كتبه- منذر العلي

استقالة وزير أطفأت نارًا ظلت مشتعلة على مدار أسابيع في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، شهدت مواجهات دامية بين تجمعات إسلامية والشرطة.

انطلقت شرارة الأزمة بعد تعديل أجرته الحكومة على القسم البرلماني أزال التأكيد على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، واستبدل لفظ “أقسم” بـ”أعتقد”.

ورغم تراجع الحكومة عن التعديل وتأكيدها أن ما وقع لا يتعدى كونه خطأ مطبعيًّا تم تعديله، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لإنهاء الغضب الذي عبرت عنه حركات ومجموعات إسلامية في مقدمتها حركة “لبيك يا رسول الله”، حيث طالبت بإقالة وزير العدل الباكستاني زاهد حامد، الذي تتهمه بالوقوف خلف التعديلات المسيئة.

جانب من الاعتصام

استقالة تنهي الأزمة

اليوم الاثنين 27 نوفمبر، قدّم وزير العدل الباكستاني استقالته لرئيس الوزراء إثر اتفاق بين الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، وبموجب هذا الاتفاق سينهي أتباع حركة “لبيك يا رسول الله” الاعتصامات التي يقومون بها.

Image result for ‫وزير العدل الباكستاني‬‎

وزير العدل الباكستاني

وقالت الحركة إنها ستلغي احتجاجها المستمر منذ أسابيع، بعد أن وافقت الحكومة على مطالبها، بينما أُعيد فتح الطرق وبدأت الشرطة في العودة إلى مراكزها، وبدأت الحياة تعود للعاصمة إسلام آباد شيئًا فشيئًا.

وأوضح المتحدث باسم الحركة “إعجاز أشرفي” أن المطلب الرئيس للحركة تحقق، مضيفًا “الحكومة ستعلن استقالة وزير العدل وسننهي اعتصامنا اليوم”.

وعمت الاحتجاجات عدة مدن باكستانية رئيسية من بينها العاصمة إسلام آباد والعاصمة التجارية كراتشي ولاهور، وأسفرت عن مقتل 7 وجرح مائتين، بينهم على الأقل 50 مدنيًّا و60 شرطيًّا، و45 فردًا من فيلق الحدود الباكستاني، وتوقيف 150 متظاهرًا على الأقل.

وفشلت الشرطة التي حشدت نحو 8500 من عناصرها في فض الاعتصامات، بينما أعلن الجيش الباكستاني، السبت الماضي، استعداده للتدخل لمساعدة الحكومة.

Image result for ‫اعتصام باكستان‬‎

تعامل الشرطة مع الاحتجاجات

وقال موقع “داون” الباكستاني باللغة الإنجليزية: إن الجيش بعث برسالة رسمية لوزارة الداخلية، يعلن استعداده للتعاون مع قوات الأمن وفقًا للمادة 245 من الدستور، بهدف حماية أرواح وممتلكات مواطني روالبندي وإسلام آباد.

وبينما أعادت الغرفة الثانية من البرلمان الباكستاني الأسبوع الماضي، قسم النواب إلى سابق عهده، وقدّم وزير العدل اعتذاره الرسمي للمواطنين، استمر أنصار الجماعة الدينية في اعتصامهم مطالبين بعزل الوزير.

لبيك يا رسول الله

“لبيك يا رسول الله” جماعة منبثقة عن حزب “تحريك لبيك باكستان” تنتمي عقائديًا للطائفة البريلوية الصوفية، تقول إن هدفها هو جعل باكستان دولة إسلامية، تحكم وفق الشريعة الإسلامية.

تأسست الجماعة أول أغسطس 2015 في نيشتار بارك في مدينة كراتشي جنوب البلاد، وبرزت في البداية كـ “حركة اجتماعية سياسية إسلامية” كما ورد بموقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.

وتشكلت “لبيك يا رسول الله” إثر اجتماع ضم 75 شخصًا شاركوا بمؤتمرها الأول وأصبحوا أعضاء بها.

Image result for ‫جماعة لبيك يا رسول الله‬‎

جماعة لبيك يا رسول الله

ولد حزب “تحريك لبيك باكستان” من رحم احتجاج حركة مؤيدة لممتاز قدري، وهو حارس شخصي لحاكم إقليم البنجاب قام بقتل سيده عام 2011، بسبب دعوته لإصلاح القوانين الصارمة ضد الإساءة للإسلام، فتم إعدامه.

وحقق الحزب بزعامة خادم حسين رضوي نتيجة قوية في آخر انتخابات فرعية أجريت في بيشاور بشمال غرب باكستان، إذ حصل على 7.6% من الأصوات.

الطائفة البريلوية المرتبطة بالصوفية، نشأت في الهند ثم امتدت إلى باكستان وبنجلاديش، وتُعرف بغلوها في تقديس ذات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أتباعها بأن الرسول والأولياء لهم قدرة على التحكم في الكون.

ومن منطلق عقيدتهم تلك، يهتم أتباع الطائفة البريلوية كثيرًا بزخرفة محاريب المساجد، ويجمعون تبرعات خاصة لها قد تستمر سنوات طويلة يطوف خلالها أبناء الطائفة داخل وخارج باكستان.

Image result for ‫مساجد الطائفة البريلوية في باكستان‬‎

مساجد الطائفة البريلوية في باكستان

وتقول الجماعة في موقعها على شبكة الإنترنت إن هدفها هو جعل باكستان دولة إسلامية، تحكم وفق الشريعة الإسلامية من خلال “عملية قانونية وسياسية تدريجية”.

كما تدعو لضرورة أن تعتمد باكستان على ذاتها، وألا تجعل اقتصادها رهينة للمقرضين والمانحين الدوليين، لكن دون أن تعزل نفسها عن الاقتصاد العالمي، كما تقول إنها ملتزمة بـ “استعادة السيادة السياسية والاقتصادية لباكستان من خلال بناء رابطة ثقة جديدة بين الحكومة والشعب”.

صوفية باكستان

ويقدر عدد أتباع الصوفية ببضعة ملايين في باكستان، ويعيش معظمهم في إقليمي البنجاب وسط البلاد، والسند جنوبًا.

لكن هذا النشاط الذي نشره في شبه القارة دعاة متجولون في القرن الثالث عشر، حلت محله في العقود الأخيرة، تيارات دينية أكثر تشددًا، وقد استهدفت حركات مثل طالبان أو تنظيم داعش في الفترة الأخيرة، المقامات الصوفية التي تعتبرها من البدع والشرك.

ففي نوفمبر 2016 ارتفعت حصيلة قتلى اعتداء بقنبلة أثناء تجمع لأتباع طريقة صوفية في بلوشستان جنوب باكستان إلى 43 قتيلًا.

وفي فبراير الماضي قُتل ما لا يقل عن 90 شخصًا، في اعتداء انتحاري أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عنه، استهدف ضريح شهباز قلندر الصوفي في سيهوان جنوب البلاد.

وفي أبريل قُتل 20 مصليًا في مقام صوفي شمال شرق باكستان، طعنًا بالسكاكين وضربًا بالعصي، بعدما سممهم المشرف على المقام واثنان من المتواطئين.

وفي أكتوبر وصل عدد قتلى تفجير انتحاري في مرقد صوفي جنوب غربي باكستان إلى 22 شخصًا.