العدسة – أحمد عبد العزيز
سارعت القيادة القطرية على مختلف مستوياتها، لإدانة التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجدا في محافظة شمال سيناء بمصر، وراح ضحيته مئات الشهداء والمصابين، وهو الحادث الذي اعتبر الأكثر دموية في تاريخ البلاد.
فقد بادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بإرسال برقية عزاء إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يعرب فيها عن تعازيه لضحايا التفجير الإرهابي سائلا المولى عز وجل أن يتغمد الضحايا بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته، متمنيا الشفاء العاجل للمصابين.
الشيخ “تميم بن حمد”
كما أكد في برقيته على إدانة قطر واستنكارها الشديدين لهذه الجريمة الوحشية التي تتنافى مع كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية.
فيما أدان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، التفجير الإرهابي، معربا عن رفض بلاده الشديد لجميع الأعمال التي تستبيح الدماء والمقدسات وبيوت الله، وتزهق أرواح الأبرياء بلا ذنب، معتبرا أن الهجوم على مسجد الروضة في سيناء “مثير للاشمئزاز”.
الموقف القطري لم يكن بمستغرب، كونه يتسق مع الثوابت التي التزمتها دبلوماسية الدوحة تجاه الدول الأربع منذ إعلان المقاطعة والحصار في الخامس من يونيو الماضي، بالرغم من فجر الخصومة الذي تواجهه في كثير من الأحيان، وتدني وسائل الهجوم الذي لا يتوقف على القيادة القطرية وسياساتها.
فلم تتخل أبدا السياسة القطرية الخارجية عن الدماثة التي عرفت بها طوال الأزمة، وكانت كلما اشتد الأشقاء في الخصومة وبالغوا في القطيعة، ردت بقول لين وموقف نبيل، يكشف حرصها على الثوابت العربية، والروابط بينها وبين أشقائها رغم كل شيء.
“أصحاب واجب”
وسواء قبل المقاطعة أو بعدها، ظل القطريون على مواقفهم الراسخة لا يتغيرون لقول هنا أو موقف هناك، وباتوا كما يقول المصريون بالعامية “أصحاب واجب” يقفون دائما في الأزمات جوار الأشقاء متناسين ما يلاقونه من صلف المعاملة وجفاء الإخوة.
فقبل المقاطعة بأشهر قليلة، وبالرغم من الموقف المصري الرسمي المعلن تجاه الدوحة، والاتهامات الجزافية التي تكيلها وسائل الإعلام المصرية للقطريين، إلا أن ذلك لم يمنع وزارة الخارجية من إصدار بيان تعرب فيه عن تعازيها لضحايا الحادث الإرهابي الذي شهدته مدينة المنيا في شهر مايو الماضي، والذي استهدف حافلة تقل أقباطا ما أسفر عن سقوط 26 قتيلا و25 مصابا.
الشيخ “تميم بن حمد”
وعقب المقاطعة، وبرغم ما واجهه القطريون بعد تلك الفترة من هجوم ضارٍ لا يتوقف، إلا أنهم بادروا كذلك بتقديم العزاء للشعب المصري في ضحايا الحادث الذي استهدف قوات الشرطة المصرية بمنطقة الواحات، وأسفر عن استشهاد وإصابة عدد من رجال الشرطة.
وجددت وزارة الخارجية القطرية حينها، موقف الدوحة الثابت من رفض العنف والإرهاب مهما كانت الدوافع والأسباب، معربة عن خالص تعازيها لأسر الضحايا، ومتمنية للجرحى الشفاء العاجل
تحيا فرنسا !
وكانت من أعلى مراحل تجلي الأخلاق القطرية والتمسك بالثوابت العربية، هو ما حدث في انتخابات منظمة اليونسكو، التي تنافست فيها قطر مع مصر وفرنسا.
فعقب خروج المرشحة المصرية من المنافسة، أعلنت مصر صراحة مساندتها التامة والكاملة للمرشحة الفرنسية أودري اوزلاي بمنصب مديرة اليونسكو في مواجهة المرشح القطري، وفور إعلان النتيجة، انطلق أحد الدبلوماسيين المصريين صارخا “تحيا فرنسا وتسقط قطر”، في مشهد اعتبر فضيحة عربية بكل المقاييس أمام وسائل الإعلام الأجنبية.
فما كان من مندوب قطر الدائم لدى اليونسكو، علي زينل، إلا أن حاول تدارك الموقف على قساوته، سوى أن رد بكل هدوء وتماسك، بقوله “تحيا قطر وتحيا مصر وتحيا كل الدول العربية”، مؤكدا أن ما ورد على لسان أحد أعضاء البعثة المصرية هو مجرد “تصرف فردي لا يقاس عليه”.
ولفت “زينل” إلى أن الشعوب العربية ستبقى محبة لبعضها، حتى لو اختلف الساسة في تفاصيل السياسة، متمنيا ألا يقع العرب في فخ الكراهية، متابعا بقوله الذي وصفه كثيرون بالرد الراقي: “ليس لنا غنى عن بعضنا البعض، ولا يمكن أن يستغني أحدنا عن الآخر”، داعيا الشعوب العربية أن تدع السياسة للساسة بما فيها من مصالح وعداوات وصداقات.
كرم أخلاق
نفس النهج التزمته الدوحة في علاقتها مع السعودية، التي يعتبرها الكثيرون قائدة المقاطعة والراعية لها.
حيث بادر الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، إلى تقديم واجب العزاء للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في وفاة شقيقه الأكبر الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، الذي وافته المنية في شهر يوليو الماضي، في أوج الأزمة الخليجية.
حينها لم تنظر قطر إلى أي اعتبارات تتعلق بالمقاطعة أو الحصار أو الهجوم الدائم عليها في وسائل الإعلام السعودية، وتناست كل ذلك وتقدم لتثبت أنها لا تتنازل أبدا عن ثوابتها وأخلاقها الرفيعة.
بل إن الدوحة لم ترسل برقية واحدة، بل برقيتين، الأولى للملك، والثانية لولي عهد محمد بن سلمان، الذي لا يفتأ يهاجم قطر في المحافل الدولية، وكلما ظهر على شاشات التليفزيون حاول تحميل قطر كل أسباب تردي الأوضاع في المنطقة، بالرغم من وجود إجماع دولي على أن “بن سلمان” يقود المنطقة برمتها إلى الهاوية.
كما أدانت قطر الهجوم الإرهابي الذي استهدف قصر السلام بمدينة جدة في أكتوبر الماضي، وأسفر عن استشهاد رجلي أمن.
وجددت وزارة الخارجية القطرية حينها موقفها الثابت من رفض العنف والإرهاب مهما كانت الدوافع والأسباب، معربة عن تعازيها لأسر الضحايا، وتمنياتها للجرحى بالشفاء العاجل.
” سلمان وبن سلمان “
دبلوماسية رفيعة
أما عن مواقفها من الإمارات، التي ربما لم تبالغ أي دولة في الدول الأربع في مقاطعتها لقطر وفي فجر خصومتها كما فعلت الإمارات، فإن الدوحة التزمت أيضا حيالها بالأخلاق الرفيعة والأصول التي يجب مراعاتها بين الأشقاء.
ففي الوقت الذي كانت الدول الأربع تحاصر فيه الدوحة، وتفرض عليها حصارا بريًّا وجوريًّا وبحريًّا، رفضت قطر أن تقطع إمدادات الغاز إلى الدول الخليجية وعلى رأسها الإمارات.
حيث أبقت الدوحة على خط الأنابيب الرابط بين الدولتين تحت سطح البحر، والذي تديره شركة “دولفين للطاقة”، ويمتد على مسافة 364 كيلومتر، من رأس لفان في قطر إلى أبو ظبي في الإمارات.
ويحمل هذا الخط نحو ملياري قدم مكعب من الغاز يوميا، ويلبي نحو 30% من الاحتياجات الإماراتية للطاقة، وهو ما رفضت قطر أن تستخدمه كورقة ضغط بالرغم من عدالة قضيتها، وبالرغم من أنها تبيع الغاز للإمارات بسعر أقل بكثير من السوق العالمي.
اضف تعليقا