العدسة – موسى العتيبي
جدل كبير أثارته تصريحات نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الأسبوع الماضي، والتي أكد فيها أن الرئيس دونالد ترامب يدرس بجدية موعد وكيفية نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس.
تصريحات نائب الرئيس الأمريكي تزامن معها تقارير إسرائيلية أكدت أن الرئيس الأمريكي ينوي نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، قبل يوم الأحد المقبل، كما سيعترف بالقدس كـ”عاصمة لدولة إسرائيل”، حسب تعبيرها.
القناة الإسرائيلية الثانية ومواقع إسرائيلة أخرى رجحت احتمالية أن يعلن ترامب في الأيام المقبلة اعترافا رسميا من الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل خلال أيام.
البيت الأبيض أيضا زاد من حدة الغموض بشأن هذا الأمر، حيث خرج في تصريحات أكد فيها أن المعلومات حول نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، من تل أبيب إلى القدس، هي معلومات سابقة لأوانها، مؤكدًا على أنه لا يوجد شيء مؤكد حول هذا الموضوع، حتى يتم إعلانها بشكل رسمي، وهو ما يعني أن الإعلان الرسمي قد يكون قريبا.
كل تلك التصريحات زادت من الجدل والقلق في الأوساط العربية والفلسطينية، ودفعت لكثير من المسؤلين والمختصين بالإدلاء بتصريحات توضح خطورة إقدام الرئيس الأمريكي على خطوة كهذه، خصوصا وأنها تتزامن مع أحاديث متنوعة عما يعرف بـ”صفقة القرن”، التي تمهد لإقامة وطن بديل للفلسطينيين.
فهل حقا سيقدم ترامب على تلك الخطوة الصعبة؟ وكيف سيكون الموقف الدولي؟ وما هو رد الفعل الفلسطيني والعربي المتوقع؟ وماذا يعني بالأساس نقل السفارة الأمريكية للقدس بدلا عن تل أبيب.
أولا ماذا يعني نقل السفارة للقدس؟
يعني نقل السفارة الأمريكية للقدس انحيازًا تامًّا من الإدارة الأمريكية إلى جانب إسرائيل، حيث تعتبر مدينة القدس أهم المدن الفلسطينية المقدسة للفلسطينيين ولعموم المسلمين، وهي واحدة من المدن التي تقع في صلب النزاع بين الاحتلال الإسرائيلي، حيث يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المنشودة، بينما تصر إسرائيل على جعهلها عاصمة لها.
ورغم أن الأمم المتحدة تعترف بالقدس الشرقية كأرض محتلة وتخضع لبنود معاهدة جنيف الرابعة، وترفض بذلك الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، إلا أن إسرائيل استمرت في توسيع حدود القدس، رغم أن الأمم المتحدة اعتبرت ذلك عائقا كبيرا أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.
مدينة “القدس”
وعلى مدار الأعوام الماضية كانت الولايات المتحدة ترفض رسمياً- شأنها شأن باقي دول العالم- الاعتراف بالضم الإسرائيلي للقدس الشرقية المحتلة منذ 1967.
ويوقع رئيس الولايات المتحدة كل ستة أشهر، قراراً بتعليق نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، وذلك بعد أن تبنى الكونجرس الأمريكي قراراً في العام 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فأصبح القرار بيد الرئيس الأمريكي الذي بات يؤجله كل ستة أشهر.
وتكمن خطورة الخطوة الأمريكية بحسب مراقبين في أن نقل السفارة لمدينة القدس يعد اعترافا نهائيا بدولة إسرائيل، وبالتالي أصبحت القدس عاصمة لإسرائيل ولا داعي لوضعها على طاولة المفاوضات، وفقًا للمنظور الأمريكي، وسيتم التعامل مع هذا الملف عالميًّا وليس فقط أمريكيًّا.
موقف الحركات الفلسطينية
ربما إن أقدمت أمريكا على خطوة كهذه فإن انتفاضة قوية ستندلع في كافة البلدان الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن نقل السفارة الأمريكية للقدس يعني نهاية حل الدولتين، ويعني بالنسبة للفلسطينيين انتهاء المسار التفاوضي وإغلاق الباب كليا أمام المفاوضات، وهو ماقد يعد أمرا غير مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي.
كذلك فإن نقل السفارة الأمريكية للقدس، قد يدفع الفصائل الفلسطينية المقاومة للدخول على خط المواجهة مع المحتل الإسرائيلي، حيث إن”القدس” تمثل بالنسبة للمقاومة آخر الحصون المتبقية من مقدسات الدولة الفلسطينية المحتلة، وضمها رسميا لإسرائيل ربما يقضي على أمل استعادتها من الاحتلال.
وفي حال تدخل فصائل المقاومة في مواجهة مباشرة مع الاحتلال كـ”حماس والجهاد” فإن ذلك قد يعني تعطيلا لمسار المصالحة الفلسطينية، التي هي بالأساس تشهد الكثير من العقبات هذه الأيام، وهو ما قد يؤزم المشهد السياسي في المنطقة ككل.
“فتح” و “حماس”
وكانت حركة حماس قد حذرت في تصريحات سابقة من خطورة خطوة نقل السفارة الأمريكية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، مؤكدة على لسان مشير المصري، القيادي بالحركة، أن الرد الأمثل على هذه الخطوة هو “بالتحلل” من الاتفاقيات مع الاحتلال وسحب الاعتراف به، مشدداً على أن حركته ستتحرك على شتى الصعد لمواجهة هذه الخطوة.
وبين المصري، أن الإدارة الأمريكية تتجاوز الخطوط الحمراء بنقلها لسفارة واشنطن وترتكب “جريمة”، مشيراً إلى أن المقاومة هي الوحيدة الكفيلة بإلجام الاحتلال والخطوات الداعمة له.
بينما اعتبر الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو بمثابة “إعلان حرب على الشعب الفلسطيني”.
وفي تقرير سابق لها حذرت مجلة فورين بولسي الأمريكية من أن “المضي قدمًا في نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس المحتلة، يهدد باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، واصفة تلك الفكرة بأنها مروعة لإسرائيل وفلسطين وللشرق الأوسط”.
موقف الحكام العرب
” محمد بن سلمان “
” عبد الفتاح السيسي “
” محمود عباس “
وفقا لمراقبين، فإن الموقف العربي أصبح متناغما إلى حد كبير مع الرغبة الأمريكية والإسرائيلية في تلك الخطوة، حيث تعمل كل من مصر والإمارات والسعودية، على أن تمر تلك الصفقة بهدوء ودون قلاقل، حيث وافق عبد الفتاح السيسي على إتمام تلك الصفقة بحسب تقارير دولية، ويسعى بين الحين والآخر إلى إقناع السلطة الفلسطينية بها.
ولم يبدِ أي من المسؤولين العرب اعتراضا واضحا على خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس، عدا تصريحات خافته لملك الأردن عبد الله الثاني، قال فيها إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في هذه المرحلة سيكون له تداعيات في الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية، وسيشكل مخاطر على حل الدولتين، وسيكون ذريعة يستغلها الإرهابيون لتكريس حالة الغضب والإحباط التي تشكل بيئة خصبة لنشر أفكارهم.
فاعتراض “ملك الأردن” ليس على النقل، ولكن على تداعياته وفقط، وهو مايمكن أن يتم التفاهم عليه لاحقا.
من جهة أخرى، فإن السعودية لا تجد أي مانع في نقل السفارة الأمريكية للقدس، خصوصا بعد الزيارة السرية التي قام بها جاريد كوشنر، المستشار الخاص لترامب، وقائد فريقه لعملية السلام إلى السعودية، حيث أكد محللون أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على خطة نقل السفارة، والتقى بعدها بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ليطلعه على الاقتراح، وحاول إقناعه بقبول الخطة وإبداء رأي إيجابي بشأنها بحسب ما نقلته صحيفة التايمز اللندنية.
صفقة القرن وتهيئة الأجواء
ووفقا لما سبق، فإن مراقبين يرون أن نقل السفارة الأمريكية للقدس بدلا من تل أبيب بات أمرا وارد جدا خلال الأيام المقبلة، وأن ماتفعله الإدارة الأمريكية حاليا هو بمثابة تهيئة الأجواء لتلك العملية التي من الوارد أن تتم مع بدايات العام الجديد، أو خلال أيام قليلة، وفقا للتقارير الإسرائيلية.
” نتنياهو بصحبة ترامب “
وفي هذا الإطار، فإن التقارير والصحف الغربية والعربية المؤيدة للحكومات والأنظمة، تواصل حديثها عما يعرف بـ “صفقة القرن”، وهي الصفقة التي بها يتم تحقيق “السلام” وإنهاء ملف الصراع العربي الإسرائيلي تماما، من وجهة نظر أمريكية.
وتتمثل الصفقة بإقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة، والمناطق A، وB، وأجزاء من المنطقة C في الضفة الغربية، إلى جانب ضم مساحات كبيرة من سيناء المصرية للدولة الفلسطينة، وأن توفر الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية؛ بما في ذلك المطار، والميناء البحري بغزة، والمناطق الإسكانية والزراعية والصناعية والمدن الجديدة، في مقابل أن يتم الاعتراف عربيا بدولة إسرائيل وعاصمتها القدس الشرقية.
ويربط مراقبون بين تقليص نشاطات مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وبين تلك الصفقة، حيث علقت منظمة التحرير الفلسطينية عمل مكتبها في واشنطن، احتجاجا على الضغوطات التي تمارس عليها من قبل الولايات المتحدة لوقف مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.
اضف تعليقا