في كل مرة يحاول فيها محمد بن سلمان إعادة ترتيب خططه الجيوسياسية في المنطقة، تقف أمامه العقبات والجهود المضادة لإحباط طموحاته وإفشال خططه، هذه المرة راهن بن سلمان على السلام لأجل حل بعض المشكلات، لكن كالعادة اختياره للسلام لم يكن موفقًا، بل كان مع شخصية مستبدة من أكثر الديكتاتوريين العرب دموية، وكالعادة وقفت ضد جهوده خمس دول عربية ترفض إعادة الأسد للمحيط العربي.

أحدث خطوات الرياض للتطبيع مع الأسد كانت دعوة دمشق لحضور قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 19 مايو/أيار المقبل، وقد صُممت هذه الخطوة لإظهار النفوذ الدبلوماسي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المنطقة، وقوته على تحدي الولايات المتحدة التي ترفض العفو عن سوريا، والتي تحذر من تعميق علاقاته مع خصومها: روسيا والصين.

على مدار الأشهر الماضية، بدأت عدة دول عربية وعلى رأسها السعودية والإمارات إحياء العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وفي الشهر الماضي، أعادت المملكة العربية السعودية العلاقات مع إيران في صفقة توسطت فيها بكين.

إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، المكونة من 22 دولة، من شأنها إضفاء الشرعية على بناء العلاقات مع الأسد، بعد عقد من نبذ الرئيس السوري بسبب حملته الوحشية على المعارضين وإغراق البلاد في حرب أهلية، خاصة وأن السعودية كانت تقود حملة لعزل الأسد على مدار العقد الماضي، لكن مع تعزيز نفوذ محمد بن سلمان في السلطة، تغير الموقف السعودي من وحشية الأسد وأصبح مرحب به داخل الأراضي السعودية نفسها.

وصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الأربعاء، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة لم يعلن عنها من قبل للقاء نظيره السعودي، وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، في أول زيارة يقوم بها كبير الدبلوماسيين السوريين إلى المملكة منذ أكثر من عقد.

وقال الجانبان في بيان مشترك صدر مساء الأربعاء إن وزيري الخارجية ناقشا الخطوات اللازمة لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية يحقق المصالحة الوطنية ويعمل على إعادة سوريا إلى الصف العربي، كما بدأت السعودية وسوريا عملية استئناف الخدمات والرحلات القنصلية بين البلدين، بحسب البيان.

بالرغم من هذه الخطوات المتسارعة نحو إعادة دمج سوريا في المحيط العربي، صرح مسؤولون عرب رفيعو المستوى بأن أربعة أعضاء على الأقل من جامعة الدول العربية هم المغرب والكويت وقطر واليمن، يرفضون إعادة انضمام سوريا إلى الجامعة، مضيفين أنه حتى مصر، التي أحيت العلاقات مع سوريا في الأشهر الأخيرة وهي حليف قوي للسعودية، ترفض عودة الأسد.

وأضاف المسؤولون إن هذه الدول تريد من بشار الأسد التعامل أولًا مع المعارضة السياسية السورية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتًا لتقرير مستقبلهم.

قال متحدث باسم الوزارة إن وزير الخارجية المصري سامح شكري أبلغ الأمم المتحدة يوم الاثنين أنه يؤيد تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يتطلب خارطة طريق لإجراء انتخابات حرة في سوريا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري يوم الثلاثاء إن بلاده دعت وزراء من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن للاجتماع في جدة يوم الجمعة لبحث العلاقات مع سوريا.

كما أن لبعض الدول العربية مطالب ثنائية، مثل المغرب الذي يريد من حكومة الأسد إنهاء دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، التي تريد استقلال الصحراء الغربية.

وأضاف المسؤولون أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، على الرغم من ارتباطها الوثيق بالسعودية، تعارض أيضًا التطبيع الفوري بسبب دعم سوريا للمتمردين الحوثيين في اليمن.

وبالرغم من أن جامعة الدول العربية لا تملك سلطات تنفيذية، لكن موافقاتها تعني الكثير بالنسبة لبشار الأسد في حال وافق جميع الأعضاء على عودة انضمامه للكيان الذي أُسس عام 1945 لمواجهة الاستعمار الأوروبي كهيئة سياسية موحدة.

لعبت الجامعة العربية دورًا بارزًا في دعم الفلسطينيين أمام الاحتلال الإسرائيلي، وقد كان الموقف الموحد الذي اتخذته الجامعة عام 1973 في منع النفط عن الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل مؤثرًا وساهم في تغيير المشهد، كما ساهمت الاقتراحات بتعليق ليبيا ثم سوريا – العضو المؤسس – في تدخل أجنبي للإطاحة بمعمر القذافي وفرض عقوبات صارمة على الأسد وحكومته.

في حين أن التصويت بالأغلبية ستكون كافية لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية، فإن الإجماع فقط سيكون ملزمًا لجميع الأعضاء ويوفر الشرعية اللازمة للضغط على المجتمع الدولي بشأن رفع العقوبات.

من جانبه قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في مؤتمر صحفي الشهر الماضي: “لا يوجد إجماع عربي في الوقت الحالي بشأن قضية إعادة قبول سوريا المحتملة في جامعة الدول العربية”.

قال المسؤولون العرب إن بعض الدول التي تعارض إعادة قبول سوريا ضاعفت من مطالبها، بما في ذلك دعوات إلى دمشق بقبول القوات العربية لحماية اللاجئين العائدين، وقمع تهريب المخدرات غير المشروع، ومطالبة إيران بالتوقف عن توسيع نفوذها في البلاد.

في حين أن العديد من المسؤولين العرب ما زالوا يرفضون التعامل مع الأسد بسبب أفعاله ضد شعبه، فإنهم يقولون إن السياسات الدولية التي تعزل سوريا تثبت أنها تأتي بنتائج عكسية مع مرور الوقت، مما يعزز نفوذ إيران في المنطقة.

إذا لبت دمشق بمطالب الدول الرافضة، فقد تفتح الطريق ليس فقط لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ولكن أيضًا تسمح لها بإضافة أصواتها إلى أي جهد أوسع للضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة الأسد، على حد قول المسؤولين العرب.

وأضاف هؤلاء المسؤولون أن الأسد لم يُظهر حتى الآن أي اهتمام بالتغيير السياسي، خاصة أنه بدعم من إيران وروسيا، استعادت حكومة الأسد السيطرة على جزء كبير من البلاد، باستثناء جزء من الأراضي الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد وآخر منطقة يسيطر عليها المتمردون في محافظة إدلب شمال غرب البلاد.

ومع ذلك، لا يزال بشار الأسد حريصًا على إصلاح العلاقات مع جيرانه العرب لأن ذلك يمكن أن يصقل صورته في الداخل وربما يؤدي إلى المساعدة في إعادة بناء البلاد، كما يقول المسؤولون العرب.

يُذكر أنه خلال الأسابيع الأخيرة، قام بشار الأسد بزيارة عمان والإمارات العربية المتحدة، كجزء من عملية أوسع لتطبيع العلاقات الدبلوماسية.

في اجتماعات مع الدول العربية، ضغطت الولايات المتحدة والدول الأوروبية للتوصل إلى موقف منسق بشأن حكومة الأسد، وفقًا لمسؤولين أوروبيين ومسؤولين في الشرق الأوسط، الذين أكدوا أن الدول الغربية لا تزال متمسكة بقرار للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في داخل سوريا وعند الممر الآمن للسوريين النازحين بسبب الصراع، إلى جانب إطلاق سراح السجناء السياسيين وإجراء انتخابات حرة.

من جانبها قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني يوم الأربعاء “إن موقفنا ضد التطبيع واضح للغاية…  لن نتطبع مع نظام الأسد ولا ندعم تطبيع الآخرين مع غياب الأصالة والتقدم نحو حل سياسي “.

وحسب خبراء فإن إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه لن يكون سهلاً على الدول العربية، حتى لو كانوا من أكبر حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات.

في الشهر الماضي، كتبت مجموعة من المسؤولين والخبراء الأمريكيين السابقين بشأن سوريا إلى الرئيس بايدن قائلة إن المحاولات العربية لتطبيع العلاقات مع سوريا دون إصلاحات سياسية تتعارض مع أجندات الأمن وحقوق الإنسان الأمريكية، محذرين من استمرار حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في تعزيز العلاقات مع الأسد.

بالرغم من ذلك يستمر النظامان السعودي والإماراتي في تعزيز الجهود لإعادة الأسد إلى المحيط العربي في أسرع وقت معللين أن إعادة دمج سوريا أمر ضروري لإعادة بناء البلاد والتخفيف من أزمتها الإنسانية بعد عقد من الصراع، وكذلك لوقف تدفق المخدرات غير المشروعة والمقاتلين المتطرفين من الدولة المضطربة.

 

للاطلاع على المعنى الأصلي من المصدر اضغط هنا