العدسة – منذر العلي
يبدو أن العمل يجري على قدم وساق، من أجل المضي قدمًا في تنفيذ “صفقة القرن”، بل لا يبالغ أحدهم حين يقول: إن أمريكا والقوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر، تضع اللمسات الأخيرة لإتمام الصفقة.
تلك الصفقة باختصار – يتم تفصيله لاحقًا – تتضمن توطين الفلسطينيين في أجزاء من سيناء مقابل ترك الضفة الغربية بأكملها للاحتلال، على أن تحصل مصر على أراض أخرى بالنقب المحتل.
بداية يستلزم تنفيذ الصفقة إخلاء مدن محافظة شمال سيناء من أهلها، لتكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين، بجانب قطاع غزة، وهو ما بدأ تنفيذه بالفعل عام 2014، بإخلاء المنطقة الحدودية المحاذية للقطاع في رفح المصرية.
حادث الروضة الإجرامي، جدد الحديث حول تلك الصفقة، بعد المطالبات والدعوات التي انطلقت على استحياء لإخلاء العريش من سكانها، على غرار رفح والشيخ زويد، للقضاء على الإرهاب.
ولعل ما يلفت الأذهان في أعقاب الحادث تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ولو لم يتطرق صراحة إلى الصفقة، لكنه يشير إلى اهتمام واسع يبديه الرجل بالملف، دليله السرعة التي تفاعل بها مع التفجير بوتيرة أعلى مقارنة بأحداث أخرى دموية في مصر وغيرها.
صفقة القرن وخليفة مبارك!
في يناير 2010، أنهى مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، عرض المشروع الإسرائيلى المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، في إطار دراسة أعدها لصالح مركز “بيجين-السادات” للدراسات الإستراتيجية، بعنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.
الدراسة التي نشرت تفاصيلها تقارير إعلامية في حينه، تقوم على اقتطاع 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء للدولة الفلسطينية المقترحة، تبدأ من الحدود المصرية مع غزة وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على مساحة مماثلة داخل صحراء النقب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تخلو الضفة الغربية بالكامل للاحتلال.
ترتكز الخطة على تحويل غزة إلى مدينة اقتصادية عالمية، على غرار “سنغافورة” بعد زيادة مساحة شريطها الساحلي، مقابل إغراء مصر بمكاسب اقتصادية ضخمة لتحكمها في شبكة الحركة البرية والجوية والبحرية التي ينتظر أن تربط تلك الدولة الفلسطينية بمصر والأردن والعراق ودول الخليج أيضًا.
ما أسماه الجنرال “أيلاند” – الموصوف بأحد القريبين من دوائر صنع القرار في إسرائيل – تسوية إقليمية، تجبر 22 دولة عربية على حل القضية الفلسطينية، ويُظهر خطته وكأنها ملائكية هدفها الأول والأخير تحويل فلسطين إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”.
اللافت في الدراسة التي نُشرت تفاصيلها، أن مسؤولًا رفيعًا ومؤثرًا في الإدارة الأمريكية حينها سبق وأن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلي، قال للمسؤولين في تل أبيب: “انتظروا عندما يأتى وريث مبارك”.
وبطبيعة الحال بعد ثورة 25 يناير، ووصول الإخوان المسلمين إلى كرسي الرئاسة عبر الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2012، لم يكن بمقدور الاحتلال المضي قدمًا في التنفيذ، لكن لعل مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي أنعش الآمال في أنه سيكون “وريث مبارك” المقصود.
تلك النتيجة يمكن استخلاصها من تصريح أدلى به السيسي خلال زيارته إلى أمريكا ولقائه ترامب في أبريل الماضي، حينما قال: “ستجدنى بكل قوة ووضوح داعمًا لأى مساعٍ لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها”.
مباشرة اتجهت أغلب التحليلات السياسية إلى الربط بين الصفقة التي قصدها السيسي وبين خطة التسوية الإسرائيلية، على اعتبار أن مصر تتحمل العبء الأكبر في التنفيذ.
مصر “عراب” الصفقة
على الرغم من أن الدراسة كشفت أن عملية الانسحاب الأحادي الإسرائيلي من قطاع غزة عام ٢٠٠٥، هي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، إلا أن العبء الأكبر في تنفيذ بنود خطة التسوية يقع على كاهل مصر.
وبمجيء السيسي، بدأ العمل في اتجاهين متوازيين، أولهما: إكمال ما تبقى من الضغط على حركة حماس، التي كانت قبل أيام تحكم قطاع غزة، بحيث يدفع القضية الفلسطينية باتجاه قبول الأمر، أما الاتجاه الثاني، وهو الأصعب، يتمثل في إخلاء شمال سيناء من سكانها، تحت دعاوى مكافحة الإرهاب.
ويبدو أن الاتجاه الأول قد اقترب من تحقيق مهمته بنجاح كبير بعدة خطوات وإجراءات اضطلعت بها القاهرة ربما على محورين، الأول: الضغط على حماس لإصدار وثيقتها السياسية الجديدة في أول مايو الماضي، التي قبلت فيها، وللمرة الأولى في تاريخها، بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
المحور الثاني: كان في التفاهمات الأمنية الشاملة مع الحركة، والتي تجلت في توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية أكتوبر الماضي، وفق عدة بنود أبرزها انتقال حكم القطاع والسيطرة على معبر رفح الحدودي مع مصر إلى السلطة الفلسطينية.
لكن يبدو أن حماس ستمثل معضلة أمام هذا التوجه، حيث أعلنت رفضها صراحة على لسان عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق، بقوله: إن “صفقة القرن لن تمر مهما ساءت الأوضاع الإقليمية، وانشغل الإقليم بنفسه”.
أما الاتجاه الثاني، الذي جدد حادث الروضة الجدل بشأنه، هو ذلك القاضي بإخلاء سيناء من سكانها، وقد بدأ فعليًّا على وقع الهجمات التي تشنها تنظيمات مسلحة في سيناء، بإعلان مصر في أكتوبر 2014 إقامة منطقة عازلة بطول 13.5 كيلومترًا وعمق 500 متر على الحدود مع قطاع غزة، تم توسيعها لتصل إلى عرض كيلومتر في ديسمبر من العام نفسه.
في أكتوبر الماضي، أعلن اللواء عبد الفتاح حرحور، محافظ شمال سيناء، بدء تنفيذ المرحلة الثالثة بإخلاء وإزالة المباني والمنشآت الواقعة على بعد كيلو متر من الحدود الدولية مع قطاع غزة، ولمسافة 500 متر، تمهيدًا لإقامة المنطقة العازلة، لتصبح إجمالي مساحة المنطقة في عمق سيناء 1500 متر مربع.
وفي يوليو كشفت تقارير إعلامية، أن السلطات المصرية وسّعت سرًّا مساحة المنطقة المشمولة بالإخلاء، لتضم أجزاء من مدينة الشيخ زويد، على وقع مكافحة الإرهاب أيضًا، الأمر الذي أجبر الأهالي على الرحيل صوب مناطق العريش وبئر العبد.
هذه العملية استنكرتها تقارير حقوقية، قالت: إن “التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم”.
ولمزيد من التوضيح بشأن ما تبقى من مناطق تضمنتها صفقة القرن ولم يتم إخلاءها بعد، نعود إلى تفاصيل الصفقة، حيث تضمنت خطة الجنرال الإسرائيلي “جيورا أيلاند” 3 بنود رئيسية، أولها نصه: تتنازل مصر عن ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول ٢٤ كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربًا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله إلى ٣٠ كيلومتراً من غرب “كرم أبوسالم”، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، وهذه الأراضي (٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) التى سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ ٣٦٥ كيلومتراً مربعاً فقط”.
وبالتالي فإن مدينة العريش تبدو الهدف القادم لعملية التهجير، الأمر الذي يمكن أن يفسر إلى حد كبير طبيعة المطالبات والدعوات التي انطلقت في أعقاب مجزرة الروضة لإخلاء العريش من سكانها.
اضف تعليقا