قبل وقت ليس بالبعيد شبه ولي العهد السعودي المرشد الأعلى لإيران بهتلر، لكن يبدو أنه تراجع عن آرائه حول استبداد وقمع الإيرانيين، ليشرف اليوم على مصالحة سعودية/إيرانية تهدف إلى الدخول في حقبة جديدة من الازدهار الإقليمي، على حد قوله.

وحين كان لا يزال في الـ 29 من عمره، وكان وقتها وزيرًا للدفاع، شن بن سلمان هجومًا شرسًا على المتمردين الحوثيين -المدعومين من إيران- في اليمن، لكنه يتابع الآن محادثات عبر القنوات الخلفية يمكن أن تخرج القوات السعودية أخيرًا من الصراع.

وعن نزاعاته مع خصومه الإقليميين تركيا وقطر، عكف بن سلمان بعد وباء كورونا على إصلاح العلاقات مع الطرفين، وحل المشكلات التي كانت تزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.

يرى المحللون أن هذه الخطوات دلالة على نضج الأمير السعودي البالغ من العمر 37 عامًا، وأنه تحول من شخصية متهورة ومندفعة إلى لاعب قوة براغماتي، لكن حتى الآن لا يمكن الجزم بأن سياساته الحالية نقاط إيجابية كون السلبيات الأخرى، والكثيرة، المتعلقة بالسياسات الداخلية لم تختف بعد.

قال عمر كريم، الخبير في السياسة الخارجية السعودية في جامعة برمنجهام، إن الاتفاق مع إيران على وجه الخصوص “يمثل تغييرًا جذريًا في نهجه السياسي”، مما يشير إلى “النضج وفهم أكثر واقعية لسياسات القوة الإقليمية”، ومع ذلك، من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت إجراءات خفض التصعيد هذه ستنجح – وإلى أي مدى ستصل.

لا يزال الاتفاق مع إيران بحاجة إلى التفعيل، إذ من المقرر إعادة فتح السفارات بحلول الأسبوع الثاني من مايو/أيار بعد سبع سنوات من قطع العلاقات الثنائية.

على الصعيد العربي، قالت وسائل إعلام رسمية في المملكة يوم الخميس إن السعودية وسوريا تجريان محادثات بشأن استئناف الخدمات القنصلية وعودة العلاقات بعد أكثر من عقد على قطع المملكة الخليجية العلاقات مع نظام بشار الأسد الذي كانت تقف السعودية وراء محاولات الإطاحة به ولسنوات دعمت قوى المعارضة المختلفة.

بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك، فإن أجندة الرياض واضحة: تقليل الاضطرابات في الخارج للحفاظ على التركيز على مجموعة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، أو هكذا يدعي الملك المحتمل ورجاله.

في تصريحات خاصة لمسؤول سعودي، قال: “رؤيتنا هي شرق أوسط مزدهر، لأنه بدون أن تتطور منطقتك معك، هناك حدود لما يمكنك تحقيقه”.

اعتمد محمد بن سلمان منذ بداية صعوده للسلطة على خطاب الإصلاح والتجديد، والتي نفذ بعضها بالفعل من أجل تلميع سمعته أمام المسرح العالمي، خاصة بعد الاضطرابات والأزمات التي انخرط بها بسبب ملف حقوق الإنسان، وفي عهده، سمحت المملكة للنساء بقيادة السيارات، وافتتحت دور السينما وبدأت في منح تأشيرات سياحية.

وفي صفقات اعتبرها البعض محاولات لغسيل السمعة والتغطية على الانتهاكات، وقع صندوق الثروة السيادي سلسلة من الاستثمارات رفيعة المستوى واشترى نادي Newcastle United ملمحًا إلى كيف يمكن لأجندة إصلاح “رؤية 2030” أن تجعل أكبر مصدر للخام في العالم ينوع اقتصاده بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

محاولات بن سلمان للإصلاح والتجديد كانت جادة، لكنه بنفسه هو الذي عرقلها بسبب القمع المتصاعد في الداخل وإخراس الأصوات المعارضة وخنق الحريات، وما زاد من تعقيد الأمور ضد مشاريعه الجريمة البشعة التي قُتل فيها الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول عام 2018.

القمع الداخلي مع التهديدات الأمنية الخارجية أربكوا حسابات محمد بن سلمان، وأدرك المسؤولون السعوديون أن التهديدات الأمنية خاصة من إيران، تهدد خطط الأمير محمد الكبرى.

التهديد الأكبر كان إبان هجمات عام 2019 ضد منشآت نفطية سعودية أدت إلى خفض إنتاج الخام إلى النصف مؤقتًا، والتي أعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتها عنها.

واتهمت الرياض وواشنطن طهران بالوقوف وراء العملية، وهو ما نفاه الإيرانيون.

قال محللون ودبلوماسيون إن الحادث غير قواعد اللعبة، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى اتباع مسار أكثر تصالحية أو بمعنى آخر أكثر دبلوماسية لحماية مصالحها والتقليل من الخسائر التي لم تتكبد سواها منذ صعود بن سلمان للسلطة، وحرب اليمن دليل.

شعر المسؤولون السعوديون بخيبة أمل شديدة بسبب الرد الفاتر من إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، والتي يعتقدون أنها قوضت مقايضة النفط مقابل الأمن التي عززت شراكة البلدين لعقود.

قال دبلوماسي عربي مقيم في الرياض: “لقد صُدم السعوديون لأن الأمريكيين لم يفعلوا شيئاً لحمايتهم”.

وأضاف الدبلوماسي: “أخبرنا المسؤولون السعوديون أنهم بحاجة إلى التركيز على المشاريع العملاقة “، مشيرًا إلى مدينة نيوم، المدينة الضخمة المستقبلية، وكذلك مركز فنون ناشئ في مدينة العلا الشمالية… إذا أصاب صاروخ واحد نيوم أو العلا، فلن يكون هناك استثمار أو سياحة… رؤية 2030 ستنهار “.

لم يكن محمد بن سلمان الأول في المنطقة الذي أعاد العلاقات مع إيران، سبقته الكويت والإمارات العربية المتحدة اللذان أعادا العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية العام الماضي.

لكن يُنظر إلى الصفقة السعودية الإيرانية على أنها أكثر أهمية لأن الدولتين الثقيلتين في الشرق الأوسط وجدا نفسيهما في كثير من الأحيان على طرفي نزاع – ليس فقط في اليمن، ولكن أيضًا في أماكن مثل لبنان والعراق.

قال أيهم كامل من مجموعة أوراسيا: “تسعى المملكة إلى إعادة ضبط جيوسياسية محسوبة تحاول بشكل شامل تحسين البيئة الأمنية الإقليمية الأوسع”.

فيما أضافت آنا جاكوبس من مجموعة الأزمات الدولية: “يعد خفض درجة التصعيد مع إيران طريقة ذكية لخفض التوترات في جميع أنحاء المنطقة وتخفيف بعض المعارك بالوكالة التي تحيط بالمملكة العربية السعودية”.

والخطوة التالية لتنفيذ الاتفاق هي اجتماع بين وزيري خارجية البلدين، رغم أنه لم يُحدد موعده بعد.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال مسؤول إيراني إن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تلقى دعوة لزيارة المملكة العربية السعودية من الملك سلمان، والد الأمير محمد، على الرغم من أن الرياض لم تؤكد ذلك بعد، ستتم مراقبة هذه اللقاءات المتوقعة عن كثب مع استمرار المخاوف من أن التقارب لا يزال هشًا.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا