العدسة – مؤيد كنعان
لماذا فاز مرتضى منصور برئاسة نادي الزمالك المصري مجددا؟، هذا السؤال بصيغته المباشرة لا يزال يتردد حتى الآن بين أوساط محللين سياسيين ورياضيين، باعتبار أن مرتضى كان يمثل حالة أكبر من مجرد رئيس نادي رياضي، لكنه كان أيقونة للإلهاء كان يتم توظيفها سياسيا على أعلى المستويات، وفقا لكثيرين.
مرتضى، الذي كان قد أثار كثيرا من الغضب داخل نادي الزمالك، بسبب كثرة معاركه ضد الخصوم وحتى الرفقاء، وانفعالاته السريعة، بالإضافة إلى تراجع نتائج فريق الزمالك بالبطولات المحلية والقارية، توقع كثيرون خسارته هذه المرة، لا سيما أن تحليلات ظهرت عن تبرم وضيق أصاب جهات رسمية بالدولة منه، بسبب تعدد معاركه وإثارته أزمات كثيرة، وإن كان الأمر الأخير تحديدًا يشار إليه على أنه مصلحة لأجهزة سيادية يهمها باستمرار خلق دائرة أزمات تشعل الرأي العام بعيدا عن السياسة ونظام الحكم والأوضاع الاقتصادية.
إثارة الجدل
قد يكون “مرتضى” قد أدَّى دوره باقتدار، منذ فوزه برئاسة نادي الزمالك، في مارس 2014، حيث اشتهر بإثارة الجدل بشكلٍ دوري، ورافق ذلك تهديدات مستمرة منه لخصومه بأشياء تتجاوز الإجراءات القانونية والإدارية الطبيعية، فكان دائماً حديث “مرتضى” عن المفاجآت والملفات السرية الورقية والرقمية (سيديهات) وتوعُّده بتدمير خصومه بشكلٍ تام، حتى لا يبقى لهم أثر.
بحسب محللين، فإن مرتضى هو إحدى أبرز تجلّيات مرحلة ما بعد 3 يوليو 2013، بدايةً من ترشحه العبثي لمنصب رئاسة الجمهورية، ثم انسحابه الأكثر عبثية من السباق وتأييد “الفريق” السيسي بعدما شاهد في منامه ضابطي جيش يركبان معه حافلة نقل عام إلى منطقة “فم الخليج”، وأخبرانه أنهما متوجهان إلى منطقة مصر القديمة وليس مصر الجديدة.. حتى رواية المنام نفسها كانت عبثية ولا تُفسِّر سبب انسحابه.
وعلى مدار 4 سنوات، منذ استلامه رئاسة “الزمالك”، كان “مرتضى” دائماً ضيفاً في ميادين لا علاقة لها بالرياضة، استمرَّ في تشويه خصوم السيسي ومعارضيه، ورفع الدعاوى القضائية عليهم، أعلن الحرب على روابط “الألتراس”، واعتبرهم إرهابيين يجب استئصالهم، الغريب أن حملة “مرتضى” توافقت في التوقيت مع حملة لأجهزة الدولة ضد تلك الروابط، وصولاً إلى الذروة، حينما وقعت مجزرة ستاد الدفاع الجوي، فبراير 2015، عندما وقع 22 قتيلاً من مشجّعي الزمالك أمام بوابات الاستاد، بعد إطلاق الداخلية قنابل الغاز عليهم.
حرص “مرتضى” على تَبنِّي الرواية الرسمية للداخلية عقب الحادث، محمِّلاًّ المسؤولية للضحايا، والذين قالت الداخلية: إنهم كانوا مجموعة من مثيري الشغب الذين كانوا يريدون دخول الاستاد بدون تذاكر، وأنهم لقوا مصرعهم بسبب التدافع، وليس بسبب إطلاق قنابل الغاز، وبادَر “مرتضى” بإيقاف اللاعب “عمر جابر”، كعقاب له، بعدما رفض المشاركة في مباراة المجزرة بين “الزمالك” و”إنبي”؛ احتجاجاً على سقوط الضحايا.
” مرتضى منصور “
الداخلية ضد مرتضى
عندما ترشح أحمد سليمان، عضو مجلس إدارة الزمالك ومدرب حراس المرمى السابق بالمنتخب المصري الأول، تكاثرت التحليلات عن احتمالية وجود رسالة قاسية قررت أجهزة بالدولة توجيهها إلى مرتضى، من قبيل “شد الأذن” لكيلا يخرج عن دوره المرسوم، واستندت تلك التحليلات إلى كون “سليمان” ضابط شرطة لا يزال في الخدمة برتبة “عميد”، وهناك روايات متداولة، غير رسمية، عن أن “سليمان” كان يعمل بجهاز أمن الدولة في عهد مبارك، وبعد الثورة اتهمه معتقلون سابقون بتعذيبهم داخل مقرات الجهاز.
في 22 يوليو الماضي، أعلن “سليمان”، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، موافقة وزارة الداخلية على ترشحه لرئاسة “الزمالك”، بل إن الوزارة وافقت أيضاً على منحه إجازة رسمية من عمله حتى موعد انتهاء انتخابات النادي؛ حتى يتفرَّغ لها.
الخطوة السابقة دفعت البعض لاعتبارها محاولة من الداخلية لمساعدة “سليمان” على التركيز والتفرغ لإدارة الحملة الانتخابية الخاصة به ومنافسة مرتضى، بما يعد ضوءا أخضر من الوزارة لدعمه.
“أحمد سليمان” منافس مرتضى منصور
نجل مرتضى
تحليلات أشارت إلى أن مرتضى حاول الخروج عن النص، سواء بقصد أو بدون، مما استدعى “شدة أذن” أولية من الأجهزة السيادية التي أوعزت بإحياء مسألة الفوز الشائك الذي حققه نجله أحمد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بدائرة الدقي، التابعة لمحافظة الجيزة، وبالفعل تدحرجت الكرة حتى تم استصدار حكم ببطلان عضوية نجل مرتضى، وفوز منافسه عمرو الشوبكي، وإن كان القرار لم يتم تنفيذه حتى الآن.
وفي 7 نوفمبر الجاري، رفض البرلمان 6 طلبات مقدمة من النائب العام بالإذن باتخاذ الإجرءات الجنائية ورفع الحصانة ضد النائب مرتضى منصور، في عدة فى القضايا أرقام 4578، و2891، و3335، و6297، و3334، و4889 لسنة 2016 إدارى العجوزة، والمقيدة بأرقام 220، 213، 215، 234، 238، 237، لسنة 2016، واعتبر أن الشكاوى المتعددة ضد “مرتضى” كيدية.
“أحمد مرتضى منصور”
انتخابات الزمالك
ماذا حدث في انتخابات الزمالك؟ وهل تراجعت “الأجهزة” عن “قرار” الإطاحة بمرتضى؟
خلال اليوم الأول للانتخابات ذهبت المؤشرات إلى تقدم كبير لقائمة أحمد سليمان، لكن اليوم الثاني شهد أحداثا دراماتيكية تمثلت في اشتباكات بين مجهولين قال مرتضى إنهم من أولتراس وايت نايتس وأتى بهم أحمد سليمان لإفساد الانتخابات، مما أدى إلى حالة غضب بين الناخبين من “سليمان”، بالإضافة إلى اشتباكات أخرى بين محسوبين على قائمة مرتضى وآخرين على قائمة سليمان، قبل أن ترفض اللجنة القضائية طلبا لـ “سليمان” بالتصويت خلال اليوم الثاني في الصناديق الانتخابية التي تم التصويت فيها باليوم الأول، وبررت اللجنة قرارها بأن ذلك سيكون مخالفا للوائح ويبطل الانتخابات، مما حدا بـ “سليمان” إلى التحدث عن تزوير للانتخابات لصالح مرتضى.
وبعد نهاية اليوم الثاني وعمليات الفرز تم إعلان النتيجة بفوز مرتضى بفارق كبير عن “سليمان”، لكن اللافت أن الأخير أصدر بيانا بلغة هادئة، شكر فيها من صوت له ومن لم يصوت له، ولم يتحدث عن تزوير أو انتهاكات.
التحليل الأبرز حول تلك اللغة الهادئة هو أن “سليمان” شعر بالرضا جزئيا بعد فوز هاني العتال، المحسوب على قائمته، بمنصب نائب الرئيس، مطيحا بنجل مرتضى، مما جعل مرتضى يستشيط غضبا، ويؤكد أنه لن يتم انعقاد مجلس إدارة الزمالك، في ظل حضور العتال، بسبب اتهامه بالتزوير في عضويته، وكذلك فاز عبد الله جورج، خصم مرتضى اللدود بعضوية مجلس الإدارة، وهو من قائمة سليمان.
” هاني العتال “
ما سبق أشار بالفعل إلى حالة فوز درامي لم يكن متوقعا لمرتضى، خاصة أن تصريحات أحمد سليمان، قبيل ساعات من انطلاق الانتخابات، كانت تؤكد الثقة في “فوز كاسح”.
فائز محاصر
وبغض النظر عن تفاصيل التحول الغريب يبقى التحليل الأبرز هو أن مرتضى لا يزال مرغوبًا به لدى أجهزة الدولة، خلال الفترة المقبلة، لكن رسالة أخرى وصلته بوضوح، بعد فوز “العتال” و “جورج” بأن فترة بقائه وبيده كافة مفاتيح القوة والسيطرة قد انتهت، وأن عليه أن يؤدي دوره دون خروج عن النص هذه المرة، خاصة أن المرحلة المقبلة شديدة الحساسية للنظام، في وقت يستعد فيه لتمرير فترة جديدة للسيسي كرئيس للبلاد، وقد يطلب من “مرتضى” تكثيف حالة الإلهاء التي يعرف كيف يصنعها باقتدار خلال الأسابيع المقبلة.
اضف تعليقا