العدسة – غراس غزوان

بينما ينظر العالم إلى الدور الروسي في سوريا، تعزز موسكو نفوذها في مناطق أخرى بالشرق الأوسط، لتحصين مكانتها كلاعب محوري في الأمن الإقليمي للمنطقة.

وفي خطوة جديدة على طريق التقارب بين القاهرة وموسكو، تدفع الأخيرة باتجاه استخدام البنية التحتية والمجال الجوي والمطارات العسكرية في مصر.

وتعكس مسودة الاتفاق التي أعلنت عنها الحكومة الروسية مساعي موسكو لاستعادة مكانتها السابقة أيام الاتحاد السوفيتي، ولعب دور أكبر في القضية الليبية لدعم حليفها هناك اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، حيث نشرت الحكومة الروسية مسودة اتفاق بين روسيا ومصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد 5 سنوات أخرى.

وأوعز رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيدف لوزيري الدفاع والخارجية بحكومته بإجراء مفاوضات مع المسؤولين المصريين والتوقيع على الاتفاقية مباشرة عقب الانتهاء من المحادثات.

وأوضح البيان الحكومي الروسي أن مسودة الاتفاق جرى التباحث بشأنها بشكل مبدئي مع الجانب المصري، وربما تكون الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو للقاهرة تم خلالها تم وضع اللمسات الأخيرة عليها

ويأتي نشر الوثيقة غداة زيارة وزير “شويجو” للقاهرة عقد خلالها لقاءات مع مسؤولين سياسيين وعسكريين.

وتعكس الاتفاقية الجديدة إيلاء موسكو أهمية كبيرة لتواجدها في الشرق الأوسط وتعزيز قواتها العسكرية هناك، كما توجه الأنظار إلى الحدود الغربية لمصر حيث يتواجد اللواء خليفة حفتر في ليبيا وهو حليف آخر لموسكو تسعى من خلال تواجدها في مصر لدعمه.

التدخل العسكري الروسي في “سوريا”

 

التواجد الروسي في مصر

الخطوة الروسية الجديدة داخل الأراضي المصرية ربما لم تكن الأولى ففي مارس الماضي قالت مصادر أمريكية ومصرية ودبلوماسية لوكالة رويترز أن روسيا نشرت قوات خاصة في قاعدة “سيدي براني” الجوية غرب مصر، والتي تقع على مسافة 100 كيلو متر من الحدود مع ليبيا، وهي خطوة من شأنها زيادة المخاوف الأمريكية بشأن دور موسكو المتنامي في ليبيا، بحسب وكالة رويترز.

واعتبر المسؤولون الأمريكيون أي نشر لقوات روسية في هذه المنطقة يدخل في إطار محاولات موسكو لدعم القائد العسكري الليبي خليفة حفتر .

وقال المسؤولون الأمريكيون إن الولايات المتحدة لاحظت فيما يبدو قوات عمليات خاصة روسية وطائرات بدون طيار عند قاعدة سيدي براني الجوية على بعد 100 كيلومتر من حدود مصر مع ليبيا.

وأشارت رويترز إلى أن مصادر أمنية مصرية قدمت مزيدا من التفاصيل حول التواجد الروسي في قاعدة سيدي براني العسكرية مؤكدة نشر وحدة عمليات خاصة روسية قوامها 22 فردا دون أن توضح تفاصيل أكثر، كما أفصحت المصادر عن استخدام روسيا لقاعدة مصرية أخرى بمرسى مطروح في أوائل فبراير 2017.

قاعدة “سيدي براني” العسكرية في مصر

 

علاقة حفتر وموسكو

خلال الأشهر الأخيرة وطدت موسكو علاقتها مع “حفتر” وظهر ذلك من خلال إجراء الأخير لمحادثات مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو عبر دائرة تلفزيونية من على متن حاحملة طائرات روسية في البحر المتوسط.

كما زار حفتر العاصمة الروسية منتصف أغسطس الماضي والتقى خلالها سيرجي لافروف وزير الخارجية الذي أكد دعم موسكو لقوات حفتر ودعم توجهاته للتوصل إلى عملية تسوية سياسية مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، لاستعادة الدولة.

وأعلنت موسكو مرات عديدة دعمها “البرلمان الليبي” الذي ترى أنه تم انتخابه من قبل الشعب، وبالتالي دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يؤيده برلمان طبرق وترى موسكو أنه يسيطر عسكريا على غالبية الأراضي الليبية.

ويقول الكاتب الصحفي نيكولاي كوزانوف، الأكاديمي في معهد تشاتم هاوس، أن الكرملين يستخدم مشاركته في ليبيا في تعزيز التعاون مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين وخاصة مصر والإمارات العربية المتحدة، وأشارت بعض المصادر القريبة من وزارة الخارجية الروسية إلى أن السيسي الذي أقنع روسيا بدعم حفتر وافقت موسكو على القيام بذلك لإغراءه، وهكذا، فإن التعاون الروسي المصري بشأن ليبيا جلب الحوار بين موسكو والقاهرة.

” حفتر و بوتين “

جدوى الاتفاقية

ربما يتساءل البعض عن جدوى الاتفاقية لمصر ، مع الإجماع على أن الخطوة الأخيرة لا يمكن فصلها عن توجه للنظام المصري لتوسيع الروابط العسكرية مع موسكو وتوقيع صفقات تسليح تم بموجبها شراء طائرات مقاتلة ومروحيات ووحدات رادار وأسلحة أخرى من روسيا ، فضلا عن تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة بين الدولتين والتي كان آخرها في أغسطس الماضي.

وبينما تفتح مصر مجالها الجوي للطائرات الحربية الروسية فإن مفارقة أخرى تحتاج إلى تفسير لها ، حيث يستمر الحظر الروسي لرحلات الطيران المدني إلى مصر منذ سقوط طائرتها وسط سيناء ومقتل جميع ركابها وطاقمها نهاية أكتوبر 2015، وربما يقول البعض أن الهدف من الاتفاقية هو إعادة السياحة الروسية إلى مصر التي تمثل 30% من نسبة السياحة الوافدة، بالإضافة إلى الحصول على مصدر جديد لـ “الرز” من خلال تأجير القواعد العسكرية لموسكو.