العدسة – موسى العتيبي

على وقع زخَّات الرصاص استيقظ اليمنيون فجر السبت، بعدما اشتدت الاشتباكات الدامية بين ميليشيا الحوثيين وقوات الرئيس  اليمني المخلوع  علي عبد الله صالح، والتي أسفرت عن سيطرة صالح وقواته على معظم المنشآت الحكومية في صنعاء، وهي المدينة التي استعصت على القوات السعودية التي تدكّ معاقل الحوثيين فيه منذ عامين بلا طائل أو جدوى.

وبين عشيةٍ وضحاها انقلب كل شيء في اليمن، وتحديدًا في العاصمة المشتعلة “صنعاء”، فالحوثيون الذين كانوا يسيطرون على كل شيء باتوا  تقريبًا لا يملكون في أيديهم شيئًا، والمخلوع صالح الذي كان مقيدًا بالأغلال الحوثية، أًصبح الآمر الناهي في البلاد.

السيطرة شبه الكاملة من قوات صالح على “صنعاء” دفعت زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي للخروج من مخبأه والمطالبة بتهدأة الأجواء، ودعوة المخلوع علي عبدالله صالح للتعقل والكفّ عما وصفه بالتهوُّر اللامسؤول”، مهددًا قوات المؤتمر بـ”فرض الأمن” ودعاها للتراجع.

فإلى أين تسير الأوضاع في اليمن؟ إلى ثورةٍ شعبيةٍ تنتصر فيها إرادة الشعب على ميليشيا الحوثي وهيمنة صالح ووقف النفوذ الخليجي السعودي في البلاد؟ أم إلى تسوية سياسية برعايةٍ سعوديةٍ إماراتيةٍ تنتهي بوضع جيد لصالح وأبنائه وأنصاره، مقابل القضاء على سيطرة الحوثيين على البلاد وإنهاء الحرب فيها؟ أم أنّ الأوضاع تنذر بحرب جديدة تقضي على الأخضر واليابس في اليمن؟

Image result for ‫انقلاب اليمن‬‎

مظاهرات “اليمن”

 

بداية الخلاف

تعود بداية الأزمة الفعلية في اليمن إلى 21 سبتمبر 2014 حين سيطر مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيون- الشيعة) على صنعاء وانقلبوا على الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي، وذلك بمساعدة قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية المرتبطة بالمخلوع علي عبد الله صالح.

السيطرة الحوثية على اليمن، دفعت السعودية إلى خوض ما يعرف بـ”عاصفة الحزم” التي بدأتها في مارس 2015؛ حيث زعمت وقتها أنّها ترغب في إعادة الشرعية لليمن برئاسة هادي، لكن الهدف الحقيقي من تلك الحرب هو وقف الانتشار الحوثي في اليمن، ومن ثمّ وقف التمدد الإيراني على جنوب المملكة.

وعلى مدار عامين ونصف، كانت العلاقة بين “صالح” والحوثيين، وصالح والسعودية، متأرجِحة، تارة تتجه كفة صالح وقواته إلى الحوثيين، وتارة تتجه إلى السعودية، في محاولة منه للحصول على أكبر مكاسب ممكنة.

لكن ومع تأزم الوضع الإنساني في اليمن، وتعالي الأصوات المطالبة بفتح ملف أممي عن انتهاكات السعودية باليمن السعيد، الذي تحوَّل إلى يمن حزين، بعد انتشار الكوليرا بين الأطفال، والأمراض المتوطنة، وانهيار كل القطاعات التعليمية والصحية في البلاد، قررت السعودية الدخول في خط تسوية بينها وبين المخلوع “صالح” علَّه وقواته يستطيعون تحقيق ما فشلت فيه الطائرات السعودية، وقوات التحالف العربي في تحقيقه.

ومع تقارب “صالح” مع اليمن، انقلب الحوثيون بطبيعة الحال عليه، وبدأت المواجهات تشتعل بين الحين والآخر بين قوات صالح وحزب المؤتمر الشعبي، وبين الميليشيا الحوثية، التي كانت تسيطر بشكل كاملٍ على صنعاء.

Image result for ‫على عبدالله صالح و الحوثيين‬‎

” على عبدالله صالح “

 

الشعب ليس في المعادلة

وفقًا لمراقبين فإنَّ تحالف صالح مع الحوثي كان من الأساس تحالف أزمة، وليس تحالفًا استراتيجيًا مبنِيًّا على قواعد ثابتة، وهو تحالف مصلحي بَحْت فرضته المعطيات على الأرض، والشعب اليمني ليس في معادلة الاثنين معًا لا صالح ولا الحوثيين، لذلك فإنَّ الانقلاب على بعضهما البعض كان أمرًا متوقعًا منذ اليوم الأول لتحالفهما ضد حكومة هادي.

وعلى مدار ثلاثة أعوام من سيطرة الحوثيين على اليمن، لم يجنِ المواطن اليمني سوى الخراب والدمار في كل القطاعات؛ حيث سجل معدل الفقر في اليمن أرقامًا قياسية بلغت لنسبة 85% من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة.

كذلك فإنّ أكثر من مليوني طفل يمني باتوا يعانون من سوء التغذية الحادة، ويفتقر نحو 16 مليون نسمة إلى المياه الصالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي، وكل ذلك بسبب الحرب التي اندلعت في البلاد بعد سيطرة الحوثيين عليها.

كذلك فقد تسبّبت الحرب السعودية على الحوثيين في تفشي الكوليرا في اليمن ووصلت أعداد المصابين بها لنحو المليون مصاب، وكان السبب الرئيسي تدمير المنشآت الصحية هناك جراء القصف السعودي الحوثي وما تبعه من نقص الأدوية، وقلة الأطباء، وانتشار النفايات وأكوام القمامة في الشوارع بسبب الحرب وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين كل ذلك ساعد على انتشار الكوليرا وأصبحت وباءً يطارد اليمنيين.

كذلك فإنَّ هناك قتلى تخطى عددهم 5 الآف مدني على الأقل منذ اندلاع الحرب في اليمن، وفقًا لما أعلنه المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد.

Image result for ‫اوضاع اليمن ‬‎

أوضاع “مأساوية” فى اليمن

 

دور السعودية والإمارات

بعدما تأزّم الوضع في اليمن بين الحوثيين وميليشيا الحوثي من جهة، وبين قوات التحالف العربية بقيادة السعودية من جهة أخرى، وفشل الجميع في تحقيق أي استقرار منشود، بدأت كل من “الرياض، وأبو ظبي” في الاتجاه إلى مسلك سياسي جديد، علّه ينقذ الجميع، ويخرجهم من مستنقع الحرب في اليمن.

الاتجاه الجديد تمثل في إحداث تسوية سياسية لأزمة اليمن بإشراف سعودي إماراتي، بحيث يتولى نجل الرئيس اليمني السابق، العميد أحمد علي صالح، المقيم في الإمارات، منصب وزير الدفاع في حكومة جديدة بموجب تسوية سياسية.

الإمارات اقترحت على المملكة تحويل المعركة بينها وبين الحوثيين إلى معركة بين الحوثيين وحزب صالح، ليعود النزاع يمنيًا يمنيًا وتخرج المملكة بأقلّ الخسائر، مكتفية بتأمين حدودها، وهو مكسب مهمّ؛ نظرًا للغارات اليومية التي بات الحوثيون يشنونها على تلك الحدود مكبدين القوات السعودية خسائر يتمّ التكتم على معظمها، وعندما يموت جندي سعودي ليس له ظهير عائلي قوي يتم تشييعه ودفنه بصمتٍ، بأوامر حكومية، ولكن عندما يموت آخر من عائلة أو قبيلة لها نفوذها، لا تجد الاستخبارات السعودية بدًا من الإعلان عن موته، وتشييع جنازته كبطل، مع الحرص على إيفاد ممثل عن السلطة السعودية الحاكمة في الجنازة والعزاء، ومساومة ذوي القتيل على الصمت، مقابل امتيازات متعددة.

من هنا جاءت موافقة “بن سلمان” على تدعيم حزب المؤتمر ماديًا وعسكريًا، مع الحفاظ على ولائه للسعوديين، لذلك اختارت الرياض رشاد العليمي، القيادي الموالي للرئيس اليمني الحالي عبد ربه هادي لتسليمه حوالي 100 مليون ريال سعودي لإعادة ترتيب صفوف الحزب وتموضعه من جديد في صدارة المشهد اليمني ضد الحوثيين.

تقوية حزب المؤتمر عبر حلفاء هادي، وإرضاء صالح عبر تعيين نجله وزيرًا للدفاع، تبدو ملامح الخطة السعودية الإماراتية للانسلاخ من المستنقع اليمني قد اكتملت، لكن هل سيكون التنفيذ سهلًا؟

وفي 19 أكتوبر الماضي هدّد حزب “صالح” رسميًا بإنهاء الشراكة مع الحوثيين، متهمًا إياها بممارسة الاضطهاد والتنكيل بقيادات وأعضاء الحزب “المؤتمر الشعبي العام”، بحسب تقرير نشرته “العربية نت”، والتي نشرت صورة ضوئية لرسالة رسمية بعث بها عارف الزوكا، أمين عام الحزب، إلى الحوثيين حوت تفاصيل ذلك التهديد.

Image result for ‫بن سلمان‬‎

” محمد بن سلمان “

 

ليلة الانقلاب على الانقلاب

وكبدايةٍ فعلية لتنفيذ الخطة السعودية اندلعت على مدار الأيام الثلاثة الماضية مواجهات دموية بين شريكي الانقلاب، سقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن يتم الإعلان مساء الجمعة، عن التوصل لتهدئة، لم تصمد لساعات، لينفجر الوضع بشكل عنيف وأشد ضراوة من المواجهات السابقة فجر اليوم.

وفي تصاعد درامي للأحداث كانت اليمن في الثاني من ديسمبر الجاري على موعد لحدوث انقلاب على الانقلاب في اليمن، بعد هجوم واشتباك عنيف شنته قوات حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، ضد السيطرة الحوثية على صنعاء ومعسكراتها العسكرية والحي السياسي وبعض الوزارات والمصالح الحكومية والبنوك.

وعلى الرغم من أنّ صراع الحوثي وصالح شريكي الانقلاب على الشرعية قد ظهر على السطح منذ أكثر من عام وحدوث عددٍ من الاشتباكات وحصار ميليشيا الحوثي لمقرات تابعة للمؤتمر العام وزعيمه “صالح” ؛ إلا أنها كانت تنتهي بوساطات وتفاهمات سرعان ما تنقض.

وخلال الساعات الأولى من فجر اليوم السبت انتشرت قوات المؤتمر في صنعاء وسيطرت على المناطق الحيوية فيها؛ بعد معارك شديدة مع ميليشيا الحوثي، ما اضطر الميليشيا إلى الانسحاب من بعض المواقع المهمة واستسلام عدد من قواته.

Image result for ‫اشتباكات اليمن‬‎

اشتباكات “اليمن”

وقامت قوات المؤتمر بقيادة طارق صالح بتطويق مطار صنعاء، ومقرات الجمارك والمالية، والبنك المركزي، إضافة إلى وكالة سبأ التابعة للحوثي، ومبنى التلفزيون، ومبنى وزارة الدفاع ومعسكر النقل في صنعاء بالإضافة إلى السفارة السعودية والإماراتية والسودانية.

وسرعان ما خرج زعيم ميليشيا “الحوثي” في خطاب مرتبك، ناشد خلاله الرئيس السابق “صالح” بالتعقل، وقال عبدالملك الحوثي: “فوجئنا بموجةٍ من الاعتداءات تنفذها شخصيات تابعة للمؤتمر الشعبي العام إثر تصرفات لا مبررة، أتحدّى أن يقال بأنه كان هناك أي اعتداء على أي من منازلهم أو مقارهم قبل الاعتداء على الأجهزة الأمنية‏‎”.

وتابع الحوثي: “أناشد زعيم المؤتمر أن يكون أنضج من تهورات الميليشيات”، وأضاف في خطابه “أدعو إلى الكف عن التهور اللامسؤول واللامبرر ونحن أحرص الناس على الوضع الداخلي ‏‎وليحتكم المؤتمر معنا إلى العقلاء والمشايخ في البلد ويتحمل الخطأ من يحكم عليه”.

من جانبه خرج علي عبدالله صالح في خطاب تلفزيوني هاجم فيه بشدة ميليشيا الحوثي، ودعا لفتح صفحة جديدة مع دول الجوار والتحاور بعد إنهاء القتال.

وقال “صالح” لأهالي صنعاء: “انتفضوا لوحدتكم ومن أجل دولتكم، ويجب إنهاء الميليشيات العاملة على اليمن كافة”، متابعًا: “الحوثيون شنّوا اعتداءات سافرة بأنواع الأسلحة كافة، والشعب اليمني تحرَّك بانتفاضة ضدّ اعتداءاتهم السافرة لقد زجوا بالأطفال في حربهم، وأدعو اليمنيين كافة إلى الانتفاض ضدّ ميليشيات الحوثي”.

وطالب “صالح” القوات المسلحة إلى عدم تلقي أيّ أوامر من ميليشيات الحوثي، مشيرًا إلى أن مرجعية الجيش وقوات الأمن لحزب المؤتمر وليس للحوثيين، وأضاف: وأدعو إلى فتح صفحة جديدة مع دول الجوار.

على الفور خرج التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، ببيان صحفي، يبارك ما يجري في اليمن، لتكتمل الصورة بشكل أوضح؛ حيث أكّد البيان ثقة التحالف بأن استعادة أبناء حزب المؤتمر الشعبي زمام المبادرة وانحيازهم لشعبهم اليمني وانتفاضته المباركة ستخلص اليمن من شرور الميليشيات الإيرانية الطائفية الإرهابية، وعودة يَمَن الحكمة إلى محيطه الطبيعي العربي الخالص، مؤكدًا وقوف التحالف بكل قدراته في كافة المجالات مع مصالح الشعب اليمني للحفاظ على أرضه وهويته ووحدته ونسيجه الاجتماعي في إطار الأمن العربي والإقليمي والدولي.