على فيسبوك، وبتاريخ 6 ديسمبر 2016، نُشرت الصورة ذاتها في إطار جهود قوات الجيش في مكافحة الإرهاب بشمال سيناء، والقضاء على العناصر المسلحة الخطرة، فضلًا عن صورة أخرى لأحد الشباب الثلاثة الذين تمت تصفيتهم في الفيديو المسرب.