كتبه- هادي أحمد
سلط المحلل جيمس دورسي الأمريكي، الضوء على “التساؤلات” التي اعتبرها “بلا أجوبة” والتي تتعلق بحملة مكافحة الفساد، التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مطلع شهر نوفمبر الحالي، وأسفرت عن اعتقال أمراء ووزراء ورجال أعمال وصل عددهم لـ200 شخص.
وأوضح دروسي، الباحث متخصص في السياسات الدولية بجامعة نانيانج التقنية في سنغافورة، في مقال بصحيفة هاف بوست النسخة الأمريكية، الأسباب التي تدفع البعض لطرح هذه التساؤلات التي تغلب أن الهدف من الحملة هو توطيد الحكم وليس محاربة الفساد.
وإلى نص المقال
نحِّ جانبًا لبرهة التساؤلات التي تثيرها عملية التصدي للفساد، وحلل عمليات فشل أكبر 3 شركات سعودية، ستجد هناك تفسيرا واضحا للإجابة عن السؤال المطروح، وهو لماذ تبدو التحركات الأخيرة التي يقوم بها ولي العهد، أشبه بعملية استيلاء على السلطة والأصول، أكثر من كونها جهدا موثوقا للقضاء على الفساد.
محمد بن سلمان
فالاعتماد على العقود الحكومية كان السبب الجوهري لإعلان شركة “سعودي أوجيه” لإفلاسها، والتي يمتلكها أحد أعضاء العائلة المالكة وشريكه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وقرب احتضار شركة بن لادن.
وسداد الـ 22 مليار دولار لشركة أحمد حمد القصيبي وإخوانه كدِيونٍ، عصفت باثنين من المصارف البحرينية، بالإضافة إلى مجموعة سعد والقصيي المتعثرتين وتعد واحدة من أكبر الانهيارات المالية فى 2009 عام أزمة الائتمان العالمية، وكان السبب فيها سوء الإدارة ، والتمويل الحكومي ، وادعات الاحتيال والسرقة والتزوير.
مع ذلك، شركات مثل بن لادن وهاريس، كانت جزءا كبيرا من أعمال الشركة مع الشركات الحكومية، بيع أنابيب الصلب إلى شركة أرامكو السعودية، وكان ينظر إلى تسوية الانهيار بأكثر من 100 بنك ينظر إليه باعتبار الأمر اختبارا للمسثمرين الأجانب.
وبالنسبة لسعودي أوجيه وبن لادن السعودية فإن إلغاء التمويل الحكومي كان يعني إلغاء المشاريع والفشل، وكان لتخلف الحكومة أثر مضاعف، بما فى ذلك عدم قدرة الشركات على دفع أجور عمالها فى بلد تحظر فيه الاحتجاجات ، ومع ذلك أخذت الاحتجاجات طريقها إلى الشوارع.
سعد بن لادن و الملك سلمان
وأظهر الفشل ضعف الشركات الخاصة الكبرى فى الوقت الذي اضطرت فيه الحكومة وهي اللاعب الاقتصادي المهمين على الاقتصاد، إلى تنويع وترشيد وخفض التكاليف، وألقى فشل الشركات السابق الضوء على عدم وجود رقابة على حوكمة الشركات .
ومن المفارقات أن الغارة على قصر رئيس مجموعة سعد المليادرير الكويتي معن الصانع، جاءت قبل أسبوعين من اعتقال 200 شخصية بارزة فى المملكة خلال حملة مكافحة الفساد.
فتاريخ الشركات المضطربة، وكذلك احتجاز معن الصانع- الذي أصدر محمد بن سلمان أمرا شخصيا بتوقيفه ومسؤول آخر في إمارة منطقة الشرقية على صلة بالقضية- يخبر عن نظام يتجاوز الاعتماد على المشاريع الخاصة، فإن أفراد الأسرة الحاكمة متسأجرون للدولة منذ تأسيسها، وكانت مفاهيم تضارب المصالح غير موجودة .
ولم تدخل الشفافية والمساءلة فى المعادلة ولم يفرض ضرائب على الشركات أو الأفراد باستثناء الزكاة، وبدلا من ذلك فإن العقد الاجتماعي الذي يعيد صياغته الأمير محمد بن سلمان من جانب واحد ينطوي على الاستسلام الشعبي للحقوق السياسية، والالتزام بقانون اجتماعي صارم وقبول غياب الشفافية والمساءلة فى مقابل الرفاه من المهد إلى اللحد .
وعلى الرغم من مطالبة المواطنين بالمساهمة بشكل متزايد فى التحرك نحو أسعار السوق للخدمات وإدخال الضرائب غير المباشرة، مثل الطرق السريعة، فلا توجد مساءلة لميليارات الدولات المنتظر أخذها من نزلاء فندق “الريتز كارلتون” الذي تحول إلى سجن مذهّب، الذين يطلب منهم تسليم أموالهم إلى حسابات المالية مقابل حريتهم، ولكن السؤال ما الذي يحدث لتلك الأموال بعد نقلها للأرصدة الحكومية ؟ ما زال هذا غير واضح.
الوليد بن طلال
وبعبارة أخرى، فإن الشفافية والمساءلة لا تظهران فى تحركات محمد بن سلمان من أعلى لإسفل، وأكد مساعدو الأمير أن الاعتقالات جاءت نتيجة تحقيقات استمرت ثلاث سنوات تقريبا، ولم تعلن أي تفاصيل عن تلك التحقيقات ولم تأت نتائجها عبر استجوابات سلطات قضائية مستقبلة ذات مصداقية .
وهذا يوضح لماذا أعلنت الحكومة إنشاء لجنة لمكافحة الفساد برئاسة محمد بن سلمان قبل ساعات من شن حملة الاعتقالات، ولماذا يبدو أن مهامها فى المقام الأول هي ذراع إنفاذ القانون وليس وسيلة لإنشاء هيكل قانوني لمكافحة الفساد يحكم العلاقة التجارية بين الحكومة وأعضاء الأسرة الحاكمة، حيث تشمل صلاحيات اللجنة القدرة على احتجاز المشبته فيهم ومصادرة أموالهم وممتكاتهم ومنعهم من السفر .
إن الانطباع بأن الاستيلاء على السلطة والأصول، بدلا من مكافحة الفساد، هو ما دفع حملته للتطهير، عزز ذلك الرأي القائل إن الطريقة التي تمت بها الحملة تبدو أنها مصممة لتخويف نخبة المملكة، وتضع هذا الرأي موضع الاعتبار.
فلم يكن هناك مراسيم أو إجراءات فى مجلس الشوري أو المجلس الاستشاري فى البلاد لصياغة التشريعات وكذلك القواعد واللوائح التي من شأنها أن تخلق بنية لمكافحة الفساد وتحكم الطريقة التي تعمل بها الهئيات الحكومية ووضع نماذح لتحديد ومنع تضارب المصالح .
مجلس الشوري السعودي
وفي حين يمكن للبعض أن يجادل أن الأمير لو كان فعل الإجراءات السابقة فإن ذلك كان سيقوض العملية، لكن يرد عليه أن عمليات التحقيق والاعتقالات انتقائية وتعسفية .
حقيقة الأمر هي أنه فى البيئة المتساهلة التي كتبت فيها الخريطة الوراثية للممكلة عند تأسيسها كان من المحتمل أن يظهر عدد قليل من أفراد الأسرة الحاكمة بشيء فارق أو استثنائي.
كل هذا يتضح مما جري للنخبة على سبيل المثال الصانع الذي تم اعتقاله وكان من المفترض أن يؤدي ذلك لدق أجراس الخطر. وبدلا من ذلك اعتبرت الأسرة الحاكمة ومجتمع رجال الأعمال أمر اعتقال الصانع بمثابة حدث فردي يحدث كل فترة طويلة.
ويوضح أيضا لماذا قللت النخبة من شأن التهديد والوحشية التي أبداها ولي العهد وتحذيره أنه لن يهرب أي شخص يتورط فى قضية فساد بغض النظر عما إذا كان وزيرا أم أميرا.
ولكي ينظر إلى مكافحة الفساد على أن الدافع وراءها هو التطهير سيتعين على الأمير أن يقدم الإجراءات القانونية الواجبة للشفافية والمساءلة .
ومن الناحية النظرية، يعني استهداف جميع من يحتمل أنه تحت الشبهات يعد نهجا صعبا، إن لم يكن مستحيلا، يحتمل أن يشمل فيها الاشتباه العديد من الذين لم يكونوا محتجزين وليس بعضهم فقط. وبدلا من ذلك ينصح الأمير بالتركيز على التغيير الهيكلي والمؤسسي.
اضف تعليقا