محمد بن سليم… أصبح هذا الاسم يتردد مؤخرًا في الساحة الرياضية وفي عناوين الأخبار الرئيسية لكبرى الصحف العالمية الإخبارية والرياضية.

الإماراتي محمد بن سليم هو رئيس الاتحاد الدولي للسيارات الحالي، وهو أول رئيس “غير أوروبي” يشغل هذا المنصب منذ نشأة الاتحاد عام 1904، ورغم أن وصوله لهذا المنصب هو انجاز في حد ذاته، لكنه الآن يحاول زعزعة استقرار الاتحاد، بل والرياضة بأكلهما بسلسلة من القرارات والتصريحات المثيرة للجدل والمسيئة للحقوق والحريات.

في البداية، تصدر اسم محمد بن سليم العناوين بعد القرار المشين الذي أصدره الاتحاد بحرمان المتسابقين من الإدلاء بأي تصريحات سياسية، في اعتداء واضح وصريح على حقهم في التعبير عن آرائهم بحرية، واليوم عاد اسم محمد بن سليم مجددًا إلى الواجهة بعد أن نشرت صحف بريطانية تعليقات سابقة لرئيس الاتحاد الدولي للسيارات وهو يسيء للمرأة وينتقص من شأنها، إذ نشر عبر موقعه السابق أنه “لا يحب النساء اللواتي يعتقدن أنهن أذكى من الرجال”.

الاتحاد الدولي للسيارات حاول تبرئة ساحة رئيسه من هذه التعليقات التي لا يمكن إنكار أنه قائلها، لكن الاتحاد قال مؤخرًا إن هذه التصريحات “لا تعبر عن معتقدات بن سليم”، والسؤال الآن إن كان بن سليم هو من أدلى بها وعبر منصته الرسمية، فكيف لا تكون معتقداته، معتقدات من إذًا؟

الاتحاد أيضًا حاول التأكيد على أن بن سليم من أشد المناصرين للمرأة والمساواة بين الجميع، بل من أشد المناصرين للحريات بشكل عام، وهو أمر يتنافى كليًا مع قراره الأخير الذي قضى بمعاقبة أي متسابق أو كيان تابع للاتحاد يدلي بتصريحات سياسية أو حقوقية ما لم يحصل على إذن كتابي!

في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر الاتحاد الذي يرأسه محمد بن سليم، قرارًا بحظر التعبير عن أي آراء سياسية أو الادلاء بتصريحات في أي قضايا عامة ومن يفعل ذلك من السائقين أو ممثليهم يجري معاقبته وتغريمه.

القرار واجه موجة انتقادات واسعة النطاق، سواء على مستوى الجماعات الحقوقية أو حتى السياسيين والمشرعين، إذ نُظر إليه على أنه وسيلة لحماية النظامين السعودي والبحريني من أي انتقادات حقوقية قد تُوجه إليهم من قبل المتسابقين، خاصة وأن السير لويس هاميلتون- البطل البريطاني في سباقات الفورمولا 1- سبق وانتقد الوضع الحقوقي في تلك البلدان وطالب بتحسين الأوضاع وأعلن عن تضامنه الكامل مع السجناء السياسيين في البحرين.

في وقت سابق من هذا الأسبوع وجه معهد البحرين للحقوق والديمقراطية  (BIRD) رسالة انتقاد شديدة اللهجة إلى رئيس الاتحاد الدولي للسيارات محمد بن سليم، والرئيس التنفيذي للفورمولا 1 ستيفانو دومينيكالي، وجميع الفرق المشاركة في البطولة اعتراضًا على القرار الأخير الصادر عن الاتحاد بحرمان السائقين من التعبير عن رأيهم في أي قضية عامة سياسية أو غير سياسية.

واتهم المعهد القائمين على تنظيم البطولة بـ “قمع حرية السائقين في التعبير عن رأيهم”، بعد أن اشترط الاتحاد “حصول على إذن كتابي من الإدارة أو السلطات الوطنية ذات الصلة قبل الإدلاء بأي تصريح متعلق بقضايا سياسية أو دينية أو شخصية وإلا اعتبر التصريح انتهاكًا لمبدأ الحياد المتبع في البطولة”.

وفي رسالته قال سيد أحمد الوداعي مدير المعهد إن “القرار الأخير للاتحاد الدولي للسيارات يستهدف بوضوح السائقين مثل لويس هاميلتون الذي استخدم منصته للتعبير عن دعمه لحركة Black Lives Matter ، وكذلك لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان المضيفة للبطولة وتمتلك سجلات حقوقية سيئة مثل البحرين والمملكة العربية السعودية”.

في سياق متصل، أدان مجلس اللوردات في البرلمان البريطاني رد الفعل السلبي لرئيس الاتحاد الدولي للسيارات الإماراتي محمد بن سليم تجاه الدعوات الحقوقية المتصاعدة المطالبة بإلغاء القرار الأخير القاضي بحرمان المتسابقين من التعبير عن آرائهم بحرية أو الإدلاء بأي تصريحات في مواضيع سياسية أو حقوقية.

وفي رسالة وُجهت إلى بن سليم، عبر بول سكريفن -عضو مجلس اللوردات- عن استيائه من تجاهل بن سليم لمراسلات مجلس اللوردات وغيرها من الكيانات السياسية والحقوقية والمطالبين بتقديم الاتحاد مزيدًا من الالتزام تجاه حقوق الإنسان.

وأوضح سكريفن أنه كان واحدًا من 90 مشرعًا كتبوا إلى الهيئة الإدارية لسباقات السيارات في مارس/آذار الماضي للتعبير عن عدم ارتياحهم بشأن الآثار المترتبة على حقوق الإنسان بعد تنظيم سباق الفورمولا 1 في دول الخليج، مؤكدًا أن هذه السباقات أصبحت جزءًا من عملية “غسيل رياضي” واضحة.

محمد بن سليم لم يسيء للمرأة فقط في تصريحاته، بل أساء مؤخرًا لقيمة الرياضة التي من المفترض أنه يرأس اتحادها، إذ قال إن العرض السعودي لشراء بطولة فورمولا 1 “مبالغ فيه” في تقليل لقيمة اللعبة، أو ربما في إعلان صريح عن عدم احترامه لها أو عدم تقديره لها بالطريقة المطلوبة.

وكانت المملكة العربية السعودية قد تقدمت بعرض بقيمة 20 مليار دولار لشراء الحقوق التجارية لبطولة فورمولا1 من المالك الحالي للحقوق شركة “ليبرتي جروب”، لكن بن سليم غرد معلقًا على العرض: “بصفتي أمينًا على رياضة السيارات فإن الاتحاد الدولي للسيارات أيضًا بصفته منظمة غير ربحية يتوخى الحذر بشأن قيمة الصفقة البالغة 20 مليار دولار التي يتم طرحها لشراء الفورمولا 1 وهو رقم مبالغ فيه… من واجبنا أن نفكر في التأثير المستقبلي لهذه الأسعار على المروجين من حيث زيادة رسوم الاستضافة والتكاليف التجارية الأخرى وأي تأثير سلبي يمكن أن يكون له على مشجعي الفورمولا 1”.

تصريحات محمد بن سليم غير منطقية، فلا يمكن لشخص أن يرفض صفقة بهذه القيمة، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع طبيعة ونوايا العرض، وهو في منصب قيادي وسيناله بالتأكيد بعض المزايا، التفسير المنطقي إما أنه لا يحترم اللعبة، أو أنه يطمح أن تُعقد الصفقة من خلاله طمعًا في عمولة أكبر، لكن أن يرفضها بحجة أن العرض “مبالغ فيه” هو أمر غير منطقي بالمرة ويثير تساؤلات كثيرة حول حقيقة نواياه وطبيعة عمله.