العدسة – مؤيد كنعان

بينما كان الكثيرون ينتظرون موقف الفريق أحمد شفيق من الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2018، لم يكن يتوقع أبرز المحللين السيناريو الحالي، الذي يبدو مربكا ومفتوحا على احتمالات كثيرة وتساؤلات أكثر، وتوقعات لا يمكن الجزم بواحد منها، لكن في الأخير أعلن شفيق ترشحه، وما يمكن أن يجمع عليه المحللون أنه، وفقا لهذا الإعلان وما صاحبته من ظروف وتطورات، فإن السيسي ينتظر شهورا مقبلة صعبة.

النمطية التي كانت تتناول بها وسائل الإعلام المصرية والعربية لاحتمالات ترشح “شفيق” من عدمه انتهت، وأصبحت المياه الراكدة شديدة الاضطراب، وهكذا ينتظر الجميع الآن انعكاسات ما حدث على الداخل السياسي المصري، بعدما تحول شفيق فجأة إلى المنافس الأقوى للسيسي، والذي يصلح لأن يكون رمزا يلتف حوله الكثيرون ممن يريدون الخلاص من الجنرال الذي يحكم البلاد منذ يونيو 2014، ويرى الكثيرون أنه يحكم فعليا منذ 3 يوليو 2013.

 

ترشح مفاجئ

فجأة وبدون سابق إنذار، أعلن الفريق “شفيق”، في بيان أرسله إلى وكالة “رويترز” من مقره في الإمارات، أنه يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية 2018، ومؤكدا أنه سيعود إلى مصر خلال الأيام المقبلة، قائلا: “يشرفني أن أعلن رغبتي في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر كخيار لقيادة البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة”.

وبينما كان النقاش السياسي في الدقائق التي تلت إعلان “شفيق” الترشح يدور داخل مصر حول منطقية هذا الإعلان وجديته، قياسا على علاقات الرجل النافذة بالمسؤولين الإماراتيين، وعلى رأسهم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، خرج شفيق ليلقي قنبلة ثقيلة العيار، ببيان مصور، لكنه هذه المرة أرسله إلى قناة الجزيرة القطرية، والتي صنعت له مقدمة دعائية نشرتها سريعا على منصاتها بالإنترنت ومواقع التواصل.

“شفيق” شن خلال الرسالة هجوما على الإمارات، قائلا إنه فوجئ بقرار إماراتي بمنعه من المغادرة والسفر لأسباب “لا يفهمها أو يتفهمها” على حد وصفه، مضيفا: “أكرر مراراً الشكر للاستضافة الكريمة، ولكني أرفض التدخل في شؤون بلدي بإعاقة مشاركتي في ممارسة دستورية، ومهمة وطنية مقدسة”.

وفيما يبدو تحديا وإصرارا على قراره، مضى شفيق بالقول: “إنني أدعو الإخوة القادة المسؤولين برفع أي عوائق أمام حرية حركتي وسفري، وأتعهد لأبناء وطني بألا أتراجع إطلاقًا عن واجبي، متقبلًا في سبيل ذلك أي متاعب”.

 

رد إماراتي

بدا حينها أن الأمور تتجه إلى تصعيد مفاجئ، ودراماتيكية لم يكن أحدا يتخيلها، لاسيما بعد أن خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش ليرد على “شفيق” عبر “تويتر” بكلمات قاسية: “تأسف دولة الإمارات أن يرد الفريق أحمد شفيق الجميل بالنكران، فقد لجأ إلى الإمارات هاربًا من مصر إثر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2012، وقدمنا له كل التسهيلات وواجبات الضيافة الكريمة، رغم تحفظنا الشديد على بعض مواقفه”.

“قرقاش” أضاف: “آثرت دولة الإمارات في تعاملها التمسك دومًا بقيم الضيافة والرعاية، حبًّا لمصر والمصريين الذين لهم في قلوبنا وتوجهنا كل التقدير والاحترام، وتؤكد دولة الإمارات بأنه لا يوجد عائق لمغادرة الفريق أحمد شفيق الدولة”.

الرد الإماراتي السريع، والإعلان عن السماح لشفيق بالسفر، عكس رغبة من أبو ظبي في عدم تصعيد الأمور، لكيلا تدخل نفس المأزق الذي دخلته السعودية، منذ أسابيع، مع المجتمع الدولي حينما احتجزت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأجبرته على الاستقالة من منصبه، وفق تأكيدات، صحيح أن هناك فارقا كبيرا بين شفيق والحريري، لكن في الأخير كان منع الإمارات لمواطن مصري من العودة إلى بلده وممارسة حقه الدستوري سينتج استنكارا دوليا، لا سيما مع رمزية “شفيق” في المشهد المصري.

ما سبق يعني أن “شفيق” نجح بهجومه المفاجئ في إحراج الإمارات بشدة، وكان مكسبا شديد الأهمية لقناة الجزيرة القطرية أن تكون منبرا لهذا الأمر.

” أنور قرقاش “

 

الآن، لندخل سريعا إلى الاحتمالات والتساؤلات..

أولا: الاحتمالات

يشير ما حدث إلى جملة من الاحتمالات، هذه أبرزها، وبصيغة مباشرة:

1- أخبر “شفيق” الإماراتيين برغبته ونيته في الترشح، ورفضوا فكرر الطلب، فهددوا بمنعه من السفر، فأعلن الترشح ووضعهم في مأزق، بادعاء أنهم يمنعونه من السفر وممارسة حقه الدستوري، مما استدعى ردا إماراتيا سريعا للخروج من المأزق، ((هذا هو أقوى الاحتمالات المطروحة من حيث المنطق)).

2- لم يخبر “شفيق” الإماراتيين بنيته للترشح، وأعلن القرار دون التشاور والتنسيق معهم، فكان القرار بمنعه من السفر، فقرر التصعيد، والباقي مذكور في الاحتمالية السابقة ((هذا الاحتمال رغم منطقيته لكنه يظل صعبا، نظرا لمكوث “شفيق” في الإمارات طوال الفترة السابقة)).

3- ما يحدث لعبة بالتنسيق بين الإماراتيين و”شفيق” لتصدير صورة زائفة إلى السيسي مفادها أن الإمارات مستمرة في دعمه، وفي هذه الحالة فإن ترشح “شفيق” ورد الإمارات وتصعيد الأول مجرد تبادل أدوار متفق عليه، ((هذا الاحتمال ضعيف أيضا نظرا لمتانة العلاقة بين أبو ظبي والسيسي وتجاوبه التام مع الإماراتيين محليا وإقليميا)).

4- السعودية دعمت “شفيق” وطلبت منه الترشح، لكن الإمارات رفضت، وقررت احتجازه، فقرر التصعيد، وفي هذه الحالة فإن السعودية قد تكون قررت دعمه دون التنسيق مع الإمارات، وهو ما ينذر ببداية شقاق بين الرياض وأبو ظبي ((يظل هذا الاحتمال ضعيفا أيضا نظرا لحالة الترابط الحالية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و”بن زايد”، وإن كانت المملكة بالفعل قد تكون حانقة على السيسي بعد رفضه التجاوب مع تصعيد عسكري محتمل ضد إيران أو حزب الله)).

5- أوروبا (فرنسا أو ألمانيا تحديدا) قررت دعم “شفيق” وأوعزت له بذلك، وفي هذه الحالة سيكون “شفيق” مرشحا مدعوما أوروبيا على غير هوى الخليج والسيسي ((هذه الاحتمالية قد تكون أقوى من سابقتيها، وذلك قياسا إلى الامتعاض الأوروبي من أداء الحلف الخليجي المصري حاليا في المنطقة)).

“بن زايد” و بن سلمان

 

نيويورك تايمز: الإمارات تفرض إقامة جبرية على "شفيق" منذ الجمعة الماضية

” أحمد شفيق “

 

ثانيا: التساؤلات:

1- من يدعم “شفيق” في تحركه الحالي؟ الإجابة قد يكون جزء منها حول تخصيصه قناة “الجزيرة” القطرية بحديثه الحصري للتصعيد ضد الإمارات، وهذه الجزئية تحديدا ستكون مفصلية في التعاطي مع “شفيق” في مصر والمنطقة خلال الفترة المقبلة، حيث بدأ الإعلام المصري بالفعل في تجهيز سيناريوهات هجومية على الرجل، باعتبار أنه مدعوم قطريا، وبالتالي من الإخوان وتركيا.

– هل تدعمه السعودية بالفعل؟ وإن كان فهل “بن سلمان” هو من يدعم أم أجنحة أخرى مناوئة له ولتحالفه مع السيسي و”بن زايد”؟ يظل هذا السؤال أيضا مهما، فأجنحة القوة بالمملكة باتت متباينة الأهداف والطريقة.

– ما هي وجهة “شفيق” المقبلة بعد سفره من الإمارات؟ الإجابة السريعة هي مصر، لأنه أعلن رجوعه للبلاد كي يمارس حقه الدستوري في الترشح رسميا والدعاية وما إلى ذلك، لكن بعد هذا التصعيد وظهوره على “الجزيرة” وبداية هجوم الإعلام المصري عليه، فهل سيقدم السيسي على اعتقاله؟ المؤكد أن تضييقا شرسا سيمارس على أنصاره والمتعاونين معه، لكن مسألة اعتقاله شخصيا تظل شديدة الصعوبة، وإن لم تكن مستحيلة، حال توفير غطاء قانوني لها (قضية تخابر – تمويل) وفي هذه الحالة قد يتم حرمانه من الترشح بقرار قضائي، واعتقاله أو دفعه إلى الفرار مجددا.

ملحوظة: خلال كتابة تلك السطور نشرت صحيفة “اليوم السابع”، المقربة من السيسي شخصيا، تقريرا نقلت فيه عن مصادرها أن “شفيق” سيلجأ إلى دولة أوروبية.

– هل يوجد احتمال أن يدير “شفيق” المعركة الانتخابية من الخارج؟ الأمر صعب ولكنه غير مستبعد، قياسا إلى شراسة السيسي المتوقعة في الرد عليه، وفي هذه الحالة لمن سيتوجه “شفيق”؟ السعودية أم قطر أم دولة أوروبية؟

في كل الأحوال من المنتظر أن تكشف الساعات المقبلة عن كثير من المفاجآت والتطورات، قد ننتظر مقارنة بين موازين القوى الإقليمية لكل من السيسي و”شفيق”، الأول يبدو ظاهريا أنه مدعوم من الخليج والولايات المتحدة “على مستوى الرئيس الأمريكي”، والأهم “إسرائيل”، لكن الثاني بالتأكيد ليس وحده.