العدسة – موسى العتيبي

الإمارات تلك الدولة الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن 86 ألف كيلو متر مربع، ويسكنها نحو 9 مليون إماراتي فقط، وتشتهر بأبراجها العالية وناطحات السحاب الضخمة، إلا أنها ومع ذلك تعد واحدة من أكثر دول العالم قمعا وانتهاكا لحقوق الإنسان، وكأن أبراجها العالية تحجب عن العالم جرائمها المتعددة.

وبرغم صدور مئات التقارير التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات إلا أن المجتمع الدولي غالبا ما يغض الطرف عن تلك الانتهاكات ويتعامى عنها، بفضل اللوبي الإماراتي ذي العلاقات المتشعبة مع كيانات كبرى تمتلك نفوذًا دوليًّا وأمميًّا كبيرًا.

التقرير الصادر عن «المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان» (غير حكومي ومقره جنيف) هو أحدث التقارير التي ترصد الانتهاكات التي تقوم بها حكومة الإمارات ضد معارضين، والتي انتقلت من ساحة التعذيب والاعتقال والاختفاء القسري إلى «الاستعمال القمعي للتكنولوجيات الحديثة».

كل شيء مراقب

وفقا لتقرير “المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان” فإن السلطات الإماراتية أطلقت «نظام عين الصقر»، لرصد المكالمات، واعتراض الاتصالات والمراسلات، وتعقب نشاط السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين.

كما سنّت دولة الإمارات العديد من القوانين التي نالت من خصوصية الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين، واخترقت حياتهم الخاصة، ومنها القانون عدد 5 لسنة 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والقانون الاتحادي عدد 3 لسنة 2012، بشأن إنشاء الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني.

وساهمت كذلك المعدات التي يستخدمها جهاز أمن الدولة في التنصت ومراقبة تحركات وأنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان في الزج بالكثير منهم في السجون فقط؛ بسبب انتقادهم للنظام السياسي، أو لمنهج الاعتقالات التعسفية، أو الإبلاغ عن حالات انتهاك لحقوق الإنسان.

كما كشف التقرير أن شركة «بي أيه إي سيستمز» البريطانية للصناعات الدفاعية، تمد الإمارات بتكنولوجيا تجسس متطورة وأنظمة فك شفرات.

كما اقتنت الإمارات من شركات بريطانية سنة 2015 أنظمة حديثة لاعتراض الاتصالات والتنصّت على الهواتف ومنها ما يعرف بـ«IMSI-catchers».

ولفت التقرير الحقوقي إلى «تعمد سلطات الإمارات صياغة مواد التجريم والعقاب بشكل عام وفضفاض، من أجل التمكن بسهولة من ملاحقة الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين وحبسهم لمدد طويلة».

وعاب التقرير «عدم اشتراط المؤسسات التجارية، قبل تعاملها مع سلطات الإمارات، وعدم إساءة استخدام التقنية المتطورة المبيعة انتهاك والنيل من حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتدخل التعسّفي في خصوصية الشخص أو أسرته أو بيته أو مراسلاته أو سمعته، كما لم تشترط سنّ قوانين متطابقة مع المعايير الدولية، ووجود إشراف قضائي مستقل ونزيه، والحق في التظلم للضحايا، وجبر الضرر وردّ الاعتبار».

تدني في مؤشر الديمقراطية

وتحتل الإمارات مراتب متدنية للغاية فيما يتعلق بمؤشرات الحريات العامة، فعلى سبيل المثال جاء ترتيب الإمارات متأخرا في مؤشر الديمقراطية لسنة 2016؛ إذ احتلت المرتبة 147، ووصف نظام حكمها بـ«النظام التسلطي»، كما تصنف كدولة «مغلقة» وفقا لمرصد «سيفيكوس» المختص بالفضاء المدني، بعد أن وجد الاحتجاج العام داخل دولة الإمارات أمرا مستحيلا، ورصد رقابة صارمة على محتوى الإنترنت.

كما تأخرّ ترتيب الإمارات، في مؤشر حرية الإنترنت لسنة 2016؛ فاحتلت المركز 55 عالميا من أصل 65، واحتلّت المركز 119 من أصل 167 في مؤشر حرية الإعلام والصحافة.

ووفقا لتقرير المركز الدولي للعدالة فأن «الإمارات تتباطأ في الانضمام للعديد من الصكوك والعهود الدولية، ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”.

كما أنها لا زالت تتحفظ على عدد من مواد الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ولم تنضم للبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب”.

الاعتقالات التعسفية

الأبراج الإماراتية الشاهقة، تخفي وراءها سجونًا موحشة تضم مئات النشطاء السياسيين والمعارضين، وربما المواطنين العاديين، فقط لكونهم أبدوا اعتراضا على السلطة الحاكمة في دولة الإمارات.

وتعد الإمارات صاحبة تاريخ طويل من الاعتقالات التعسفية على خلفيات التعبير عن الرأي وانتقاد سياسة الحكومة، فقائمة معتقلي الرأي في الإمارات طويلة جداً، وغالبا ما تنتهي فترة الاعتقال بأحكام قضائية تعسفية تصل للسجن أكثر من 20 عاما.

فتهمة “المس بالذات الأميرية” في الإمارات هي تهمةٌ كبيرةٌ تستحق العقاب الذي لا يستثني أحدا، حيث يشير المركز الدولي لدعم الحقوق والحريات وعضو تحالف المحكمة الجنائية الدولية في عدة تقارير صدرت عنه إلى قيام السلطات الإماراتية باعتقال عدد كبير من المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان  بتهم “المس بالذات الأميرية”.

ويقول المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان  في تقرير صادر عنه: “إن السلطات الإماراتية هناك ما زالت تواصل سياسة الاعتقال التعسفي بشكل واسع دون مبررٍ من القانون”، وينتقد المرصد تعامل السلطات الإماراتية مع حالات التعبير عن الرأي التي تتضمن انتقاداً للحكومة ولسياساتها بـ “خشونة مبالغ بها وباعتبارات أمنية غير مقبولة وفي إطار منافٍ لحقوق الإنسان”.

ونظرا لوجود تعتيم رسمي على يجري في سجون الإمارات، فإن العدد الإجمالي للمعتقلين غير معروف، إلا أن تقارير حقوقية عدة تؤكد تعرض المعتقلين لانتهاكات حقوقية واسعة.

وبحسب المنظمة العربية لحقوق الإنسان، فإن عام 2014 على سبيل المثال،  كان قاسياً على حقوق الإنسان في الإمارات، إذ حصد جهاز الأمن 1491 انتهاكاً لمواطنين ومقيمين في الدولة، كان الإماراتيون الأكثر فيها.

اختفاء القسري

مئات المعتقلين، من الإماراتيين والأجانب  يتعرضون للاختفاء القسري على أيدي السلطات الإماراتية، حيث يتم احتجازهم لعدة أشهر سرا دون الإقرار باحتجازهم، وفق تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية.

وكثير من هؤلاء الأشخاص،  الذين يتم إخفاؤهم قسريًّا يذكرون لدى الإفراج عنهم، أنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.

وتعرضت للإخفاء القسري لأشهر الشقيقات الثلاث أسماء ومريم واليازية بنات خليفة السويدي، والذين شغلوا الرأي العام العربي والدولي لفترات طويلة.

كما تعرض عبد الرحمن بن صبيح للاختفاء القسري لمدة ثلاثة أشهر على أيدي السلطات الإماراتية، بعد أن أعادته إندونيسيا قسرا إلى الإمارات في ديسمبر2015، كما تعرض للاختفاء القسري فترات طويلة ناصر بن غيث، وهو أستاذ جامعي وخبير اقتصادي.

وأخفت سلطات الإمارات قسريا الأكاديمي والحقوقي البارز الدكتور محمد عبد الله الركن، قبل تقديمه للمحاكمة والحكم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية “الإمارات 94” (الوارد ذكرها في الفقرة الموالية).

كما أخفت سلطات الإمارات “مجموعة شباب المنارة” قسريا لمدة 20 شهرا بعد اعتقالهم 2013.

” محمد عبد الله الركن “

 

” شباب المنارة “

المحاكمات الجائرة

المنظمات الحقوقية ترصد أيضا بين الحين والآخر محاكمات لمئات الأشخاص في الإمارات وبينهم مواطنون أجانب، أمام دائرة أمن الدولة، وكثيرا ما كان ذلك بناءً على تهم صيغت بعبارات مبهمة تتعلق بأمن الدولة، وفق العفو الدولية.

وحرمت دائرة أمن الدولة المتهمين من الحق في تقديم دفاع فعال، وقبلت أدلة انتزعت تحت التعذيب لإدانة المتهمين.

وفي وقت سابق أدانت دائرة أمن الدولة 34 شخصا بتهم من بينها إنشاء “مجموعة شباب المنارة” بغرض “الإطاحة بالحكم”.

ولا يزال العالم يذكر المحاكمة الجماعية التي أجرتها الإمارات في عام 2013، وعرفت إعلاميا بقضية “الإمارات 94″، وخضع لها 94 إماراتيا متهمين بـ”التآمر ضد نظام الحكم” في البلاد وتشكيل “تنظيم سري” للإخوان المسلمين، وذلك بعد مطالبتهم بإجراء إصلاحات سياسية.

ووصفت هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تلك المحاكمة بأنها “جائرة” ولم ترق حتى إلى مستوى المحاكمة.

قضية ” الإمارات 94 “

سحب الجنسية

أيضا فإن السلطات الإماراتية تقوم بين الفينة والأخرى بسحب الجنسية من المواطنين الإماراتيين الذين يقومون بممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم، سحب الجنسية هي عقوبةٌ تعني الحرمان من كل الحقوق المدنية كالتعليم والعمل والصحة وحتى الإقامة، عقوبةٌ يراد منها ردع كل المواطنين وتحذيرهم أن انتقاد الدولة والمطالبة بالإصلاح تعني الطرد والحرمان “فتدبر أيها العاقل”.

وتقول مصادر حقوقية: إن السلطات الإماراتية تعتمد بين وقت وآخر  قائمة تسقط عنها الجنسية الإماراتية، وغالبا ما يكونون أفرادا أو عائلات كاملة، وتطلب ممن شملهم القرار تسليم كل المستندات الخاصة بجواز السفر وخلاصة القيد والبطاقة الشخصية بصورة طوعية، أو إجبارهم على ذلك.