بعد سنوات من الاعتقال التعسفي والمحاكمة السرية، شارك أخيرًا ناصر القرني نجل أستاذ القانون السعودي المعتقل والداعية عوض القرني ملف محاكمة والده ولائحة الاتهام الموجهة إليه مع صحيفة الغارديان، والتي حاولت السلطات السعودية إخفائها لسنوات قبل أن يتمكن ناصر من الفرار من المملكة وبالتالي إظهار هذه الوثائق للنور.

حسب الملفات التي شاركها ناصر واطلعت عليها الغارديان، يواجه الداعية عوض القرني خطر عقوبة الإعدام بسبب جرائم مزعومة تتعلق بامتلاكه حساب على تويتر واستخدام تطبيق المراسلة واتساب لنشر أخبار “تُعد معادية للمملكة”.

اعتقل القرني البالغ من العمر 65 عامًا في سبتمبر/أيلول 2017 ضمن حملة شرسة شنها محمد بن سلمان، الذي كان قد عُين قبل فترة وجيزة وليًا للعهد آنذاك، ضد المفكرين والعلماء والأدباء والنشطاء وكل النخبة السعودية التي تملك آراء مغايرة لتوجهاته، وهي حملة اعتبرها كثيرون بداية عصر جديد من القمع لم تشهده المملكة من قبل.

الملفات التي شاركها ناصر القرني بينت أن النيابة العامة تطالب بإعدام والده عوض القرني على خلفية استخدام تويتر وواتساب وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لكن حتى الآن لم تصدر المحكمة حكمها بعد.

يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه الهجمة الإعلامية الشرسة التي بدأت ضد القرني منذ اعتقاله قبل أكثر من خمس سنوات، إذ تصوره وسائل الإعلام التابعة للحكومة بأنه داعية متشدد ومصدر للإرهاب، رغم أفكاره الوسطية التي اشتهر بها طوال حياته وموثقة في كل ما ينشره عبر حساباته التي يتابعها نحو 2.5 مليون متابع.

النظام السعودية لديه خصومة شخصية مع وسائل التواصل الاجتماعي رغم الملايين التي يضخها للاستثمار في تلك الشبكات، لكن معظم المعتقلين لديه اعتقلوا وحُكم عليهم في الأساس لاستخدامهم تويتر وغيره من الشبكات الاجتماعية، مثل طالبة الدكتوراه في جامعة ليدز سلمى الشهاب، التي حكم عليها بالسجن لمدة 34 عامًا “لامتلاكها حساب على تويتر ولمتابعتها وإعادة تغريد المعارضين والناشطين”، وكذلك السيدة نورة القحطاني التي حُكم عليها بالسجن لمدة 45 عامًا لتهم مماثلة.

ضمت الملفات التي قدمها ناصر اعترافًا لوالده وهو يقول إنه “أدار حسابًا على تويتر باسمه الحقيقي عوض القرني للتعبير عن آرائه”، وأنه اعترف “بالمشاركة في محادثة على تطبيق واتساب شارك خلالها مقاطع فيديو أشاد فيها بالإخوان المسلمين”، كما اتهم أيضًا باستخدام تطبيق تليجرام في نفس الأغراض.

هذه الهجمة الشرسة التي يشنها النظام ضد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تأتي في وقت زادت فيه السلطات السعودية والشركات التابعة لها من حصصها المالية في تلك المنصات مثل تويتر وفيس بوك، أو شركات الترفيه مثل ديزني.

وحسب وثائق انتشرت قبل فترة فإن الأمير السعودي الوليد بن طلال أصبح ثاني أكبر مستثمر في تويتر بعد استيلاء إيلون ماسك على المنصة.

كما زاد صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية من حصته بشكل منفصل في Facebook و Meta ، الشركة التي تمتلك Facebook و WhatsApp.

تعليقًا على الأمر قالت جيد بسيوني،رئيس قسم الدفاع عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة ريبريف لحقوق الإنسان، إن قضية القرني مثال على التوجه التي تسلكه السلطات السعودية في التعامل مع من العلماء والأكاديميين الذين يواجهون عقوبة الإعدام بسبب تغريداتهم والتعبير عن آرائهم.

وردا على سؤال حول استثمار المملكة في فيسبوك وتويتر، قالت بسيوني: “السعودية تستثمر في تلك الشركات لأغراض خبيثة… استثمارات تتفق مع الطريقة التي يعملون بها تحت قيادة ولي العهد “.

وقالت بسيوني إن المملكة تسعى إلى إبراز صورة دولية للاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الحديثة والرياضة والترفيه، “لكن في الوقت نفسه ما يحدث على أرض الواقع يتناقض تمامًا مع هذه الصورة… نرى المدعي العام- بتوجيه من محمد بن سلمان – يدعو إلى قتل الناس بسبب آرائهم التي ينشروها ضمن التغريدات، أو يُقتلوا بسبب انخراطهم في محادثات عبر تطبيقات المراسلة!”.

عبد الرحمن السدحان، عامل الإغاثة والناشط السعودي، المحكوم عليه بالسجن المؤبد يُعد أحد أبرز الأمثلة على استخدام النظام السعودي لتويتر من أجل الإيقاع بالنشطاء، إذ جند موظفين هناك من أجل التجسس على بيانات المستخدمين.

من بين الذين استعان بهم النظام السعودي في اختراق تويتر والتجسس على المعارضين في الخارج بشكل عام هو السعودي أحمد المطيري (المعروف أيضًا باسم أحمد الجبرين)، اتُهم بالفشل في التسجيل كوكيل أجنبي عندما يُزعم أنه شارك في مؤامرة 2014-2015 لاختراق تويتر نيابة عن الحكومة السعودية وسرقة بيانات المستخدم السرية، ويعتبر هاربًا من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن تهرب من الاعتقال في الولايات المتحدة ويعيش حاليًا حياة طبيعية في الرياض ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة، كما أنه تلقى دعوة VIP لحضور حفل برعاية Netflix في حديقة الرياض الدولية، والتي هيئة الترفيه السعودية.

تعليقًا على هذه الدعوة، قال خالد الجبري نجل سعد الجبري: “إنه أمر مقيت أن يواجه أستاذ قانون بارز عقوبة الإعدام لاستخدامه تويتر بينما يتلقى أحد الهاربين من مكتب التحقيقات الفيدرالي دعوة لكبار الشخصيات برعاية Netflix لحضور حدث حكومي سعودي”.

المعارضون السعوديون في الولايات المتحدة تناقلوا أخبارًا هذا الأسبوع أيضًا تفيد أن إبراهيم الحصين -وهو سعودي كان يعيش في الولايات المتحدة وقبض عليه لمضايقته وتهديده نشطاء وناشطات سعوديين يعيشون في السعودية وكندا وإدلائه بمعلومات وبيانات كاذبة للمكتب الفيدرالي- رُحل إلى السعودية حيث يعيش الآن في أمان وسلام.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا