العدسة – أحمد عبد العزيز

يعتبر الوليد بن طلال، هو الشخصية الأبرز بين من تم اعتقالهم في السعودية قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، ضمن حملة اعتقالات موسعة ضمت أمراء في الأسرة الحاكمة، ووزراء سابقين وحاليين، ومسؤولين ورجال أعمال.

ومنذ ليلة الاعتقال، وفور دخوله إلى فندق “ريتز كارلتون” بالرياض، الذي يبعد عن منزله قرابة 10 دقائق بالسيارة، لم يسمع أي شيء عن الوليد أو عن وضعه الصحي أو مصيره، أو حتى عن الاتهامات المحددة الموجهة إليه، في ظل الكثير من الأخبار المتضاربة التي تنتشر عبر وسائل الإعلام، حيث أكدت أكثر من وسيلة إعلام عالمية أن المحتجزين، ومن بينهم الوليد، يتعرضون للتعذيب البدني.

 

تهديد الاستثمارات الأجنبية

وترى صحيفة “نيويورك تايمز”، أنه ولأن الوليد كان الشخصية الاقتصادية والاستثمارية الأبرز في السعودية طوال سنوات، فإن عملية اعتقاله والظروف المحيطة بها، وعدم الشفافية في الاتهامات الموجهة إليه، كل ذلك أثار قلقا واسعا بين شركائه التجاريين في الكثير من بلدان العالم.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن اعتقال الأمير السعودي ولَّد حالة من الشعور بالقلق وعدم الثقة لدى المستثمرين داخل المملكة، بعدما باتوا يخشون على استثماراتهم في ظل الأوضاع الحالية والتوترات الكبيرة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد، والتي لا يبدو أن هناك قانونًا واضحًا يحكمها.

وتوقعت “نيويورك تايمز” أن يؤثر اعتقال “الوليد” على شركائه الكبار، أمثال عائلة “ماسايوشي” اليابانية، التي تمتلك “سوفت بانك” البالغ قيمته 100 مليار دولار، والذي تمتلك السعودية فيه حصة تبلغ 45%، كما رجحت أن يؤثر الاعتقال على الطرح العام المرتقب لشركة “أرامكو” عملاق البترول في العالم، والمزمع إجراؤه مطلع العام المقبل.

وقالت إن اعتقال الوليد أدى إلى بعض الانكماش في حركة الاستثمار الأجنبي داخل السعودية، مرجحة أن يتسبب ذلك في بطء وتيرة الاستثمار، على الأقل في المدى القريب.

ونقلت الصحيفة عن الكثير من المستثمرين الكبار في السعودية حاليا قولهم، إن عملية الاعتقالات الواسعة، وبالتحديد توقيف الوليد، قد أثارت قلقهم جميعا بلا ريب، حيث تشير بعض التكهنات إلى أن الوليد ليس متهما في قضايا فساد كما تزعم الحكومة، وإنما تم توقيفه رغبة من ولي العهد في السيطرة على شركة “روتانا” أكبر شركة ترفيهية في المنطقة، حيث تسعى الحكومة فرض المزيد من السيطرة على وسائل الإعلام، فيما تمتلك روتانا مكتبة ضخمة من أصول التليفزيون والأفلام والإذاعة.

 

رجال أعمال محبطون

ونقلت عن المدير التنفيذي لشركة “تايم وارنر” والرئيس السابق لمجموعة “سيتي جروب” التي كان يستثمر فيها الوليد، ريتشارد بارسونز، شعوره بالصدمة من اعتقال الرجل الذي كان يمثل دائما واجهة مشرفة وإيجابية للسعودية أمام دول العالم الغربي، وكان يعطي انطباعا دائما للاقتصاديين في أوروبا وأمريكا، أن المملكة قادرة على استيعاب أشكال الحياة الحديثة والاستثمار فيها والتفاعل معها.

وقال “بارسونز”: “لا أحد يعرف ماذا يحدث، لا توجد شفافية، ومن غير الواضح لماذا تمت هذه الحملة في السعودية؟ فإذا كنت مستثمرا أو رجل أعمال ولي استثمارات في السعودية، فالطبع سوف أتراجع قليلا للوراء أمام هذه الأحداث، وسوف أفضل الاحتفاظ بأموالي في جيبي بدلا من المغامرة بها بشكل غير محسوب”.

وأضاف “بارسونز”، الذي كان من بين عدد كبير من المسؤولين التنفيذيين الأمريكيين، الذين تحدثوا عن مخاوفهم مما تشهده السعودية حاليا، إنه عندما يتحدث الأمريكيون عن أماكن لاستثمار أموالهم خارج بلادهم، فإنهم يبحثون دائما عن مصطلح “سيادة القانون”، وهو ما يجعل العلاقة بين المستثمرين الأمريكيين والسعودية مرتبكة في ظل الأوضاع الراهنة.

 

مساعي الأصدقاء

وأكدت الصحيفة، أن العديد من شركاء الوليد حاولوا الاطمئنان على وضعه الصحي، أو الوقوف على طبيعة الاتهامات الموجهة إليه هو تحديدا، إلا أنهم لم يحصلوا على أية معلومات مفيدة.

فقد سعت عائلة “مردوخ” التي كان لها علاقات طويلة مع الوليد -حيث كان الأخير يستثمر في مجموعة “فوكس” المملوكة لمردوخ، كما أن العائلة تمتلك ما يقرب من 20% من مجموعة قنوات “روتانا” المملوكة للوليد- للحصول على أي معلومات حول وضعه، إلا أن سعيها لدى السلطات كان بلا جدوى.

كذلك كان للوليد علاقات واسعة مع مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية، وأحد أشهر أغنياء العالم بيل جيتس، حيث كان يمتلك الوليد حصة في منتجعات “فور سييزونز” التي يستثمر فيها جيتس، بالإضافة إلى تعاونهما في الكثير من الأعمال الخيرية.

ونتيجة لهذه العلاقة، خرج “جيتس” عن صمته، معبرا عن شعوره بالإحباط من القبض على الوليد، الذي بات غير قادر على التواصل معه، أو معرفة أخباره سوى من الصحافة، قائلا: إن الأمير السعودي كان شريكا هاما في عمل مؤسسته الخاصة بحماية الأطفال في جميع أنحاء العالم، مؤكدا أنهما عملا سويا للمساعدة في وقف انتشار مرضي شلل الأطفال والحصبة وغيرهما من الأمراض التي يمكن وقاية الأطفال منها لتوفير حياة أفضل لهم.

وكالة بلومبيرج الأمريكية من جانبها، قالت: إن الوليد بن طلال، لم يجد إلا القليل من الأصدقاء الذين وقفوا إلى جواره في الأوقات العصيبة التي يعيشها حاليا.

وأضافت في تقرير لها، أنه بالرغم من العلاقات الواسعة بين الوليد والكثير من المستثمرين في الغرب، والتي تمتد لأكثر من ربع قرن، وبعد مرور ما يزيد على 3 أسابيع قيد الاحتجاز، إلا أن أحدا من هؤلاء المستثمرين الكبار لم يحشد للدفاع عن الرجل، أو اتخاذ خطوات جادة لدى الحكومة السعودية لإنقاذه.

وبالرغم من ذلك، قالت الوكالة: إن الكثير من شركاء الوليد يريدون دعمه علنا، كما أنهم يشعرون أن صمتهم يجعلهم شركاء ومساندين للحملات القمعية التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضد خصومه، وفي الوقت نفسه، يخشون إن عبروا عن دعمه العلني، قبل التأكد من صحة الاتهامات الموجهة إليه، أن يفقدوا استثماراتهم في السعودية.

ولفتت إلى أن الكثيرين من شركاء الوليد في أمريكا وأوروبا، يرون أنه غير مذنب، ويتساءلون عن مدى كون اعتقاله مجرد “تصفية حسابات”، مؤكدين أن عدم الشفافية في حملة الاعتقالات التي شنها محمد بن سلمان على الأمراء، قد تعرقل طريق رأس المال الذي يتمنى “بن سلمان” أن يتدفق على السعودية خلال الفترة المقبلة.

 

تناقضات وغموض

وصفت الحكومة السعودية رسميا، اعتقال الوليد وعشرات من الأمراء ورجال الأعمال الآخرين، بأنه جزء من جهود “مكافحة الفساد” التي تم التخطيط لها منذ فترة طويلة، فيما رحب الكثيرون داخل السعودية بهذه الاعتقالات، وخاصة من الأجيال الشابة، الذين يرون أن فرصهم الوظيفية والنمو الاقتصادي للبلاد ككل قد تباطأت بفعل ثقافة “الكسب غير المشروع”.

أما خارج البلاد، فلازالت الصحافة العالمية تطرح الكثير من الأسئلة حول حقيقة ما حدث، وأُطلق على هذه الاعتقالات الكثير من التوصيفات، فقد اعتبرها البعض حملة للاستيلاء على السلطة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، وهناك من شبهها بالمذابح، وآخرون اعتبروها نسخة سعودية من “مذبحة ليلة السبت”، وهو ما دفع ولي العهد إلى القول بأن هذه التوصيفات “سخيفة”، في لقائه مع توماس فريدمان.

ومع ذلك، تتوقع السعودية أن تصل إلى تفاهمات مع أولئك المحتجزين، حيث توقع ولي العهد استرداد 100 مليار دولار، ومن غير الواضح إلى أي مكان سيتوجه أولئك الذين وافقوا على هذه الاتفاقات مع الحكومة، بعد مغادرتهم للريتز كارلتون، حيث يتوقع أن يبقى بعضهم في السعودية، فيما قد يبادر آخرون بالمغادرة الفورية للبلاد.

ويتساءل المقربون من الوليد، إذا كان قيد التحقيق منذ فترة -حيث قال ولي العهد في حواره لتوماس فريدمان: إن الحكومة كانت تعمل على قضايا الفساد منذ عامين- فلماذا منحته الحكومة الإذن بالحصول على حصة بلغت 16% من البنك السعودي الفرنسي المملوك لـ”كريدي أجريكول” مقابل 1.5 مليار دولار في سبتمبر الماضي، في واحدة من أكبر الصفقات المالية داخل السعودية مؤخرا، حيث كانت تتطلب الصفقة موافقة الهيئات الرقابية التي كان من المفترض أنها مطلعة على التحقيقات التي تجري حول ثروة الوليد منذ عام؟!