العدسة – منذر العلي

قمة ليست كسابقاتها، لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهي الأولى منذ الأزمة التي عصفت بالمنطقة قبل نحو 6 أشهر، وربما لم تكن الأجواء ملبدة بالغيوم قبل أي قمة سابقة مثلما هي الآن.

فغبار الأزمة التي أسفرت عن حصار قطر من قبل جيرانها الخليجيين (السعودية، والإمارات، والبحرين) لم ينقشع بعد، بل تزيد حدته، ويعلو ارتفاعه كلما مر الوقت دون حل، أو حتى بادرة أمل في حل قريب.

الكويت المضيف والوسيط، أرسلت بدورها دعوات حضور القمة إلى الدول الأربع، بالإضافة إلى سلطنة عمان، يومي الثلاثاء والأربعاء 5 و6 ديسمبر المقبل.

ولم تحصل الكويت حتى اللحظة على رد من دول الخليج، ولم يتضح بعد مستوى التمثيل في القمة وإمكانية حضور قطر، وفق مصدر دبلوماسي.

 

الكرة في ملعب الحصار

يبدو أن الكويت وضعت الكرة الآن في ملعب دول الحصار، التي باتت الأزمة برمتها مرهونة بمشاركتها في القمة دون انتظار هل تحضر قطر أم لا.

التساؤل يدفع إلى تساؤل آخر حول إرسال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، دعوة لنظيره القطري من أجل حضور القمة من عدمه، الأمر الذي أجاب عليه الأمير عمليًّا في سبتمبر الماضي، عندما أكد ضرورة أن تتواجد قطر بجانب أشقائها في دول مجلس التعاون.

أمير الكويت “الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح”

فهل تقبل دول الحصار الدعوة قبل التأكد من موقف قطر، أم تشترط عدم حضورها ؟

المنطق هنا والمصلحة يحتمان على دول الحصار المشاركة، لتبرهن للعالم كله أنها جادة في حل الأزمة عبر الحوار، إذ إن غيابها يهدد بفشل القمة ذاتها، ويلقي عليها باللائمة في تفجير الأوضاع وزيادة تعقيدها.

رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية “أحمد الجار الله” المقرب من دوائر صنع القرار في الكويت، أكد قبل أيام أن انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت تعد مؤشرًا على أن انفراج الأزمة الخليجية بات وشيكًا.

” خالد الجار الله “

وأضاف في تصريحات متلفزة أن “القمة ستنعقد وستحضرها كل الدول الخليجية بما في ذلك قطر”.

لكن ربما تصطدم تأكيدات الجار الله بموقف مسبق هو الوحيد من بين دول الحصار، الذي أعلنه ملك البحرين حمد بن عيسى أواخر أكتوبر الماضي، حيث قال: “طالما استمرت قطر على هذا النهج فإنه يتعذر على مملكة البحرين حضور أي قمة أو اجتماع خليجي تحضره قطر، ما لم تصحح من نهجها وتعُد إلى رشدها”.

 

مكافأة أم مشاركة رمزية؟

ولعل بعض المستجدات على الساحة الخليجية تقود إلى ترجيح سيناريو مشاركة دول الحصار في القمة، بالإضافة لتصريحات “الجار الله”.

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كشف أن قطر “استجابت عمليًّا” لبعض مطالب دول الحصار، بينما يُنتظر منها الاستجابة لمطالب أخرى تتعلق بمن أسماهم أعضاء المنظمات الإرهابية المتواجدين على أرضيها.

“الجبير” قال في لقاء متلفز مع فضائية “سي بي سي” الأحد 19 نوفمبر الجاري: إن “إجراءات دول المقاطعة دفعت قطر إلى توقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن تمويل الإرهاب، والسماح للمسؤولين الأمريكيين بمراقبة البنوك القطرية، وتقليص دعمها للمنظمات المتطرفة في سوريا وليبيا، وتقليص دعمها لحركة حماس”.

” عادل الجبير “

وعليه، فإن مشاركة دول الحصار في القمة ربما يأتي كنوع من أنواع المكافأة والرد المتماثل على ما اتخذته قطر من إجراءات، اعترف بها الجبير، الأمر الذي ينسحب على حلحلة قريبة للأزمة ككل، أو قد تشهد تلك القمة الحل فعلًا لما لاستضافة الكويت لها من رمزية شديدة، باعتبارها قائدة جهود الوساطة بين طرفي الأزمة منذ اندلاعها.

ورغم أن المشاركة في حد ذاتها أصبحت محسومة وفق المعطيات السابقة، إلا أن العقدة تبقى عند الحديث عن مستوى هذه المشاركة والكيفية التي تتمثل بها دول الحصار في القمة.

يبدو الإجماع على عدم مشاركة قادة الصف الأول لتلك الدول، فلن يحضرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أو ولي عهده، ولا ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أو حتى حاكم دبي محمد بن راشد فضلًا عن رئيس الإمارات خليفة بن زايد، نظرًا لظروفه الصحية التي تخفيه عن المشهد تمامًا، ومن البحرين قد لا يحضر ملك البلاد لتصريحه السابق في المقام الأول.

الملك سلمان و “نجله”

لكن التحديات التي يواجهها الخليج وفي مقدمته السعودية، خاصة من الجارة الفارسية إيران، ربما تدفع دول الحصار إلى المشاركة على مستويات منخفضة بدلًا عن الغياب الكامل.

يبقى التمثيل المقترح في هذه الحالة متأرجحًا بين وزراء الخارجية ومندوبي الدول في المجلس أو حتى في جامعة الدول العربية، أو السفراء، أو ربما غيرهم من المسؤولين من خارج السلك الدبلوماسي.

” محمد بن زايد “

 

سيناريوهات مشاركة قطر

قطر، الطرف الآخر للأزمة تبدو أكثر إقبالا على حضور القمة، بالنظر إلى التصريحات المتتالية من قادتها وفي مقدمتهم أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، التي تؤكد رغبة الدوحة الحثيثة في تجاوز الخلافات والجلوس على طاولة مفاوضات واحدة بجانب دول الحصار.

نية الدوحة كشفها وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في تصريحات متلفزة قبل أقل من أسبوعين، قائلًا: “قطر ستكون أول الحاضرين في قمة مجلس التعاون الخليجي المقبلة في حال الدعوة إلى عقدها”.

أمير قطر “الشيخ أمير بن حمد”

فضلًا عن هذا، تريد قطر أن تثبت نواياها لحل الأزمة، وهذا لن يكون إلا بالمشاركة في القمة وعلى أعلى المستويات أيضًا.

كما تبدو مشاركة أمير قطر بنفسه في القمة تلبية لدعوة نظيره الكويتي، الذي قد يرى في غيابه تقليلًا من شأنه.